تضاريس الجلال .. مجموعة شعرية | د.صالح سعيد الزهراني


" تضاريس الجلال "

(1)

هذه الأرجاءُ ذَرّاتُ الحنين = من حصاها شعّ فجرُ المؤمنين
إنها (مكة) أسفارُ هدىً = قبلةُ الدنيا ، وعشقُ المتقين
من هنا (اقرأ) أدارت قصّةً = هانتِ الدنيا ، و(اقرأ) لاتهون
وهنا التأريخ قلبٌ وارفٌ = نبضُهُ (زمزمُ) و (البيتُ الأمين)

(2)

ربِّ يامَن عرفتَ مافي السريرهْ = صُن بلاداً في قلبِ شبه الجزيرهْ
وأجِرها ، واحفظْ عليها هداها = ياإلهي ، واكتبْ لها خير سيرهْ
ووجوهاً جاءت تريدُ جواراً = ياإلهي : هبْها جواراً وجيره
ربِّ ، وارزق هذي البلادَ برزقٍ = إنّ نعماك للعبادِ وفيرهْ
فاستجاب الرحمنُ ، وانداح فجرٌ = وتهادتْ فيه الجموع الغفيرهْ
غرقت في البياض ، وهي تلبي = بنداءٍ ، تريد أزكى شعيره
قال ربي : كوني ، فكانتْ جلالاً = في ظلال الإيمان تغفو قريرهْ
كسر الله من أراد بها السوءَ = فخابت كل الوجوهِ الكسيرهْ
كيف تخشى البلاد من ألف باغٍ = وهي دوماً بربها مستجيرهْ

(3)

جاء في قلبه أجلُّ المعاني = مستجيباً للواحد الديّانِ
دعْهما هاهنا ، وإني رقيبٌ = ليس يخفى عليّ ماذا تعاني
أمكثا ، إنني أُمرتُ بهذا = فأجابت : متى يكون التداني؟
إن يكن أمرهُ إليك تعالى = فستغدو الصحراءُ أحلى الجِنانِ
واستطال اللظى ، ومكةُ لفحٌ = ظَمَأٌ يستطيلُ مثل الدُّخانِ
ورضيعٌ يبكي ، ولهفةَ أمٍّ = فوق لفح الرمضاء لفحُ الحنانِ
فيَنِزُّ النَّميرُ بالركضِ نهراً = لؤلؤياً يُطفي لظى الظمآنِ
وتطير البطاح شوقاً إليه = وعلى زمزمٍ تحطُّ الأماني
كل عسرٍ بالله يغدو يسيراً = علمتنا حلاوةُ الإيمانِ
يابطاحَ الجلالِ كوني مداراً = للمعالي ، ودوحةً للأمانِ

(4)

(زمزمٌ) وابتدتْ بشارات عيدِ = بصباحٍ زاهيْ المحيا جديدِ
كتبتْ للعطاء معنىً جديداً = يتسامى عن رِبْقَةِ التقليدِ
فتنامى في هذه الأرض بذلٌ = كل قلب يقول : هاكم وريدي
سارتِ الخيل للفتوح بأهلي = دون بذل النفوس بذلُ النقودِ
وبلادي من عهد ( تبّعَ) كفٌّ = غمرت بالعطاء كل الوجودِ
وستبقى للخيرِ نهراً طهوراً = لن تنادي : ياساعة الجودِ عودي
إن كفَّ الكريمِ تندى وتخشى = وبلادي تقول : هل من مزيدِ ؟

(5)

رؤيا لها (بُصرى) تضئُ جهاتها = وتسير في أنوارها ( صنعاءُ)
و( حراءُ) يكتب للزمان فصولها = وتظلُّ تحفظُ ذكرها ( البطحاءُ)
هذي الجبال السود بين هضابها = لغةٌ يسافرُ خلفها الشعراءُ
أوَ لم يقل شوقي – وشوقي حكمةٌ - : = ( ولد الهدى فالكائناتُ ضياءُ )؟!!
أوَ ما إلى نفَحاتها اشتاقَ الورى = ولَكَم يعزّ على الكثير لقاءُ
أرض ثراها بهجةٌ ، وجبالها = أَلَقٌ ، ونبتُ الأخشبينِ وفاءُ
حنّت إلى الذكر الحكيم ، فلحنُها = ذكرٌ ، وكل ضيوفها قراءُ
الله ألبَسَها الجلالَ ، وحفّها = بالمكرماتِ ، وبعضهنّ الماءُ
ولد الرسولُ بها ، وقبلتهُ بها = واستقبلَ الوحيَ العظيمَ حراءُ
جلّت مكارمها ، بحكمةِ ربها = وتكاثرت من فضلها الأسماءُ

(6)

