قصة بناء الكعبة عام 1039هـ ( 6 )

بشير السعد..في مكة
في يوم الأحد 19 ربيع الآخر وصل (محمود جاووش) ميناء ينبع ، فنزل من السفينة ، و ركب ناقةً وجناء إلى مكة المكرمة بالبشارات التالية :
1-تثبيت (الأمير/رضوان معمار) في مهمته .
2-تعيين نقيب الأشراف (السيد/محمد محمود أفندي الأنقوري) قاضياً للمدينة المنورة .
3- تعيين نقيب الأشراف (السيد/محمد محمود أفندي الأنقوري) ناظراً لعمارة الجدران الطاهرة للكعبة المشرفة .

(غراب السعد)..في جدة
في يوم الثلاثاء 21 ربيع الآخر جاء الخبر بدخول السفينة (غراب) بقيادة (القبطان/محمد بك سويدان زادة) و تم إنزال اللوازم و المعدات إلى الميناء تمهيداً لنقلها لمكة المكرمة ، و تسلمها المسئول المالي بـمدينة جدة (أحمد أفندي القباني) الذي أعدَّ قافلةً حَمَّلَهَا بالأخشاب و بعثها إلى مكة المكرمة في نفس الليلة لتصل صباح اليوم التالي ، ثم أُرسلت بقية الأشياء بعدها بيوم مع (السيد/علي بن هيزع)  .

في يوم الأربعاء 22 ربيع الثاني وصلت الأخشاب التي أرسلها (أحمد أفندي القباني) للعمل فبدأ النجارون في نصب حاجز خشبي حول الكعبة المشرفة ، و بسبب ذلك نقصوا من المطاف 6 أذرع بينه و بين جدار الكعبة من جميع الجهات ، و كان بارتفاع قامة الإنسان ، كما أغلقوا جزءاً من رواق المسجد الحرام لاستخدامهم من زيادة (باب إبراهيم) أمام (رباط الخوزي) حتى نهاية الرواق الفاصل بين الزيادة  و صحن المسجد الحرام ، كما و ضعوا ألواح لاطات أخشاب تحت (رباط الخوزي) من جهة الكعبة .
 
 تجهيز البنية التحتية
في يوم السبت 25 ربيع الثاني تـمت الأعمال التالية :
1. سد فم مجرى تصريف الماء المسمى (سرب العنبة) أو (سرب باب الزيادة)  من تحت (ربع الغوري) بعد تنظيفها مما تراكم فيها من الرواسب و التراب منذ آخر تنظيف لـها منذ عام 1020 هـ و كان قد فتح فم (سرب العنبة) في تاسوعاء عام 1040 هـ من جهة (باب زيادة) تحت بيت (مفتي الأحناف الشيخ/عبدالكريم القطبي)
2. تنظيف دبل (قناة مجاري) (باب العنبة الموازي للبازان السفلي)  (يواجه ممر سيل جبل قعيقعان و الفلق و القرارة و هو يستقبل مياه السيل و يـمنع دخوله إلى المسجد الحرام و يسير في سرب واسع ليخرج قريباً من "باب إبراهيم" و يصب آخره في آخر الزقاق المنفذ إلى مقبرة الشبيكة عند حوش خدام المسجد ثم إلى المسفلة وهذا السرب له أربعة مصادر تغذيه : من عند أبواب المسجد الحرام "القطبي" و "الباسطية" و "باب ابن عتيق" و "باب العمرة" و طول هذا السرب 849ذراعاً)

(نائب الحرم) و (الشريف/مسعود) و (أم القرى) و توقيتات القدر
في يوم الإثنين 27 ربيع الثاني كان (السيد/محمد محمود أفندي الأنقوري) (نائب الحرم) و (ناظر عمارة الكعبة المشرفة) قد وصل قبلها بيوم ، مع وقت انتهاء أعمال سواتر الخشب بالمسجد الحرام و اجتمع بـ(الأمير/رضوان معمار) و تباحثا طويلاً و تم الإستعداد للإحتفال الرسمي بالحرم المكي الشريف ، و تمت كتابة دعوات رسمية بذلك و حضر بالحطيم السادة  :
1-(السيد/عبدالكريم بن إدريس) نائب (الشريف/مسعود بن إدريس) الذي كان مريضاً بـمرض السل و في الرمق الأخير بقصره بالمعابدة
2-(السيد/محمد محمود أفندي الأنقوري) (نائب الحرم) و (ناظر شئون عمارة الكعبة المشرفة)
3-(الأمير/رضوان آغا المعمار)
4-(السيد/علي بن هيزع)
5-شيخ الحرم المكي الشريف
6-(القاضي/حسين) متولي قضاء الشرع الشريف بـمكة المكرمة

كما حضر العلماء و الأشراف و الأعيان و تـمت قراءة الفرمان السلطاني على رؤوس الأشهاد كما تم إلباس (الخلعة الرسمية) لـ(رضوان آغا) و (السيد/علي بن هيزع) و غيرهم ، ثم رفع الحضور أيديـهم بالدعاء لدولة الخلافة الإسلامية و نصر جنودها المجاهدين ، و ختم المجلس .

و بقيت (الخلعة) الخاصة بـ(الشريف/مسعود بن إدريس) حيث تم التوجه إلى منزله العامر بـ(المعابدة) فقريء عليه من المرسوم السلطاني ، كما تضمن خطاب (والي مصر) فقرة تقول : (يرجى أن تبذلوا جميع جهدكم لتعمير البلد الشريف و تجديده متفقاً و متعاوناً مع المخلص "رضوان آغا" على أرض الواقع) ظهر عليه السرور و أخذ في الثناء على (والي مصر/محمد علي باشا الألباني) ثم ألبس الخلع لـ(رضوان آغا) و مرافقيه ، كما تم إلباسه خلعته ببستانه .

