قصائد طاهر زمخشري في مكة المكرمة

إلى المروتين ..

أهـيـم بـروحـي عـلـى الرابـيـه
وعنـد المطـاف وفـي المروتيـن
وأهـفــو إلــــى ذكــــر غـالـيــه
لدى البيت والخيف والأخشبين
فـيــهــدر دمــعـــي بـآمـاقــيــه
ويجـري لظـاه علـى الوجنتـيـن
ويـصــرخ شــوقــي بأعـمـاقـيـه
فأرسـل مـن مقلـتـي دمعتـيـن
أهـيــم وعـبــر الـمــدى مـعـبـد
يـعـلـق فـــي بــابــه الـنـيـريـن
فـإن طـاف فـي جوفـه مسـهـد
وألقـى علـى سجفـه نظرتـيـن
تـــراءى لـــه شــفــق مـجـهــد
يواري سنا الفجـر فـي بردتيـن
ولـيــس لـــه بالـشـجـا مــولــد
لـمـغـتـرب غــائـــر المـقـلـتـيـن
أهـــيـــم وقــلــبـــي دقـــاتــــه
يطير اشتياقاً إلـى المسجديـن
وصـــــدري يـــضـــج بــآهــاتــه
فيسري صـداه علـى الضفتيـن
علـى النيـل يقضـي سويعـاتـه
يناغـي الوجـوم بسمـع وعـيـن
وخــضـــر الـــروابـــي لأنـــاتـــه
تـــردد مـــن شـجــوه زفـرتـيـن
أهيـم وحولـي كـؤوس المـنـى
تقطـر فــي شفـتـي رشفتـيـن
فأحسـب أنـي احتسبـت الهنـا
لأسـكـب مــن عـذبـه غنوتـيـن
إذا بـي أليـف الجـوى والضـنـى
أصـاول فـي غربـتـي شقوتـيـن
شقـاء التياعـي بخـضـر الـربـى
وشـقـوة سـهـم رمـانـي ببـيـن
أهـيـم وفــي خـاطــري الـتـائـه
رؤى بـلــد مـشــرق الجانـبـيـن
يــطـــوف خـيــالــي بـأنـحـائــه
ليـقـطـع فـيــه ولـــو خطـوتـيـن
أمــــــرغ خــــــدي بـبـطـحـائــه
وألمـس مـنـه الـثـرى باليـديـن
وألــقـــي الــرحـــال بـأفـيــائــه
وأطـبــع فـــي أرضـــه قبلـتـيـن
أهـيــم وللـطـيـر فـــي غـصـنـه
نـواح يزغـرد فــي المسمعـيـن
فيـشـدو الـفـؤاد عـلـى لـحـنـه
ورجـع الصـدى يمـلأ الخافقـيـن
فـتـجـري الـبــوادر مـــن مـزنــه
وتبقـي عـلـى طـرفـه عبرتـيـن
تـعـيـد النـشـيـد إلــــى أذنــــه
حنينـاً وشـوقـاً إلــى المروتـيـن

 

... ... ... ...
 

