قصة بناء الكعبة عام 1039هـ ( 4 )

رضوان معمار...في الحجاز
في يوم الثلاثاء 22 شوال 1039هـ وصلت البعثة القادمة من مصر إلى الحجاز ، فتقدم (صنجق-دار اليمن/النوري علي) إلى مكة المكرمة يخبر بوصول (الآغا/رضوان معمار) مسئولاً عن عمارة البيت الحرام و حاملاً للخلعة الرسمية للشريف ، و أنه قادمٌ وراءه لأن (رضوان معمار) تأخر عن الدخول إلى مكة .

أمر (الشريف/مسعود بن إدريس) بتشكيل وفد استقبال يتكون من الأعيان و الأكابر و موظفي الدولة يتوجه إلى (الأغا/رضوان معمار) ليستقبله ، كما أمر بتجهيز دار لإقامته بمنطقة الشهداء (الزاهر) و هو السبيل المسمى بـ(الجوخي) .

فتحرك الوفد و وصل إلى مكان (رضوان آغا) و استقبله استقبالاً رفيعاً ، و بعد ذلك تحرك (الأغا/رضوان معمار) صوب مكة المكرمة و دخلها بصحبة (السيد/علي بن هيزع) يوم السبت 26 شوال 1039هـ و نزل في سبيل (الجوخي) و هي الدار التي أعدها له (الشريف/مسعود) بالشهداء .

الأمير رضوان باشا معمار...في حضرة الكعبة المشرفة
في يوم الأحد 27 شوال 1039هـ دخل موكب (الأمير/رضوان باشا معمار) إلى مكة المكرمة بصحبته (السيد/علي بن هيزع) و يرافقهم جماعة من (الهجانة) ، و كان في استقباله صاحب مكة و رئيس أشرافها ، سليل الشجرة النبوية المعظمة ، و خادم العتبات المقدسة الشريفة المفخمة (الشريف/مسعود بن إدريس) شريف مكة المكرمة و أميرها مع عدد من السادة الأشراف و أعيان مكة و علماءها و كبار الموظفين الرسميين ، و اصطفوا بساحة المسجد الحرام ما بين (باب المعلا للكعبة المشرفة) و (مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام) .

كما اجتمع الناس بالمسجد الحرام في الإحتفال الرسمي الذي أُقيم فيه ، و كانت الوقائع التالية :
-سلَّم (الأمير/رضوان باشا معمار) رسالتين إلى (الشريف/مسعود بن إدريس) :
1-الرسالة الأولى : يبلغه فيه بوجوب إزالة كل مخلفات السيل من الحرم الشريف و أن له أن يطلب من (صنجق جده/مصطفى آغا) أن يوفر له كل ما يحتاج إليه .
2-الرسالة الثانية : تنص على إبقاء موظفي الحجاز في مناصبهم .

و تمت قراءة الرسالتين على الحاضرين و تولى ترجمتها و قراءتـها (القاضي الشيخ/أحمد بن محمد بن آق شمس الدين الصديقي الحنفي السهروردي) المدرس بالمدرسة المرادية .
-ألبس (الأمير/رضوان باشا) الخلعة الرسمية الفاخرة (القفطان) التي جاء بـها من مصر مرسلة من طرف (الوالي/محمد باشا الألباني) لـ(الشريف/مسعود بن إدريس) مع الإحترام و التعظيم و التوقير لجناب حضرة الشريف في داخل حطيم الكعبة  .
-ألبس (الشريف/مسعود بن إدريس) خلعة فاخرة لـ(الأمير/رضوان باشا معمار) و أيضاً لـمرافقيه .
-رفع المجتمعون أيديـهم بالدعاء عند البيت العتيق أن يُعِزَّ الله تبارك و تعالى دولة الإسلام و يزيدها قوة و شوكة ، و أن يزيد (أمير المؤمنين السلطان/مراد خان الرابع) جلالاً ثـم انتهى الإحتفال و انصرف الحاضرون .

