قصة بناء الكعبة عام 1039هـ ( 3 )

الخبر يزلزل أركان العالم الإسلامي

و دخل شهر رمضان هذا العام في مصر وفي هذا الشهر وصلت البعثة التي بعثها (الشريف/مسعود بن ادريس) و تلقاها والي مصر (محمد علي باشا الألباني) و نزل الخبر الصاعقه علي والي مصر و علماء مصر و أهل مصر ، و منه انتشر الخبر الى العالم الإسلامي كله و كان خبراً مفزعا مخيفه زلزل نفوس المسلمين :

بيت الله الحرام و قبلة الأنام أصابه الإنـهدام!!؟
وفزع الناس ، و ظن البعض أن هذا مؤذن بحلول الساعة و قيام القيامة ، بينما تدبر الحكماء الأمر و نظروا فيه و كان التالي :
جمع محمد علي باشا الألباني والي مصر العلماء و كان منهم الإمام الحلبي المؤرخ المعروف صاحب السيره الحلبيه (إنسان العيون في سيره الأمين المأمون)

وكانت الظروف كالتالي :
1-أن انتظار الأمر من الخليفه في إسطنبول سوف يستغرق وقتاً و تبليغ الشريف في مكة به و ترتيب الأمور لتنفيذ أمر السلطان -كل ذلك- سوف يستغرق وقتاً ليس بالقصير ، مع مراعاة أن موسم الحج يقترب .
2-أنه لا يجوز ترك البيت الحرام بـهذه الصفة المزرية ، و لا يليق به -و هو قبلة المسلمين- أن تعتاد العيون رؤيته بـهذه الحالة ، بل إن (محمد ابن علان) ذكر تحريم ذلك بل و تعداه إلى البحث في موضوع :
هل يحصل الثواب للناظر إلى البناء المتهدم من الكعبة كما يحصل للناظر إلى الكعبة الكاملة البنيان؟
فقال : (ينبغي حصول الثواب برؤية ما ظهر من الجدار مما انسلخ عنه أحد وجهيه من الجانب الغربي وبطن الجدار الشرقي، فإنه من أجزاء البيت، وشمله ما ورد في فضل النظر إلى البيت وأما ما ظهر من سقف البيت وأعالي جدران بواطنه :
1- فيحتمل أن لا يحصل برؤيته ثواب, لأنه مأمور بالغض عن رفع الطرف إليها حرمة وأدبًا ، و الأمر بالشيء نهي عن ضده، ولا يجتمع كون الشيء مأمورًا به منهيًا عنه في آن واحد بكل اعتبار.
2-ويحتمل أن يحصل برؤيتها، ويكون النهى عن النظر لأمر خارجي، كل محتمِل، والله أعلم)  .

قرر محمد علي باشا الألباني والي مصر التالي :
1- ارسال مندوب خاص عنه لابلاغ (أمير المؤمنين السلطان/مراد الرابع) بـما حدث و معه الوثيقه التي فيها سؤال الشريف مسعود بن ادريس و ردود العلماء عليه التي وصلت إلى مصر من مكة المكرمة ، مع كتابٍ ألَّفه (الإمام الحلبي)  و استحسنه الوالي و ترجمه باللغة التركية و بعث به إلى الخليفة أيضاً .

2- إستدعاء (رضوان آغا) وهو من كبار الأغوات الشراكسة ، و كان من رجال الخليفة في إسطنبول  ، و له بعض الآثار بإسمه في مصر ، و أَلْبَسَهُ الزي الرسمي العثماني (الخُلْعَة) ، و قال له : (إني قد عَيَّنْتُكَ مسؤولاً عن بناء الكعبة حتى يصل الأمر السلطاني من (الباب العالي) ، لقد اقترب موسم الحج جداً ، قُمِ الآن و اركب الهجن ، و توجه نحو مكة المكرمة ، و احرص على اعداد ما يلزم ، و بـمجرد وصولك هناك ابعث لنا على جناح السرعة كشفاً بكل ما تحتاجه من عندنا)  .

