قصيدة مكتي + مكة .. محمد حسن فقي

مكتي

مكّتي لا جلالٌ على الأرضِ = يداني جلالَها أو يفوقُ
ما تبالينَ بالرشاقةِ و السحرِ = فمعناكِ ساحرٌ و رشيقُ
سجدت عندهُ المعاني فما = ثمَّ جليلٌ سواهُ أو مرموقُ
و مشى الخلدُ في رحابِكِ مختالاً = يمدُّ الجديدُ منهُ العتيقُ
أنتِ عندي معشوقةٌ ليسَ يخزي = العشقُ منها و لا يُضِلُّ الطريقُ
ما أُباهي بالحسنِ فيكِ = على كثرة ما فيكِ من مغانٍ تشوقُ
أنتِ قدسٌ فليسَ للهيكلِ = الفاني بقاءٌ كمثلِهِ و سموقُ
كلّ حسنٍ يبلى و حسنكِ يا مكّةُ = رغمَ البلى الفتيُّ العريقُ
دَرَجَ المصطفى عليكِ فأغلاك = و أغلاكِ بعدهُ الصّدّيقُ
وَ شكوكٌ من الرّجالِ سبوقُ = جدٍّ من خلفِهِ فجلّى سبوقُ
إن أرادوا القتالَ أرجفتِ الأرضُ = و ضاقت على العدوِّ الطريقُ
أو أرادوا السّلامَ رحّبَ = بالسّلمِ عدوٌّ أصابهُ التمزيقُ
ليسَ بغياً قتالُهُم إنه الرشدُ = ينيرُ السبيلَ و التوفيقُ
كانَ في اللهِ حربهم و العداواتُ = و في اللهِ سلمهم و الوثوقُ
نَجِدُ الأنسَ في رحابِكِ = و البسطةَ حتّى كأنّنا ما نضيقُ
و يشدّ القلوبَ نحوكِ يا مكّةُ = حبٌّ يطوي القلوبَ وثيقُ
ما نطيقُ الفراقَ عنكِ و هل = يحملُ قلبٌ في الحبِّ ما لا يطيقُ
يا نفوساً تطوفُ بالبيتِ = لولا حرمة البيتِ ميّزتها الفروقُ
أنتِ لولا الإسلامُ كنّا نرى = السابقَ منّا يفوتهُ المسبوقُ




مكة

شَجانا مِنْكِ يا مَكَّةُ ما يُشْجى المُحِبِّينا!
فقد كُنْتِ لنا الدُّنيا
كما كنْتِ لنا الدِّينا!
وكنْتِ المَرْبَعَ الشَّامخَ
يُرْشِدُنَا ويَهْدِينا!
وكنْتِ الدَّارةَ الشَّمَّاءَ
تُكْرِمُنا وتُؤْوِينا!
وكنْتِ الرَّوضَةَ الغَنَّاء
تُلْهِمُنا وتُعْلِينَا!
فما أَغْلاكِ يا مكَّةُ أَنْجَبْتِ المَيامِينا!
وما أَحْلاكِ يا مكَّةُ
ما أحلا القرابينا!
نُقَدِّمُها لِمجْدِ الله
يُسْعِدُنا ويُدْنينا!

أيا مَوْطِنَ مِيلادي
لقد شَرَّفْتِ مِيلادي!
كأَنِّي وأنا النُّطْفَةُ
كُوشِفْتُ بِأعْيادي!
وكانَ صِبايَ تغريداً
كأَنِّي البُلبُلُ الشَّادي!
يَرى في الـرَّوْضِ والغُـدْرانِ
ما يَنْشُدُه الصَّادي!
وما كانت سـوى الأَّقْـداسِ
أَوْدَعَها بِها الهادي!
فَسُبْحانَ الذي كَرَّمَ منها الطَّوْدَ والوادِي!
فكانا سادةَ الأَرْضِ
بأغوارٍ وأَنْجادِ!
فَهَلِّلْ يا صِبايَ الغَضَّ
أَنْتَ سَلِيلَ أَمْجادِ!

