قصة بناء الكعبة عام 1039هـ ( 7 )
معاينة ميدانية و نقاش بين المسئولين
في يوم الأربعاء 29 ربيع الثاني حضر السادة الآتي ذكرهم بالحرم الشريف :
1.السيد/محمد بن محمود أفندي الأنقوري (نائب الحرم) و (ناظر تعمير الكعبة المشرفة)
2.-شيخ الحرم المكي الشريف/شمس الدين عتاقي
3.الأمير/رضوان معمار
4.مهندس مكة المكرمة/علي شمس الدين
أطاف الجميع بالكعبة و كان (المعلم/علي شمس الدين) يريد و يحسن للحاضرين هدم ما تبقى من جدران الكعبة ليكون البناء محكماً (مع مراعاة أن الجدار اليماني كان محكم البناء قوياً في الظاهر) ، و قال بأن حجارتـها أصاب بعضها (التَّكَلُّسْ) .
و كان (نائب الحرم) متحفظاً جداً في ذلك فكان من جملة ما قاله أن لا يُزال حجر إلا عند الإضطرار و الإحتياج التام و بحلف اليمين على ذلك ممن يزعم هذا الإضطرار في أي حجرٍ منها ، و ما دام البناء ثابتاً فلا يضر تفتت بعض الأحجار و لا تآكل أطرافها تعظيماً لحرمة بيت الله العتيق . و انفض الاجتماع و انصرف الحضور على هذا الأمر .
قال (ابن علان الصديقي) : (فليعلم أنه لا شبهة في جواز هدم ما هو ظاهر السقوط كالأحجار الناتئة عن الباب مما هو قطعي السقوط ظاهر الوهى، وكذا ما وهي من السقف وتبدل خشبه، وما تلف من العمد القائمة عليه . أما ما لـم ينته الأمر فيه إلى سقوطه إلى هذا المقدار ويرى في ظاهر الأمر مستقيمًا، فلا شبهة أنه لا يجوز التعرض له بالهدم إلَّا إن قال العرفاء المتقنون المحررون المتقون: إن هذا آيل إلى السقوط حالًا أو عن قرب جدًّا، واتفقوا على ذلك.
أو قال بأيلوليته للسقوط أكثر المعلمين العرفاء وكانوا غير متهمين بأن قصدهم توسيع العمل وتطوير الشغل ليأخذوا الأجرة ويطول زمن عملهم . فإن علم من أحد من المعلمين أن قصده ذلك ولو بقرائن الأحوال فليلطم بقوله الجدار ولا يلتفت إليه في هدم هذا البيت الحرام، فإن كثيرًا من العملة كما هو مشاهد في مباشرتهم الأبنية يوسعونها على أصحابها ويطولون فيها ويقترون في مباشرتها، وقصدهم ما يزيد لهم من أجرة شغل يوم أو يومين، ويبيعون ما أوجب الله عليهم من النصيحة بالعرَض الفاني الذي يأخذونه بالخديعة. فإذا كانت هذه معاملتهم في أبنيةِ من يعلمون فَقْرَه! فكيف حالهم في عملٍ يعلمون أن المباشر له السلطان؟ فهم فيه أطمع!! وحاصل الأمر: على الفَعَلة أن يقولوا الحق ويطلبوا مرضاة الله، ويتركوا عرض الدنيا وراء ظهورهم، وينصحوا لله ورسوله، فإن عملوا بذلك فازوا بأجورهم وسمع قولهم وهدم ما رأوه غير صالح للبقاء، وأنه متداع للسقوط عن قرب جدًّا.
وأما ما ليس كذلك فلا يجوز التعرض له كالجانب اليماني، وكونه فيه ميل خفيف لا يضر ولا يخشى منه الضرر، فالحذر الحذر من هدم ذلك الجدار إلَّا إذا أجمع المعلمون المتقون لله المتقنون أو أكثرهم على احتياجه للهدم، فيعمل بقولهم حينئذ.
وإن اتُّهِمَ المعلمون في قولهم بخرب ذلك الجدار حلّفَهم الحاكمُ الشرعي بطلبِ الناظرِ على العمارة أن الخرَبَ في الجدار حقيقةٌ، وأنهم لم يحكموا بخرْبه لطمَعٍ دُنيوي، وذلك احتياطًا لأمر البيت الحرام. وقد صرح الفقهاء بأن الحاكم الشرعي يحلّفُ للتهمة في أقل من هذا الأمر) .
و قال في موضعٍ آخر : (وما نحن فيه لا يترتب على إبقاء الجدار اليماني عند فقد اتفاق المعلمين المتقين الثقات المتقنين على أيلولته للسقوط عن قرب شيء من الترقيع، ولا إخلال بتعظيم البناء، فيجب الكف عن هدمه وترك التعرض له عند فقد اتفاق من ذكر على أيلولته له عن قرب، فتأمل الفرق فهو واضح جلي) .
و قد أشار (السلطان/مراد الرابع) إلى ذلك في فرمانه الذي بعثه إلى (الشريف/مسعود) حيث قال فيه : (و اذا لم يكف مخلفات البيت القديم من الطين العطر و الحجاره السعيده لتجديد البناء فعليك ان تجلب ما يلزم من الحجاره من مواقعها القديمه التي استجلب منها القدماء عند تعمير البيت وتجديده . أتمم بناء البيت حسبما تجهيزه الشريعه الغراء) .