يوم الإثنين الطويل.. لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد
في نفس اليوم جيء بأول دفعة من الحجارة الجديدة التي تم اقتطاعها من (جبل الكعبة) بالشبيكة قرب مقبرة (الشيخ محمود بن أدهم) و كان طول الواحد منها حوالي ذراع و نصف و سمكه حوالي الذراع و وضعت عند (باب العمرة)

نهاية يوم الإثنين الطويل.. الشريف مسعود..في ذمة الله
غربت شمس يوم الإثنين المكتنز بالأحداث ، إلا أن الأحداث نفسها لم تنتهي ، أسلم (الشريف مسعود بن إدريس الروح إلى بارئـها بعد صراعٍ مع (مرض السل) في بستانه بالمعابدة ليلة الثلاثاء 28 ربيع الآخر 1040 هـ .

نسبه الشريف
هو الشريف (مسعود) بن (إدريس) بن (الحسن) بن (أبي نُـمَي محمد) بن (بركات) بن (محمد) بن (بركات) بن (حسن) بن (عجلان) بن (رميثة) بن (أبي نُـمَي محمد) بن (أبي سعد حسن) بن (علي) بن (أبي عزيز قتادة) بن (إدريس) بن (مطاعن) بن (عبدالكريم) بن (عيسى) بن (سليمان) بن (علي) بن (عبدالكريم) بن (موسى) بن (عبدالله) بن (موسى) بن (عبدالله) بن (الحسن) بن (الحسن) بن (علي) بن (أبي طالب)  .

مات مسعود بعد سقمٍ طويل جــــــــــاء تاريخه بنظــــــــــــمٍ عجيبٍ        و لقد كان خير والٍ رئيس هـــا توفي مسعودٌ نجـل إدريس


الشريف مسعود بن إدريس..و مكة المكرمة..و رضوان آغا..و حكم العبادلة
الدوام لله..انتقل إلى رحمة الله سيد مكة المكرمة (الشريف/مسعود بن ادريس) ليلة الثلاثاء 28 ربيع الثاني 1040هـ ، و طار الخبر في الناس ، و في ضحوة يوم الثلاثاء تم المجيء بجثمانه على محفة تسير بـها البغال ، ونزل به و في معيته السادة الأشراف و صلوا عليه عند الملتزم  بعد أن خطب له بأعلى زمزم ، و دفن بقبة جدته أم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى لوصيته بذلك لرؤيا رآها .
 
أثار موت (الشريف/مسعود بن إدريس) بلبلة و قيل و قال بين الناس و بوادر فوضى مما أثار القلق لدى الناس ، لكن (الأمير/رضوان آغا معمار) تحرك و حسم الأمر حتى لا يحصل انفلاتٌ في البلد و ذلك عن طريق محورين :
1-أصدر الأمر التالي : (كل من يسعى للفساد و يثير الخلل في البلاد يـهدر دمه) . و تـم إعلان الخبر و المناداة به في الأسواق و الحوانيت قبل تجهيز و تكفين (الشريف/مسعود) .
2-حسم أمر (الشرافة العظمى) : اجتمع العلماء و الأعيان و الأشراف و قاضي مكة المكرمة و شيخ الحرم المكي الشريف و (رضوان آغا) و (الشريف/عبدالله بن الحسن بن أبي نُـمَي) كبير السادة الأشراف و جد الأشراف العبادلة ، فخاطبه (الأمير/رضوان آغا معمار) قائلاً : (يا سيدنا ان منصب الاداره الجليلة و الرتبه العلية لرئاسة الأشراف من حقكم الصريح ، وذلك بشهاده المجتمعين و الاشخاص الموجودين في الاماكن الاخرى فتولى من الان الإمارة ، و البسوا خلعتها المزينة ، و أسرِع إلى حكم البلاد حسب الأُصول ، و اعملوا على ضبط الأُمور وربطها..هذا هو المرجو منكم ، و بناءً على هذا الخطاب لـم يستطع أهل الفساد أن يوقدوا نار الفتنة و الفساد) . فتردد (الشريف/عبدالله) في قبول هذا التكليف ، فانضم العلماء و الأعيان و الأشراف إلى (رضوان آغا) و رجوه قائلين : (ان هذا الامر المفروض عليك من قبل رضوان اغا نافع للدين و الدوله فرجاؤنا أن تتفضلوا بقبوله) . فوافق الشريف على ذلك و لبس (خلعة الشرافة العظمى الخضراء)   بالمروة في (سبيل ابن مزهر) المحاذي لدار حاجب الكعبة المعظمة بحضور (نائب الحرم/محمد بن محمود أفندي الأنقوري) ، و دعا للسلطان  .
و بحسن التدبير و حسم الأمور التي قام بـها (رضوان آغا) حفظ الله البلاد و العباد من فتنةٍ كادت أن تعصف بـها ، و دعوا له ، و اعتبروا أن هذا التدبير خدمةً أخرى قدمها هذا الرجل الكفء الذي ساقته الأقدار إلى مكة المكرمة ، و قالوا : (قد نجونا من جميع السوء) ، فجزاه الله خيراً عن مكة المكرمة و أهلها . و بـهذا بدأ حكم (الأشراف العبادلة) لمكة المكرمة في هذا اليوم الثلاثاء 28 ربيع الثاني 1040هـ .