مجموعة قصائد شاعر مكة : علي أبو العلا

(1) مكة رحاب الوحي

كم ليال جلّل الوحيُ رُباها = قف.. سل التاريخ.. ينبي عن علاها
مجدها قد فاق أمجاد الورى = وسنا الكون وميض من سناها
علمتني أنشد المجد ونفسي = في حِمى "الكعبة" يزداد تقاها
"مكة" يا قبلة الأرض وحسبي = أن بنى الله كياني من ثراها
"مكة" يا منزل الوحي وضيئاً = غمر الأكوان فازدان بهاها
"مكة" يا مهد آساد الشرى = أخضعوا الآفاق وانقادت ذراها
تربها كالمسك عطراً وعبيراً = وأمان الله قد عمّ حماها
"كعبة" القصاد من حج منيباً = أبلغ النفس من الأجر مناها
ودعا لله في موقفه = "عرفات الله" يحظى من أتاها
بوأ الله لإبراهيم فيها = موضع البيت فلبى وبناها
عندها أذَّن في الناس فقالوا = ربنا "لبيك" ربّي من دعاها
ليس في الأرض مكان مثلها = وبها "زمزم" موصوف دواها
وروابي "المروتين" استقبلت = من سعى لله بدءاً بصفاها
وجبال النور تروي قصصاً = فيه ذكرى خلدّ الدهر رؤاها
حيث ضاء "الغار" من نور نبيّ = دينه السمح.. وكم أحيا دجاها
أشرق التاريخ لما أُنزلت = "اقرأ" وازدان باللفظ حلاها
وتوالى سلسلاً قرآنها = ينذر الأجيال.. للحق دعاها
فهي في ركب الليالي كوكب = وهي للأيام صفو في صفاها
وجبال النور تروي قصصاً = فيه ذكرى خلّد الدهر رؤاها
من كُديّ وكداء أو ثبير= شده "الهجرة" "ثَوْرٌ" فرواها
موطن الفصحى ومنها أشرقت = شُعل التبيان تزهو بحلاها
وبها التوحيد أضحى مشرقاً = لهدى الناس مناراً قد هداها
أهلها قد أمن الله حماهم = في جوار البيت والمولى حماها
هم بنو زمزم كم حجَ إليهم = من وفود الله والبيت دعاها
أمم في كل عام وفدت = لِحمى الديان مأجور خطاها
شهدت أجواؤها في غبطة = "ليلة الإسراء" وازدانت سماها
عندها قد هلّل الكون سروراً = وتهادى الركب والقدس تباهى
رحلة لم يشهد الكون مثيلاً = "لبراق" عبر الأفق سواها
ربيَ الله الذي أسرى بعبدٍ = لرحاب بارك الله ثراها
ربنا لبَّيك إنا قد حججنا = كل نفس آمنت ترجو هداها
ربنا لبّيك والأصوات لبّت = في رحاب الوحي ينساب صداها
ربنا لبّيك إن الحمد فرض = لك والنعمى بكفيك عطاها
ربنا لبّيك لبتّك قلوب = خضعت للعفو قد زاد ظماها
ربنا لبّيك قد لبًّت نفوس = ضلها الذنب وقد عافت شقاها
ربنا أسبغ علينا رحمة = تملأ الأرض ويزدان صفاها



(2) ومضة على جبال النور

يَا مَكَّةَ الخَير.. بي شَوقٌ يُتَيمُني = إلى حِمَاكِ وَيَسْتَهْوي هَوَاكِ دَمي
فَمِنْ ثَرَاكِ نَمَا جسْمِي وَمَقْدِرَتِي = وَرَحمةُ اللهِ جَاءَتْ بي مِنَ العَدَم
فَكُنْتِ مَوطِنَ أحْلامِي.. وتَنْشِئَتِي = بَينَ القَدَاسَةِ عَبرَ الأشْهُر الحُرُم
وحَولَ كَعْبَتِك الغَرَّاء كَمْ سَبَحَتْ = نَفْسِي وَنَاجَتْ لَدَى رُكن وَمُلتَزَم
وكَمْ تَعَهْدَني الإسْلامُ في كَنَفٍ = في مَنْزل الوَحْي وَالأخْلاق وَالقِيَم
إنْ كَانَ كُلُّ مُحبٍّ شَاقَهُ وَطَنٌ = مِثْلي فَحَسْبي جيرَةُ الحَرَم
لئِنْ سَعِدْتُ بأني ابْنُ تُربَتِهَا = فَإنَّني مِنْ ذُنُوبي.. حِيلَتي نَدَمِي
تَطوفُ بيْ ذِكرَيَاتٌ عَنْكِ مَبْعَثُهَا = مُنْذُ الطُفُولَةِ تَمْضِي بي بلا سَأَم
لئِنْ سَعِدْتُ بأني ابْنُ تُربَتِهَا = فَإنَّني مِنْ ذُنُوبي حِيلَتي نَدَمِي
فَلَيسَ مِثْلُكِ يَرْوي الذِكرَيَاتِ عَلى = مَر العُصُور وَمَنْ يَعْلَقُ بهَا يَهم
فَفِيكِ أمُ القُرَى أمْنٌ يُحَسُّ بهِ = كَالبَرء بَعْدَ زَوَال الدَاء وَالسَقَم
وَكَمْ وُفُودٍ لِبَيْتِ اللهِ يَجْمَعُهَا = رُكْنُ العِبَادَةِ عِنْدَ الْخَيْفِ وَالخِيَم
تَرْجُو النَّجَاةَ مِنَ الزَلاتِ انْدَفَعَتْ = عِنْدَ الحطِيم تُنَادِي بَارئَ النَّسَم
تَجمَّعُوا عَرَفَاتُ الله.. مَطْلَبُهُمْ = يَوْمَ الوُقُوفِ وَكُلٌّ لِلمَتَابِ ظَمِي
كُلٌّ سَواسِيةٌ لله.. يَجْمَعُهُمْ = دِينٌ بَل الفَضْلُ لِلرُّجَعَى لِمُغْتَنِم
قَدْ وَحَّدَ اللهُ بالإسْلام مَظْهَرَهُم = لا فَرْقَ في اللوَن مِنْ عُربِ وَمِن عَجَم



