الكعبة المشرفة قصة بناء الكعبة عام 1039هـ ( 8 )

سادن الكعبة..و القناديل
في ضحوة هذا اليوم  تمت دعوة (سادن البيت الشريف/جمال الدين محمد بن قاسم الشيبي)  ، و سئل عن قائـمة قناديل البيت ، فقال : (لا قائـمة لها عندي أصلاً) . و حضر كتبة الحرم فقال كلٌّ منهم : (ما حضرنا ذلك و لا عندنا فيه شيء) . وتـم استدعاء (عبدالرحمن بن أبي البقاء) فأحضر دفترين :
الأول : بخط أخيه (عقيل) ، موثقةٌ فيه بتاريخ 1019هـ في عهد قضاء (السيد/محمد أفندي) .
الثاني : بخط (عبدالرحمن بن أبي البقاء) : و هو أحدث من الأول و تاريخه في موسم حج عام 1037هـ في عهد حكم (الشريف/أحمد بن عبدالمطلب) و موثقةٌ فيه كالتالي :

  • القناديل الذهبية : 19 (و في نسخة من إنباء الجليل 18)
  • القناديل الفضية : 33

فاعترض السادن و قال : (ما أُطَالَبُ إلا بـما تَضَمَّنَهُ الخط الثاني دون الأول ، لأن البيت كان بيد السادن قبلي) يقصد (الشيخ/عبدالرزاق الشيبي العبدري) ، و قال : (الثلاثة و الثلاثون الفضة ليست كذلك كلها ، بل معظمها هكذا ، و فيها نحاسٌ مُـمَـوَّهٌ بالفضة ، و فيها زجاجٌ ،و تكسَّر بعضه)  . فتم تأجيل البت في هذا الأمر إلى أن يتم الاجتماع بالشريف و عرضه عليه و أخذ رأيه .

و في يوم الإثنين 4 جمادى الأولى توجه (نائب الحرم) و (قاضي مكة المكرمة) و (شيخ الحرم المكي الشريف) و (سادن البيت العتيق) و (آغا جدة) للقاء (شريف مكة المكرمة/عبدالله بن حسن) بخصوص مسألة القناديل ، و تم طلب القناديل ، فتم إحضارها من بيت (السادن) ، و قُرِئَ الدفتر الأول المكتوب بتاريخ 1029هـ في عهد (الشريف/أحمد بن عبدالمطلب) و فيه ضبط عدد و وزن القناديل فكانت كما هي مكتوبة في الدفتر من غير زيادة و لا نقصان (19 قنديلاً ذهبياً و 33 قنديلاً فضياً) ، و تم تسليمها بديوان الشريف بحضور المذكورين .

ابن علان..و الجدران المقدسة
اجتمع (الشيخ/محمد بن علان الصديقي) بمهندس مكة المكرمة (المعلم/علي بن شمس الدين) فوجده مصراً على أن يـهدم جدار الكعبة اليماني (الجنوبي بين الركن اليماني و الحجر الأسود) ، و أن رأيه أن العمل لن يصلح إلا بذلك ، فهو يريد هدم كل الجدران ، و بناءها بناءً محكماً على أساس واحد كما تقتضيه أساليب الهندسة و قواعد البناء ، فقال له (ابن علان) بأنه لا يجوز هدم إلا ما تدعو الضرورة إلى هدمه ، و أن الأمر السلطاني كان لبناء المتهدم دون هدم القائم ، و أن العمل موقوف على ما أمر به السلطان ، كما وعظه و خَوَّفه من انتهاك حرمة البيت الحرام .

اجتمع الشيخ بعد ذلك مع (نائب الحرم) ، و ذكر له رأي (المعلم/علي شمس الدين) ، و ذكر له نقولات تفيد بمنع هدم ما لـم يثبت ضرورة هدمه و الحاجة الماسة لذلك ، و قال له : (إن بناء الكعبة تابعٌ لهندسة جبريل و ظل السكينة الذي بنى عليه الخليل و أعانه عليه إسماعيل لا خيط العملة) ، فقال (نائب الحرم) : (الأمر كما ترون ، و لا نـهدم منها إن شاء الله تعالى إلا ما يثبت بالضرورة ضرورية هدمه ، أو حاق الحاجة إليه ، و ما بقي ندعه على ما هو عليه حتى يسقط فيهيء الله له من يقوم بعمارته) .

و أَلَّفَ (الشيخ/ابن علان) رسالةً خاصةً بـهذا الأمر بعنوان : {إيضاح تلخيص المعاني في بيان منع هدم جدار الكعبة اليماني}
و أعطى نسخةً منها لـ(نائب الحرم) و لـ(قاضي مكة المكرمة) و لـ(شيخ الحرم المكي الشريف) .

