كتاب "رحلة ابن الطيب من فاس إلى مكة المكرمة"، محمد الطيب الفاسي
كتاب "رحلة ابن الطيب من فاس إلى مكة المكرمة"، محمد الطيب الفاسي، تحقيق عارف أحمد عبدالغني، الناشر: دار العرّاب ودار نور حوران، دمشق، سوريا، ٢٠١٤م .
وُلد المؤلف محمد الطيب الفاسي في فاس بالمغرب سنة ١١١٠هـ وأقام بمكة المكرمة والمدينة المنورة سنين، وختم بالمسجد الحرام الصحاح الستة وغيرها. ولمكانته العِلمية الكبيرة أُطلق عليه "الشيخ الإمام المحدث المسند اللغوي العالم العلامة المفنّن". إنّ أصل هذا الكتاب مخطوطة محفوظة في جامعة الملك سعود بالرياض. وقد استهلّ المؤلف مخطوطته/ كتابه بالحديث عن "ما ورد من الآيات الصريحة والآثار الصحيحة في فضل الحج والعمرة، تلا ذلك الحديث عن فضل زيارة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلّم.
وصل المؤلف الأراضي المقدّسة مرافقاً للركب المصري في ذي القعدة ١١٣٩هـ . وقد استهلّ حديثه عن الحرمين الشريفين قائلاً: "أمّا بعد، حمداً لله الذي شرّف بيته الحرام، وأكرمنا بالرحلة إليه أيّ إكرام وجعلها من القربات العظام، والطاعات الجسام، والصلاة والسلام على مولانا محمد المصطفى الذي نسب من حجّ، ولم يزره إلى القطيعة، والجفاء".
ثم ذكر بألم ما واجهه من كثرة الوفيات،" .... فمات من الخلائق ما لا يعد ولا يحصى"، "وأمّا البهائم والخيل والجمال فلا تسل عمّا بقي منها ملقي بين تلك الرمال". ومن ينبع اتّجه الركب نحو بدر، حيث رأى من المحدثات التي كانت سارية في ذلك الزمان "ما جرت عليه عادة الحجّاج في بدر بإيقاد الشموع الزاهية، وهم يزعمون أنّ سبب ذلك كون الصحابة أوقدوا النيران في غزاة بدر فهم يتشبّهون بهم في هذا القدر". "وقد جاءني كثير .... يستفتون ويقولون لا شمع عندنا فهل يلزمنا شراؤه ظانين أنّ ذلك من مناسك حجّهم وشعائرهم".
وبعد مغادرتهم وادي فاطمة متجهين نحو مكة المكرمة مرّوا على "سرف وبه قبر أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها لأنها توفيت في هذا المحل ودفنت فيه .... وتجاوزنا إلى التنعيم حيث المسجد المنسوب لعائشة رضي الله عنها، بُني في المكان الذي أحرمت منه بالعمرة مع أخيها عبدالرحمن بأمر النبي (صلى الله عليه وسلّم) في حجّة الوداع، ومن ذلك الموضع يحرم الناس بالعمرة في المواسم وغيرها". واستمر الركب في المسير حتى وصلوا "وادي الزاهر ويسمّى جنان مكة، وبه آبار وأشجار وخضرة، وبه قبر يُذكر أنه قبر الصحابي المشهور عبدالله بن عمر رضي الله عنهما".
وبالنسبة لحال المسعى في حج العام ١١٣٩هـ ذكر المؤلف "ثم أتينا المروة في زحام شديد من أخلاط الناس الواردين وغيرهم من أهل البلد لأن المسعى سوق من أسواق مكة العظيمة، ولو وفّق الله الأمراء لمنع الناس من التسوّق فيه أيام الموسم لكان له في ذلك خير كثير لكثرة ما يحصل للساعين من التضرر بكثرة الازدحام".
وعن منى التي صعد إليها الحجّاج قبل توجههم لعرفات يوضّح ".... وقد صدق القائلون بأن الموضع مخوف فقد سرقت في هذه الليلة جماعات كثيرة من ركبنا وذهبت بغال، وأموال عريضة حتى لم يبق لنا ما نسد به الرمق هنالك، تقبّل الله جميعه وجعله سبب رضاه عنّا". إنّ ما ذكر أعلاه غيض من فيض لحال وأحوال محزنة ومؤلمة بل ولأهوال، وفّق الله تعالى من اختار من عبيده لإزالتها من الوجود وجعلها عبرة من عبر التاريخ، فلله تعالى الحمد والشكر والثناء، ولهم أمواتاً وأحياءً الدعاء بجزيل الأجر وعظيم الثواب.
بقلم : المطوف الدكتور عبد المجيد داغستاني
0 تعليقات