(3) أم القرى مولد الرسول

ومِنْكَ أشْرَقَ نُورٌ عَمَّ مَظهَرُهُ = وفَاضَ مِنهُ السَنَا يَعْلوُ عَلَى القِمَم
تَبَسَّمَ الكَونُ مِنْ إشْرَاقِ مَولِدِهِ = صُبحاً يُطيبُ كَفيضَ الهَاطِل العَمِم
يَومٌ أطَلَ عَلَى الدُنيَا.. ببَهجَتِهِ = فالبَاطِلُ انزَاحَ والإشْرَاكُ لم يَدُم
واسْتَرسَلَ البشْرُ.. مُذ هَلَّتْ بَوَادِرُهُ = في صَفْحَةِ الكَونَ بَينَ السَهل والأَكَم
هَلْ غَيرَ مَكةً تَاهَتْ يَومَ مَولِدهِ = وَهيَ التي عَرفتْ في الأرض بالقدِم
بهَا المَلائِكَ طَافَت وَهي حَائِمَةً = في الأفْق وَالطَيرُ يَشدو أجملَ النَغَم
تَزَّينتْ.. وجبَالُ النُور رَاقِصَةٌ = لِفَرحَةِ الكَون بَل لِلفَضْل وَالكَرَم
حَيثُ السَمَاء بهَا الأفْلاكُ سَاهِرَةٌ = وَالموْجُ في البَحْر سَطرٌ رَائع الكلم
لمْ يَشْهَدِ الكَونُ نُوراً مِثْلَ مَولِدِهِ = أكرم بِمشْرق يَوم بَاسِم القَسَم
هَادِي العِبَادِ جميعاً فهوَ خِيْرَتُهُمْ = بَرَاهُ رَبُّ الوَرَى مِنْ خِيرَةِ الأمَم
وَقَالَ إنَّكَ يا طَهَ.. عَلَى خُلُق = مِنَ الصِّفَاتِ عَظِيمُ القَدْر وَالشِيَم
كَفَى برَبِ الوَرَى آياتُهُ شَهدَتْ = لِسيِّدِ الخَلْق.. بالأخلاق والعِظَم
وَقَالَ صَلُّوا عَلَيهِ.. وَهْوَ آمِرُنَا = وَسَلِّمُوا تَسْلَمُوا في أحْلَكِ الغَمَم
ومِنْ بَشَائِر طَهَ.. يَومَ مَولِدِهِ = خَوَارقٌ جَمَّةُ الإعجَاز والحِكَم
اهْتَزَ إيوَانُ كِسْرَى بَعْدَ عِزَّتِهِ = وأصْبَحَ القَومُ في هَم وَفي غَمَم
وفارسٌ بَعْدَ ألْفِ نَارُهُم خَمَدَتْ = ثم البُحَيرةَ غَاضَتْ فَهْي كَالعَدَم



(4) وهذه قصيدة للشاعر علي أبو العلا قالها في حفل أقامه المطوفون حضره وزير الحج :

هم أهل مكة إن فكرت أكثرهم = مطوف همه حج وأركانُ
خصائص في دماهم منذ نشأتهم = تجري ويدفعها دين وإيمان
بها الغني يضحي وهو مغتبط = قبل الفقير ويشقى وهو جذلان
وتلك دعوة إبراهيم قد كتبت = لأهل مكة من للبيت جيران
قالوا المطوف قلت الكد صنعته = وكل ما قيل عنه فهو بهتان
وهمه خدمة الحجاج وهو لها = مجند حوله أهل وخلان
وفوق ذلك يلقي اللوم وهو إذا = فكرت في أمره فالحال تعبان
أجر المساكن مرهون بتعرفةٍ = والماء من فوقها والفَرْشُ ألوان
فكيف نطلب منه فوق قدرته = ونحن نعلم عنه فهو إنسان؟


علي أبو العلا