الترتيبات النهائية..و العمل يوشك على البدء
في يوم الأحد 10 جمادى الأولى بدأ تجهيز مكان لوضع النورة و تخميرها ، فشرع العمال في كشط الحصى من الأرض في المنطقة المحاذية لـ(باب الوقادين) إلى محاذاة (دكة الفقيه النزيلي) ، و وضعوا أخشاباً عمودية كأعمدة سَـمَّرُوا فيها أخشاباً بصورةٍ أُفقية أحاطوها بـها ، و كانت النورة قد بدأ العمل في وقيدتـها منذ 18 ربيع الآخر .

خبرٌ سيء
و في يوم الجمعة 15 جمادى الآخرة بينما كان الحَمَّارون ينقلون النورة على ظهور الحمير على هيئة كتل و يَصُفُّوْنَـهَا في المكان الذي تمت تـهيئته كما سبق ، و في نفس الوقت كان النجارون يعملون في نشر الأخشاب ، و الحجارون يقطعون الحجارة الجديدة من (جبل الكعبة) ليستلمها النحاتون ليجهزوها للعمل ، جاء خبر مفجع ، (والي مصر/محمد علي باشا الألباني) جهز سفينة تم تحميلها بالرخام و الآلات و الأخشاب و الأدوات و غيرها و أرسلها ، لكن الأقدار تقضي بهبوب عاصفة شديدة تسببت في غرق السفينة ، و وصل خبرها في هذا اليوم .

الاجتماع التنفيذي الثالث..و قرار بدء العمل
في يوم الثلاثاء 19 جمادى الأولى اجتمع بالمسجد الحرام (الأمير/رضوان آغا معمار) و (السيد/محمد بن محمود أفندي الأنقوري) (نائب الحرم) و تباحثا في بداية العمل في عمارة الكعبة المشرفة ، قال (نائب الحرم) : (ننتظر المعمارية و العملة الواصلين لذلك من مصر) ، و رأى (رضوان آغا) البدء دون انتظار ، و تقرر البدء بالعمل يوم السبت 22 جمادى الأولى مبدئياً بعمل الساتر الخشبي المحيط بالكعبة ، و انفض الاجتماع على ذلك ، ثم تقرر تأخير البدء في العمل يوماً واحداً ليكون يوم بدء العمل هو الأحد 23 جمادى الأولى 1040هـ تبركاً به باعتبار أنه فيما يقال يوم بدء خلق العالـم كما قال القائل :

و في الأحد البناء لأن فيه     تَبَدَّى الله في خلق السماء


الإحتفال الرسمي..و أخيراً..سيبدأ العمل
اليوم هو الأحد 23 جمادى الأولى 1040هـ ، المسجد الحرام يعج بالحاضرين من كبار القوم و أشرافهم ، وعلى رأسهم :

  1. (شريف مكة/عبدالله بن حسن بن أبي نمي)
  2. (السيد/محمد بن محمود أفندي الأنقوري) (نائب الحرم) و (ناظر عمارة الكعبة المشرفة)
  3. (ناظر المسجد الحرام/شمس الدين عتاقي أفندي)
  4. (الأمير/رضوان آغا معمار)
  5. (قاضي مكة المكرمة/حسين أفندي الرومي)
  6. (المعلم/علي بن شمس الدين)
  7. (المعلم/محمد علي بن زين الدين)
  8. (المعلم/سليمان الصحراوي المصري)

و غيرهم من العمال و الصناع ، وتم الإستئذان من (الشريف/عبدالله بن حسن) في مباشرة عمارة الكعبة المشرفة فأعطى الإذن بالشروع في ذلك ، و أن يتم نصب ساتر خشبي يبعد عن الكعبة ستة أذرع و بارتفاع قدر قامة الإنسان فأذن بذلك أيضاً .
و تم تعيين رئاسة للعمال و الصناع هما :

  1. (المعلم/علي بن شمس الدين)
  2. (المعلم/محمد علي بن زين الدين)

فقالا : (نتولى عمل البيت و عمارته لكن بشرط إطاعة الناظرين بتوسعة أجر العمال) .
فقال (الأمير/رضوان آغا) : (نفعل ذلك) .

و تـم إحضار ثلاث خلع رسمية للآتي أسماءهم :

  1. (المعلم/علي بن شمس الدين) مهندس مكة المكرمة
  2. (المعلم/محمد علي بن زين الدين)
  3. (المعلم/سليمان الصحراوي المصري) رئيس النجارين

انتهى الحفل و تفرق الجمع و بدأ العمل ، حمل رجال (رضوان آغا) آلات المعمار من حبالٍ و مسامير و سطول و حلل إلى (سقاية العباس) ، و ذبحت بعض الأغنام عند بعض الأبواب ، و بدأوا في وضع الأخشاب و تسميرها لصناعة الحائل .