وهنا تدورُ على البطاحِ حكايةٌ = منسوجةٌ من أنبلِ الوقَفَاتِ
ويجئُ ( أحمدُ) فالصباح بشارةٌ = والكونُ آذانٌ من الإنصاتِ
وعلى(حراءَ) الله ينزلُ هديهُ = عذبَ الحروفِ ، بأروعِ الآياتِ
وتذوبُ مكةُ في البيانِ ، ويبتدي = من هذه البطحاءِ سِفرُ حياةِ
و (محمدٌ ) يبني النفوسَ مهللاً = ويضئُ بدراً في دجى الظلماتِ
و (حراءُ ) يفتحُ للكتابِ أكفّهُ = ويتمّ هذا الخيرُ في عرفاتِ
سِيرٌ يضنُّ بها الزمان ، لأنها = نفحاتُ تزكيةٍ ، وطهرُ صلاةِ
ماازدادتِ الدنيا شجىً ومصاعباً = إلا بدا زحفٌ لأهلِ ثباتِ
العدلُ ، والكرمُ الجميلُ ، وهِمّةٌ = كسرتْ جيوشَ ممالكٍ وطغاةِ
من أين نفتتحُ الحديثَ عن الندى = ومحمدٌ يسمو على الكلماتِ
يبقى أجلًّ من البيانِ وسحرهِ = وأجلَّ من شعري ومن أبياتي

(7)

أمامكَ حَبْكةُ النجوى هُلامُ = وعندك لايصحّ ليَ الكلامُ
لأنكَ قبلة الدنيا ، وإني = أُجِلّكَ ، والجليلُ له احترامُ
وأنّكَ آمنٌ ، والكونُ خوفٌ = فماذا أنت؟ يابلدي الحرامُ
على جنباتكَ الإسلامُ ، قامت = دعائمهُ ، وعزّ بك السلامُ
ووجهكَ بهجةٌ ، ورؤاكَ نصرٌ = وفي جنبيكَ زمزمُ والمقامُ
وصوتكَ روعةٌ تتلى ، وذكرٌ = على ترتيلهِ سجعَ الحمامُ
إليكَ من البياض أتتْ ألوفٌ = أقاموا في ربوعكَ واستقاموا
ونهرُ الخيرِ حيثُ وُجِدْتَ يجري = لهذا حولَهُ كَثُرَ الزّحامُ
يُلامُ بحبّهم قومٌ أحبّوا = ولكنّا بحبّكَ لانُلامُ
إذا لم تبقَ في الأذهانِ رمزاً = نعظّمهُ ، على الدنيا السلامُ

(8)

عزّ فيكِ الضعيفُ ، وهو أجيرُ = فلهُ في حماكِ كفٌّ نصيرُ
ونفَتْ (مكةُ) الغثاءَ ، وعزّت = كيف يحيا فوق النقاءِ الفجورُ ؟!
وسما معدمٌ ، وسادَ ضعيفٌ = وتآخى مع الغنيِّ الفقيرُ
حينً عاشتْ نفوسُنا في رياضٍ = لم يعشْ في ذُراكِ قلبٌ كسيرُ
وإذا أورق التُّقى في نفوسٍ = عفَّ لفظٌ ، وعفَّ معْهُ الضميرُ
وهنا لم يزل لدى الناس وعيٌ = أنّ عمرَ الإنسانِ عمرٌ قصيرُ
وجمالُ الحياةِ بذلٌ وصبرٌ = كمْ تساوي هذي الحياةُ الغَرورُ !
أوقِفُوا للإله مالاً وعُمراً = خوفَ يومٍ عذابُهُ مستطيرُ

(9)

هذه الأرضُ مدارٌ ملهمٌ = قبلة الدنيا ، ومنها زمزمُ
وعليها ( المصطفى) كان له = قصة تروى ، وذكرٌ مفعمُ
وبها ( القرآن) أعلى أمةً = سبقتها للمعالي أممُ
فبنت في رحلة الحق لها = دولةً ، تاقت إليها الأنجمُ
علمتنا أننا من أمةٍ = ترتضي الموتَ ولاتستسلمُ
ليس يحمي الحق إلا فارسٌ = إنّ أدنى هيبةِ الحقِ دمُ
وهنا قامت عليها دولةٌ = بِعُرى قرآنها تعتصمُ
خيّم الحبُ عليها ، فهي في = حاضرٍ زاكٍ ، وآتٍ يبسُمُ
سنةُ الله التي مابُدّلت = ليس في درب الهدى من يندمُ

(10)

كم بنى الطاغون من بيتِ
وأعلى الزيفُ من صوتِ
فلم يبلغْ ؛ لأنّ اللهَ دكّهْ

وهنا أول بيتِ
لم يزلْ من فضل ربي
يرفعُ الصوتَ نديّا
وهنا نادى المنادي
فأتى الكون يُلبّي
بعَثَ اللهُ نبيّا

شَقْشَقَ الفجرُ من البيتِ الأمينْ
لِمَن الملكُ ؟ لربّ العالمين
وجلا الإيمانُ ليلَ الكفرِ
قَيْدَ الجهلِ فكّهْ

وسيبقى النورُ يسطعْ
من رُبى البيت المطهّرْ
وتظلُّ : اللهُ أكبرْ
في جهاتِ الكونِ تصدعْ
من هنا من خيرِ أرضٍ
قبلةُ الإسلامِ مكّهْ


د.صالح سعيد الزهراني