أول اجتماع تنفيذي..في ضيافة الكعبة المشرفة
في يوم الثلاثاء 29 شوال 1039هـ عقد اجتماع بالحرم الشريف حضره (الشريف/مسعود بن إدريس) شريف مكة المكرمة و (الأمير/رضوان باشا معمار) و لفيفٌ من الأشراف و العلماء الأجلاء و كان موضوع النقاش :
(التنظيف الكامل للمسجد الحرام من آثار السيل)
و كانت آثار السيل داخل الحرم و خارجه لا تزال موجودة بالرغم من تنظيف المسجد الحرام مرتين بعد السيل :

(الأولى) يوم الجمعة 21 شعبان 1039هـ ، حين أمر الشريف بتنظيف الحرم و نزل و حمل المكتل بنفسه مع الأشراف و كبار القوم.
(الثانية) التي تم فيها إدخال الأبقار لحرث أرضية المسجد الحرام و التي بدأت يوم الإثنين 24 شعبان و انتهت يوم الأحد 10 رمضان 1039هـ .

توصيف حالة مكة و المسجد الحرام حين عقد الاجتماع
يقول (أيوب صبري باشا) : (و كان داخل الحرم الشريف و الطرق المؤدية إليه قد امتلأت بالحجارة و التراب و القمامة مما جرفه السيل) و قال أيضاً : (إن ما جرفه السيل في داخل الحرم من الطين الممزوج بالحجارة كان قد تحجر عقب انسحاب السيول بفعل الحرارة الشديدة ، و كوَّن جبلاً في ارتفاع سبعة أذرع أو ثـمانية ، و اكتسب صلابةً بحيث لا ينفذ فيه الفأس أو الإزميل أو المثقاب) .

نتيجة التشاور
بعد أخذ الآراء و استشارة الحاضرين خلص رأيـهم إلى أن تنظيف المسجد الحرام و تطهيره بالصورة اللائقة به و التي يريدها (الأمير/رضوان باشا) مستحيل ، لأن موسم الحج قد دخل ، والحجاج قد بدؤوا بالتوافد على الحجاز ، و لـم يبق على هلال ذي الحجة سوى 32 يوماً على الأكثر ، كما أن إدخال الدواب إلى ساحة المسجد الحرام لا يليق ، و يخل بـنظام المكان ، مما يوجب الإقتصار على الإنسان فقط في عملية نقل مخلفات السيل مما يستلزم نفقاتٍ باهظة و وقتٍ قديمتد إلى 5 أو 6 سنوات يتعطل أثناءها الحج و العمرة .

رضوان آغا..رجل المهام الصعبة الذي ساقته الأقدار
الكلام لـم يعجب (رضوان آغا) و فند آراءهم ، و قرر أنه لا بد من تنظيف المسجد الحرام مهما كان الأمر ، و تم اتخاذ التدابير التالية :
1-إرسال رجال (الأمير/رضوان باشا معمار) إلى المدن و القرى الواقعة بين مكة و جدة للبحث عن أي عمال و عن أي صاحب حمارٍ أو حصانٍ أو جملٍ بأُجورٍ عاليةٍ مجزيةٍ و تـم جلبهم إلى مكة المكرمة .
2-بدأ العمال في عملية التنظيف الفعلي للمسجد الحرام كالتالي :
-صب الماء على الأكوام الطينية المتحجرة ليلاً ، و تركها لتصبح أقل صلابةٍ ، و بعد ذلك نزلت فئوس و أزاميل العمال عليه و حرثوه كما تحرث الحقول اللينة و فتتوه .
-قام العمال بعملية (غربلة) للرواسب و التفريق بين (التراب) و (الرمل) و (حصى المطاف) .
-نقل (التراب) إلى موضع و (الرمل) إلى موضع آخر خارج المسجد الحرام ، و بلغ عدد الأحمال التي أخرجوها 30,000 إلى 40,000 حمل يومياً  .

و استمرت هذه الأعمال 20 يوماً حتى يوم الثلاثاء 19 ذوالقعدة 1039هـ حيت انتهى العمل في تنظيف المسجد الحرام و فرش (المطاف الشريف) بـ(حصى المطاف) الذي تم استخراجه من عملية غربلة مخلفات السيل .