وكانَ شَبابيَ المَجْدُودُ
بين ظِلالِها يًنْمُو!
ويَمْرَحُ بَيْنَ أَتْرابٍ
شمائِلُهم هي الغُنمُ!
فَكلُّ سِماتِها شَمَمٌ
وكُلُّ لِداتِها شُمُّ!
هي الأُمُّ التي احْتَضَنَتْ
فبُورِكتِ النَّدى. الأُمُ!
فَلَيْس لَنا بِها هَمٌّ
سِواها فهي الهَمُّ!
يُزيدُ لها حياةَ المَجْد
وهي المَجْدُ والكَرَمُ!
سَقَتْها السُّحْبُ
ما يَخْضَرُّ منه القاعُ والأكَـمُ!
فما أَكْرَمَ ما أَشدَتْهُ
ما يَسْمو به القلم!

أَلا يا مَكَّةُ العَصْماءُ
يا حب الملايين!
وذات المَجْدِ في الدُّنيا
وذات المجْدِ في الدِّينِ
لقد أَنْجَبـتِ مـن أَنْجَبْـتِ
من غُرِّ المَيامِين
فَكانُوا النُّورَ لِلْعالَمِ
في كُلِّ الميَادينِ!
وكانوا الخُلُق السَّاِميَ
يَعْلُوا بالمَساكينِ!
فَيَرْفَعُهم إلى الذُّرْوَةِ
تَصْبو لِلْمضَامِين..!
فما يَعْنُونَ بالأَشْكالِ
تَسْخَرُ بالمجانِين!
كُفينا بِكِ يا مَكَّةُ
مِن شَرِّ الشَّياطِينِ!

يا حَنِيـني لِمًكَّـتي رَغْـمَ بُعْـدي
عن ثراها الزَّكِـيِّ.. عـن أَبنائِـهْ!
أنا مِن ذلك الثَّـرى قـد تكَوَّنْـتُ
وفي ظِلّهِ وظِلِّ سَمائِهْ!
كيف لا أَسْتَعِرُّ مِـن حُبِّـه الهـادِي
ولا أَسْتَطيلُ مِن إطْرائِهْ؟!
هُولِي خَيْرُ ما أَسْتَحِـلُّ من الحُـبِّ
وما أَسْتَطيبُ من آلائِهْ!
ذِكْرياتي مُنْـذْ الصِّبـا عَنْـه حَتَّـى
شِبْتُ. كانَتُ لِلقلبِ خيْـرَ غَذائِـهْ!
لًيْتَني ما ارْتَحَلْتُ.. ولا غَابَ عَنِ العَيْنِ سَرْمَدِيُّ سَنائِهْ!
تِلْكَ كانَتْ مَرَابعُ العِـزِّ والصَّبْـوةِ
في ناسه. وفي أندائِهْ!
أَتمَنَّى البَطْحاءَ تِلْكَ لِمَثْوَايَ ندِيّاً في صُبْحِه ومَسائِهْ!
بّيْن أَهْلي وَبَيْن صَحْبي فما أَطْيَبَ هذا الرُّقادَ في بَطْحائِهْ!
رَبِّ إنَّ اللِّقاءَ أَمْسى قَريباً
فأَرِحْنِي بِمَنِّه وعطائِهْ!
إنَّ رُوحي مِن الآثامِ تَلَظىَّ
فهو يَخْشى مِن جُرْمِـهِ واجْتِرائِـهْ!
فَعَساهُ يَلقى بِعَفوِكَ عَنْه
ما يُرِيـحُ الأَثيـمَ مِـن بُرَحائِـهْ!
كانَ إيمانُهُ قَوِيّاً نَقِيّاً..
لم يُعَكِّرْ جُنُوحُهُ مِن صَفائِهْ!
أّنْتَ تَدْرِي به.. وتَعْـرَفُ نَجْـواهُ
فَخَفِّفْ عنه شَدِيدَ بَلائِهْ!
أَيُهذا الإيمانُ.. يا بَلْسَمِي الشَّافي شَفَيْتَ السَّقيمَ مِن أَدْوائِة!


محمد حسن فقي