العالم القاضي الفقيه الشيخ أحمد بن عبدالله القاري رحمه الله

مولده ونسبه :

أحمد بن عبدالله بن الشيخ محمد بشير القاري المكي
ولد في مكة المكرمة سنة 1309 هـ
ينحدر الشيخ من أسرة عُرفت واشتهرت بشغفها بالعلم والتعليم، فوالده الشيخ عبدالله القاري كان شيخ القراء ب(مكة المكرمة)، إلى جانب اشتغاله بطلب العلم في المسجد الحرام والمدرسة الصولتية، وكان أستاذاً لمئات التلاميذ، وعمه الشيخ عبدالرحمن بن محمد القاري كان من العلماء المشهود لهم بالفضل، وكان مدرسًا بالمدرسة الصولتية، وقد سافر إلى (الهند) لنشر علم القراءات والتجويد فمكث بها طيلة حياته وأخواه حامد بن عبدالله القاري والشيخ محمود بن عبدالله القاري وهما كذلك من رجال التعليم.

تعليمه :

حفظ رحمه الله القرآن الكريم وجوّده على أيدي والده شيخ القراء والتحق بالمدرسة الصولتية, ودرس بها العلوم المتعددة لغوية وشرعية وفلسفية ورياضية, حتى نال الإجازات النهائية العالية.
تخرج من الصولتية عام 1330 هــ , وكان يُعرف بنابغة الصولتية لبراعته في جميع العلوم الدينية والدنيوية.

وظائفهِ :

تدرج فضيلتهِ في مناصب قضائية وتعليمية كثيرة, انُتخب معاونًا لأمين الفتوى بمكة المكرمة عام 1336هـ.

- تم تعيينه عضواً بهيئة التدقيقات الشرعية.
- تولى القضاء في مدينة (جدة) عام 1345هـ.
- كما عين -رحمه الله- مدرساً للعلوم الدينية بمدارس الفلاح، وحينها كان يلقي دروسه ويدعو الناس في مسجد "عكاش" ب(جدة) " كما ورد في " موسوعة تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية في مائة عام ".

- عين عضواً بمجلس الشورى من عام 1350هـ، إلى العام الذي يليه, كما ذكر الدكتور عبدالرحمن الزهراني في كتابه (مسيرة الشورى).
- عين في ذات العام 1350هـ رئيساً للمحكمة الشرعية الكبرى ب(مكة المكرمة).
- في سنة 1357هـ عين عضواً في رئاسة القضاء حتى وفاته.

https://d.top4top.net/p_1075c1jjm1.png


مؤلفاته :

ترك الشيخ أحمد القاري أثرًا علميًا عظيمًا ذلك هو مؤلفه الكبير ( مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ) الذي سخّر الله لهُ الأستاذين الكريمين الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان والدكتور محمد إبراهيم أحمد علي " بجامعة أم القرى " فقاما بتحقيقه ودراسته وصدر عن تهامة في عام 1401هـ بعد جهد مضنٍ بذله الأستاذان لإخراج الكتاب بهذه الصورة الرائعة.

وقصة تأليفه رحمه الله تعالى لمؤلفهِ الكبير كان عندما ضم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أقليم الحجاز عام 1343هـ، دعا القضاة في منطقة الحجاز بأن يكون لهم مرجع معتمد للقضاة يعتمدون عليه غير مجلة الأحكام العدلية العثمانية، فأمر بتكوين لجنة فقهية لتأليف ذلك، وعهد إلى خيار العلماء والفقهاء في ذلك الزمن هذه المهمة، فنشط الشيخ القاضي أحمد بن عبدالله القاري لهذه المهمة العظيمة، وألف كتابه (مجلة الأحكام الشرعية)، إلاّ أنّه عين في عام (1350هـ) رئيسا للمحكمة الشرعية الكبرى ب(مكة المكرمة)، فانشغل بالعمل عن طباعتها وإخراجها، وتوفي -رحمه الله- قبل إصدارها بحلتها النهائية، وهي تعد مصدراً ومرجعاً شرعياً للعلماء والفقهاء والقضاة، وذات فائدةٌ عظيمةٌ للقضاة والمفتين، إذ لا غنى عنها عند الرجوع للأحكام الفقهية.

وقد جعل مجلته حذو مجلة الأحكام العدلية العثمانية مراعياً ترتيب الموضوعات وفق ترتيب الحنابلة، مضيفاً إليها كتاب الوقف، وقد استخلصها من الكتب المعتمدة في المذهب الحنبلي، كما استخلص مجموعة من القواعد الفقهية من كتاب القواعد لابن رجب الحنبلي، واشتملت على (2382) مادة، وواحد وعشرين كتاباً.


مقتطفات عن سيرته وحياته :

يقول الأديب الأستاذ محمد علي مغربي :
عرفت المرحوم الشيخ أحمد القاري أستاذًا لنا بمدرسة الفلاح بجدة في النصف الأول من الأربعينات وفي أوائل العهد السعودي وكان يدرس العلوم الدينية بالفصول العليا من المدرسة والتي كانت تُسمى بالفصول العلمية, وقد رأينا في أستاذنا القاري نمطًا فريدًا بين أساتذتنا ومعلمينا كان ذكيًا لماحًا, وفي نفس الوقت متمكنًا من العلم الذي يلقيهِ إلينا, وكان رحمه الله مهيبًا, وشخصية محببة تجمع بين الوقار واللطف.

لم يكن الشيخ أحمد القاري رحمه الله غنيًا ولا صاحب تجارة أو عمل, وإنما كان رجل علم وهب حياته للعلم وسلخ ما مضى من حياته طالب علم ومدرس علم حتى تدّرج في وظائف المحاكم الشرعية ثم وصل إلى للقضاء بين الناس.

يقول ابن أخيه الشيخ محمد حامد القاري :
لقد كان الشيخ أحمد رحمه الله لطيفًا عاش بين الكتب وأحب القراءة والإطلاع وكان شغوفًا بذلك, وأنه واخويه كانوا لا يرون كتابًا جديد ظهر إلا وقاموا بنقلهِ وقراءته.

يقول الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان عن كتاب الشيخ القاري :
يُعتبر هذا الكتاب النفيس مرجعًا مهمًا للعلماء والقضاة وطلاب العلم والمعرفة في المملكة خاصة والعالم الإسلامي عامة , وهذا الكتاب هو العمل الوحيد الذي قام بهِ الشيخ القاري في مجال التأليف إلى جانب رسالة كان ينشرها على صفحات جريدة " صوت الحجاز " يرد بها على رسالة مداواة الصائمين للدكتور السيوطي ولعل التدريس والقضاء قد شغلا وقته وخاصة وأنه قد عرف منذ حداثة سنه ولعه بالكتابة والبيان.


وفاتهِ :

توفي الشيخ رحمه الله في مساء يوم الأربعاء التاسع من شهر شعبان عام 1359هـ بمدينة الطائف، وفقاً لما ذكرته صحيفة أم القرى في عددها رقم (821) وذلك بعد معاناة مع المرض، ودفن في المقبرة الملاصقة لمسجد ابن عباس، ولم يكن حينها قد بلغ سن الخمسين من عمره.

تاركًا إلى جانب سمعتهِ العطرة المباركة أربعة من الأولاد هم : عبدالحي وعبدالحميد ومحمد سعيد وعبدالفتاح.


إعداد عضو إدارة محتوى قبلة الدنيا :
ضحى الحرازي
المصدر :
- جريدة الرياض
العدد 17140
- جريدة البلاد العدد الصادر عام 1407 هـ | 1987 م