كما تكلم البعض مع (الأمير/رضوان باشا) في مسألة تنظيف (بئر زمزم) الذي تسبب السيل في ملوحة مائه حتى تعذر شربه ، لكن (الأمير/رضوان باشا) وجد أن التنظيف يحتاج إلى (30,000 قرش) ، و هذا يتعدى الحد المسموح لـ(الأمير/رضوان باشا) بالبت فيه دون استئذان أولي الأمر (5000 إلى 6000 قرش) فقال : (لا أستطيع أن أُنفق هذا القدر من المال من تلقاء نفسي ، و ينبغي عليَّ الإستئذان من والي مصر ، و لكن حتى يصلني رده يتطلب الأمر مني أن أشتغل بأُمور أُخرى لعدم إضاعة وقتي)  .

كما قام (الأمير/رضوان آغا) بالأعمال التالية :
1-قطع أرضية الشارع لأن الرواسب تراكمت فوقها و ردمتها .
2-تنظيف بركتي (المصري) الواقعة بـ(المعلاة) مما تراكم في أسفل حوضيها بسبب السيل .
3-تسوية أرض المدرج عند جمرة العقبة .
4-إصلاح بعض الخراب في العين بالبناء و التنقيل .
5-ترضيم أحجار وجدت في حفر الشارع الواقع خلف جدار المسجد الحرام الشرقي (جهة المسعى) .
6-حفر عن أرض المروة و أزال الرواسب المتراكمة فوقه .
7-بناء الجدار الشامي لزقاق القرارة .
8-قطع أرض مجرى السيل من ثلاثة جوانب من المسجد الحرام (الجنوبي ، الغربي و الشمالي الغربي) .
9-حفر عن أرض (المروة) مما ردمها من الرواسب .
10-بنى الجدار الشامي لزقاق (القرارة) النازل على (المروة) .    
 
و بحلول يوم الثلاثاء التاسع و العشرين من ذي القعدة انتهى العمل بالمسجد الحرام و انتهى من قطع الطين و غربلته و استخراج حصباء المسجد منه و فرشها فيه و استمرت أعمال رضوان آغا الأُخرى حتى السادس من ذي الحجة .

أرسل (الأمير/رضوان باشا معمار) في أوائل شهر ذي القعدة (السيد/علي بن هيزع) رسولاً إلى مصر بقائمة تتضمن مستلزمات خاصة بالكعبة المشرفة مفصلاً فيها أنواعها و كمياتـها ، و طلب الإسراع في إرسالها .

حين وصلت بعثة مكة إلى (والي مصر/محمد علي باشا الألباني) استدعى كثيراً من النجارين و الحرفيين و كوَّن وفداً برئاسة موظف عيَّنه عليهم ، كما جهَّز الأدوات و المواد الموجودة في قائمة (رضوان باشا معمار) ، و بعد اكتمال تجهيز البعثة و حمولتها جهز مركباً غادر إلى الحجاز ، و خرج في وداع البعثة الوالي بنفسه .

في آخر شهر ذي القعدة وصل الـمركب الذي بعثه والي مصر بالمستلزمات التي أرسلت قائمتها من مكة أوائل الشهر ، وسلمها رئيس البعثة إلى (كاتب مالية ميناء جدة/الشهاب أحمد أفندي بن علي القباني) ، و قد أرسلها بعد ذلك على دفعتين إلى مكة المكرمة ، و قد تم تخزين حمولة القافلة الأولى في مخازن (عبدالرحمن بن عتيق) .

و كانت حمولة المركب (الدفعة الأولى) كالتالي :
الصنف           العدد
سوحي مجوز    98
سوحي مفرد    67
عرق سوبر (أو سوبر أو سنوبر)    24
زنار    59
قراب وقاضن    10
لوح خشب بكر و دوامس و محمسات    12
عصى شون    200
كورة (أو كورت) بلدي كبير محلول    2
حبل بـهروزي و سحيل    13
مكتل أعلاف    200
مكتل للحمل على ظهور الجمال (سرفانية أو صرفانية)    100
قتب جمل    23
فردة ليف سلب مفتول    7
ربطة تبل قنب    4
قرمان تركي    5
مسحاة    25
لوح نحاس مدور للبكر    80
قفة مسامير    13
قضيب حديد معجز    22