مناجاة الرحاب المقدسة في مهبط الوحي

في دمي ثورةُ الحنين لهيباً
ليس يُطفيه من عيوني نَميرُ
وبنفسي لَوَاعجٌ من جَوى الشجوِ على خافقي لظاها يثُور
واحتراقُ الضلوع في عاصفِ الحب جحيم يشِفُّ عنه الزَّفيرُ
واشتعالُ الهوى العَتيِّ بأنفاسي قَتَامٌ في الجوِّ منه قَتِيرُ
* *
كلما نَاح طائرٌ فوق أَيْكٍ
كان لي من نُوَاحه تَذْكيرُ
فترامتْ خوافِقِي أُغنِياتٍ
من فؤادٍ برَجْعِها مَخْمُورُ
لحَمى البيتِ عندَ أكرم وادٍ
غيرِ ذِي الزَّرعِ وهو روضٌ نضيرُ
للقداساتِ في ذُرَى مَهْبط الفرقانِ للخيرِ وهو فيضٌ وَفيرُ
* *
تَرْشُف النفسُ عذْبَه وهو أَشهَى
من عِذابِ المنى جَلاَها السرورُ
في النجومِ التي تَدَلَّتُ مصابيحَ، وللغابرِ الوضِيءِ تُشِيرُ
في الرحابِ التي بها هَمس الصخر وعن سالفٍ بِمَجْدٍ يُنيرُ
في الروابي التي بها فاضتِ الآياتُ بَارَى النظيمُ فيها النثيرُ
في الجبالِ الدَّكْناءِ تربِضْ في الخيْف، ومن بينها يلوح ثَبيرُ
يلثُمُ الشمسَ كلما لاح منها
مطلعٌ مُشرقٌ، وصبحٌ مُنيرُ
فَيرينا الضياءُ شيئاً من الماضي أُزِيحَتْ للعينِ عنه السُّتُورُ
ولواءُ الأمجادِ يخطر خَفَّاقاً، ووجهُ الحياةِ ضَاحٍ زَهِيرُ
أبداً تَبْسمُ الأماني حَوَالَيْه، ومنها في كلِّ جيلٍ عبيرُ
في الدروبِ التي بها سارتِ الراياتُ والهُدى للسُّرَى دُسْتُورُ
في الصَّحَارَى التي بها زَحَفَ الدينُ وَضَوَّى بنُورِه الدّيْجُورُ
في الرمال التي بها هتفَ النصرُ يباريه جَحْفَلٌ مَنْصُورُ
في المجالات كلها تنشر النور، ومجلى الضياء فيها البشير
* *
الأمينْ الأَمينُ قد ضَمَّه اليتمُ صغيراً فَبرَّ وهُوَ كَبير
باليتامى وبالمساكين يَأْسُو
من جراحاتِ بُؤْسهمْ ويجيرُ
اليتمُ الراعي الشِّياه أَجيراً
في صباه، وهْو البشيرُ النذيرُ
والشعاعُ الوضئُ منه منارٌ
وبلأْلآئِه النُّهى تَسْتَنِيرُ
سيدٌ مصطَفى إذا قيل عنهُ:
أكرمُ الخلق فهو مولىً جَدِيرُ
إجْتَبَاه الذي بَرَاهُ وزَكَّاهُ، فطابَتْ فروعُه والجذورُ
وَحَبَاه لا صولجَاناً به يزهو، ولا ما بِه عَتِياً يَجُورُ
بل جلاهُ لكل عينٍ ضياءً
من أَفانِينِه يَعُبُّ البصيرُ
وهُدَاهُ لكل قلبٍ مزامير، وفي رجعها الطروبِ الحبورُ
أحمدٌ أو محمدٌ أو أمينٌ
هِيَ أسماءُ للجلالِ تُشِيرُ
مُفْردٌ في كمالِهِ إنْ أَرَدُنا
دقَّةَ الوصفِ عَاقَنا التقصيرُ
قد تسامى به الخليلُ انتساباً
وبواديه لا تَزَالُ البذورُ
* *
خيرُ وادٍ به القداسةُ تَخْتَالُ، وفي العُدْوَتَينْ نُوْرٌ ونُورُ
وهو مَهْوَى النفوسِ يهفو إليهِ
كلُّ قلبٍ برحبِه يستجيرُ
كلما هَاجَه أدِّكارُ الخطيئاتِ ونادى محا الخطايا الغفورُ
وإلى قُدْسِه تُقَاد الضحايَا
وإِلى رَحْبِهِ تُساقُ النذورُ
والمحاريبُ في حماه ظِلالٌ
والقداساتُ في مَداها زُهورُ
والتسابيحُ بالمهابةِ شدوٌ
والبشاشاتُ في صَدَاها عُطورُ
* *
ورؤَى الأمسٍ في انطلاقِ المسافات عَذَارى يلفُّهُنَّ الحبورُ
كلها تُسْمِعُ الليالي أَناشيدَ، ومن رجعها يَشِيعُ البكورُ
والتباشيرُ من سناهُ مدى الدهرِ مصابيحُ مكرُماتٍ تُنيرُ
بالهدى، والتقى، وبالخيرِ والرشدِ على ضوئها الحياةُ تَسيرُ
بتعالِيمه التي شادتِ الأمجاد والدينُ حارسٌ وظهيرُ
بالذي حَكَّمَ العدالةَ في الناس فآخى بها الغَنِيَّ الفقيرُ
إِذْ أَنال الفقيرَ أسخى عَطاءٍ
من كريم يجودُ وهو الشَّكُورُ
فرضُ عينٍ ينالُ منه ثَواباً
وزكاةٌ كفاؤُها التَّكْفير
* *
وعروسٌ تَميسُ في موكبِ الفتنةِ تشدو فَتَسْتَعِيدُ الدهورُ
نَايُها لايَنِى يُغَرد في الكونِ، ورجعُ الصدى جمالٌ مُثيرُ
وهو مازال في المرابِع يختالُ فُتُوناً به المجالى تَمُورُ
* *
سَرِّحِ الطَرف كيف شِئْتَ لدى البطحاءِ يرجعُ إليكَ وهو قريرُ
فالصفاءُ الذي يصفِّق بالبشر جلالٌ يهتزُّ منه الشعورُ
والضياءُ الذي يُغَرِّدُ في الأفقِ جمالٌ يَعُبُّ منه الضميرُ
والروابي التي بها يَضْحَكُ النُّورُ فراديسُ والخمائلُ حُورُ
والعروسُ التي تُدِيرُ لنا الصفوَ على حُبِّها فؤادِي أسِيرُ
أسرتني على هواها القداساتُ وفي فيئها تَمِيسُ العُصُورُ
وهي غنَّاءُ في مَفَاتِنِها نايٌ صدى لحنِه شَرابٌ طَهُورٌ
من ينابيعَ بالقداسةِ تهمى
ونَدَاها ـ مدى الزمانِ ـ غزِيرُ
أين ذاك الندى؟ وتلك المجالات؟ ولا أين فالنوى مقدور
* *
يا عروسي التي بها هتفَ القلبُ، وغنَّى بها الفؤادُ الكسيرُ
يا عروسَ المنى الطروبَ لمضنىً عاث فيه الشَّجا وعزَّ النصيرُ
أَسْعفي مِزْهري بأندى الأغارِيد فقد ثَارَ في الحنايا الهجيرُ
وذَريني أبثُّ في رَجْع لحني زفراتٍ لها بقلبِي هَديرُ
فشظايا الفؤاد فوق جفونِي قطراتٌ من الدِّماءِ تَفُورُ
لفَظَتْهَا خوالجٌ دكها الأينُ، ومن مُقْلتي لَظَاها مَطِيرُ
كان يجري به الحنينُ دموعاً ثم أجراه بالدِّماء الحرورُ
وندوبُ الجِراح في عمقِ إِحساسي عليها من المآقي نَظِيرُ
فإذا بالأنين ينثرُ آهاتي عقوداً لها القوافي نُحورُ