و أعطاه التالي :
-الأدوات و المعدات اللازمة لأنه لا يجوز ترك الكعبة في هذه الحاله دون إجراءات فورية ، و لابد من كسب أكبر قدر من الوقت حتى يصل أمر الخليفة من إسطنبول .
-خلعة رسمية لـ(الشريف/مسعود بن ادريس) .
-خطاب لـ(الشريف/مسعود بن إدريس) يبلغه فيه بوجوب إزالة كل مخلفات السيل من الحرم الشريف و أن يطلب من (سنجق جده/مصطفى آغا) أن يوفر له كل ما يحتاج إليه .
-خطاب لـ(سنجق جدة/مصطفى آغا) يأمره فيه بالتعاون مع (الشريف/مسعود بن إدريس) و توفير ما يحتاجه و يطلبه منه .
و بعد ذلك وَدَّعَ (محمد علي باشا الألباني) مبعوثه (رضوان آغا) الذي سافر و من معه الى الحجاز .


جدة..دهليز مكة
 أرسل (الشريف/مسعود بن إدريس) إلى (صنجق جدة/مصطفى آغا) يطلب منه خشباً لعمل يستر البيت و المنهدم من الجدران مؤقتاً حتى يحين بدء التعمير الأساسي حين وصول الأمر السلطاني من عاصمة الخلافة .

و من العجيب أن (صنجق جدة/مصطفى آغا) خرَّب و هدم بيوتاً و أبنية منها ما هو وقف لنزع الأخشاب اللازمة للمهمة منها و تأذى منه أهل جدة . يقول ابن علان الصديقي : (فكم أخرب بيتاً و هدم وقفاً ، و البيت في غنىً عن ذلك)  ، و تم تحميل الأخشاب على اثنين من العجول و تـم سحبها بــــــــــــ(12) جملاً ، و وصلت الأخشاب آخر رمضان .كما تم توفير أخشاب أخرى من مكة أيضاً ، و بدأ مهندس مكة (المعلم/علي بن شمس الدين)

في صباح يوم الخميس 26 رمضان في صناعة ساتر من الخشب أحاط بالكعبة يتكون من :
1-هيكل مربع من جذوع النخل يحيط بالكعبة لاصقاً بالأرض تحت الشاذروان .
2-أعمدة خشبية منقور لها في هذا الهيكل متعامدة عليه (أعمدة السواحي) .
3-ثلاثة زنانير (أحزمة) تحيط بالأعمدة و تشدها بعضها ببعض من الجهات (الشرقية و الغربية و الجنوبية) لحماية ما تبقى من الجدران المتبقية من الهدم .
4-دعامات حول أركان البيت الأربعة لحماية ما تبقى من سقف الكعبة من السقوط .
5-تم إغلاق ما بين الدعامات بالخشب و الخصف و تم ستر البيت الحرام بالكامل .
6-تـم عمل باب من ناحية الجهة الشرقية للكعبة .
و تـم الإستمرار في عمل هذا الساتر إلى ما بعد شهر رمضان المبارك حيث انتهى العمل به بتاريخ الأحد 13شوال1039هـ .

 كما أمر (الشريف/مسعود بن إدريس) بصناعة كسوة قماشية يستر بـها الساتر الخشب بعد أن ينتهي العمل فيه.

عيدٌ بأية حالٍ عُدت يا عيد

انقضى شهر رمضان المبارك ، و جاء عيد الفطر و أعمال الترميم الخشبية للكعبة مستمرة بقيادة مهندس مكة المكرمة (علي شمس الدين أفندي) ، و انتهت الأعمال الخشبية يوم الأحد 13 شوال 1039هـ .

 كما انتهى العمل على الكسوة المؤقتة التي أمر بصناعتها (الشريف/مسعود بن إدريس) من القماش الأخضر المسمى (الدولعي) أو (الدولقي) ، فلما كان يوم الخميس 17 شوال 1039هـ تـمت كسوة البيت الشريف بـها بحضور (الشريف/مسعود بن إدريس) ، و بعد الكسوة دخل البيت الحرام و صلى في الداخل ثم خرج و طاف بـها ، و كان رئيس المؤذنين يدعو له على قبة زمزم كما كانت العادة في ذلك الزمان ، و شرع الناس يطوفون به .

و روي عن الإمام علي بن عبدالقادر الطبري أنه قال :
قالوا لنا البيت الشريف قد غدا في ثوبه الأخضر ذا تبر
قلت لهم لا تعجبوا فإنه مـن حلل الجنات و هي خضر

و ذكر الإمام (الحلبي) أن الطاعون قد حل بـمكة المكرمة و لـم يرتفع إلا بعد كسوة البيت  . كما بدأ أهل مكة يعانون من قلة الماء من تأثير ما جرفه السيل من الأتربة و الحجارة و المخلفات على مجرى عين زبيدة ، كما أن زمزم أصبح ماؤها مالحاً يتعذر شربه  .