هلال جمادى الأولى يـهل..و العمل يوشك على البدء
في يوم الجمعة غرة جمادى الأولى 1040هـ اجتمع الأشراف و أعيان مكة المكرمة و خدام بيت الله و موظفي الدولة بالمسجد الحرام و كانت الحجارة المتساقطة من جدران الكعبة المعظمة قد تناثرت في صحن المسجد فشرعوا العمال في (تبريحها) و ترتيبها كالتالي :
1.الحجارة الصغار : تـم رصها بين حاشية المطاف و الصف الأول لمكان صلاة إمام المقام الحنفي شمال الركن العراقي للكعبة و وضعوا فوقها خيمة .
2.الحجارة الكبار : تـم نقلها و تفريقها في صحن المسجد .
3.الجباب و الحجارة الصغار : كُلِّف بعض العمال بـها فنقلوها إلى الأروقة الغربية الواقعة تحت المدرسة السليمانية و إلى قرب باب الزيادة .
4.بدأ العمال في نحت و تسوية و تجهيز ما وصل إليهم من الأحجار الجديدة التي قطعت حديثاً من (جبل الكعبة) خلف المقام الحنفي تحت (المدرسة الباسطية) .
الاجتماع التنفيذي الثاني..الساتر..و الخلاف
في يوم السبت 2 جمادى الأولى تم الاجتماع التنفيذي الثاني الذي حضره الآتي ذكر أسمائـهم :
1. (السيد/محمد بن محمود أفندي الأنقوري) (نائب الحرم) و (ناظر عمارة البيت الحرام) .
2. (الأفندي/حسين الرومي) (قاضي مكة المكرمة)
3.(عتاقي أفندي) (شيخ الحرم المكي الشريف)
4.(الأمير/رضوان آغا معمار)
5.(المعلم/علي بن شمس الدين)
6.(المعلم/محمد بن زين الدين)
7. (المعلم/عبدالرحمن زين الدين) و هو أخو (المعلم/محمد)
عرض (نائب الحرم) عليهم بناء الكعبة المشرفة فالتزموا بأن يبنوها على أكمل وجه ، فسجل (نائب الحرم) ذلك عليهم . و تكلم (المعلم/محمد علي بن زين الدين) ، و ذكر أنه يريد نصب ساترٍ (تيزار) خشبي يحجب الناس من مشاهدة الهدم أثناء العمل ، فاختلف رأي الحاضرين و انفض المجلس على العمل على تنفيذ نصب الساتر .
كما وَجَّهَ (رضوان آغا) سؤالاً للعلماء بـهذا الخصوص كالتالي :
ما قولكم رضي الله عنكم ونفع بعلومكم المسلمين في بناء البيت الشريف زاده الله شرفا وكرما هل يجب ستره عن اعين الناس لاجل البناء و الفعال حفظاً للحرمه ورعايه لزياده الادب وان ضاق الحال بالطائفين على وجه افضل؟ هل يجوز أم يجوز بناؤه مكشوفا من غير حائل وستره لاجل ان ذلك فيه كمال الرفق بالمعلمين و البنائين من حيث التمكن من البناء على وجه المطلوب؟ و هل الستر من حيث هو واجب ام مندوب مستحب أم كيف الحال ؟ بينوا لنا ذلك؟
فأصدر العلماء إجاباتـهم المتضمنة فتاواهم رداً على هذا السؤال كالتالي :
-(الشيخ/أحمد بن محمد آق شمس الدين زاده) : أجاب بأنه مندوبٌ مستحب و عدم ذلك مخالفٌ للأدب و أن ذلك لا يـمنع الطائفين من تحصيل كمال ثواب الطواف و لا ثواب النظر إلى البيتا الشريف .
-(الشيخ/خالد بن أحمد بن محمد المالكي الجعفري) : أجاب بمضمون إجابة (الشيخ/أحمد زاده) .
-(السيد/زين العابدين بن عبدالقادر الحسيني الطبري الشافعي) : أجاب بأنه مندوبٌ مستحب و بخطأ من أوجبه .
أما ابن علان الصديقي فكان له رأيٌ آخر هو عدم الستر لأنه يرى أن ما حصل من ستر للمكان بالأخشاب أيام بناء عبدالله بن الزبير للكعبة المشرفة لا ينطبق على الحال وقت الفتوى ، فقال : (على أنه لا يقاس على ما وقع من ابن الزبير, لأن ابن الزبير هدمها أجمع، وصيَّر أرضها بلقع، وأخلى الأبنية من جوانبها الأربع، فطلب منه أن يجعل تلك الأعمدة ويكسوها ليطوف الناس حول ذلك ، و لتصح صلاة من يرى توقف صحة الصلاة ولو للخارج على وجود الشاخص) .
و في هذا اليوم استمر التجهيز للعمل بالمسجد الحرام بحضور المسئولين ، حيث تم التالي :
1. نقل الحجارة الموضوعة تحت الخيمة جهة الركن العراقي إلى صفة المقام الحنفي .
2. نحت العمال و عملوا على تسوية ما صلح من الأحجار القديمة الصالحة التي تساقطت من البيت الحرام و التي ما زالت صالحة لإعادة استخدامها .
3. شرع النجارون يقطعون و ينشرون ما وصل من الأخشاب التي ستستخدم في العمل .
4. تم توجيه الأمر للعمال بنزع رخام المطاف و تم وضعها قريباً من باب السدة .
0 تعليقات