 

... ... ... ...
 

موطن القداسات

منـبـع الإشــراق صــداح الـمـنـى
يــمــلأ الـدنـيــا ضــيــاء هـاهــنــا
والقـداسـات السخـيـات الـهـبـات
منـهـل يـجـري بـفـيـض الـبـركـات
يعـبـر الأجـيـال مــن مـاضـي لآت
بالـهـدى فــاض نمـيـراً مــن هـنـا
يـغـمــر الـدنـيــا جــــلالاً وســنـــا
وهــو يـنـسـاب دفـوقــاً محـسـنـا
مهبـط الفرقـان يــا خـيـر الـرحـاب
أنـت بـالإشـراق بـسـام الـروابـي
والأماني البيض تهمى كالسحاب
بالهدى، بالحق يسـري مـن هنـا
يـنـشــر الـخـيــر حــبــوراً وهــنــا
مــن ربــا للـديـن قـامـت مـوطـنـا
زمـــر الـرايــات ســـارت للـجـهـاد
وهــي بالعـرقـان تـدعـو للـرشـاد
حولهـا الأبـطـال مــن كــل جــواد
بالهـدى بالعـدل نــادوا مــن هـنـا
فارشفي يا نفس مـن نبـع طهـور
فـاض بالإشعـاع مـن سفـح ثبـيـر
لم يـزل يـروي علـى كـل الدهـور
بالـهـدى كــل البـرايـا مـــن هـنــا