الوجيه عبدالرحمن فقيه .. الأرض والإنسان

طور الواقع، وعمل على تحسينه، من أجل إسعاد الناس، فهو يتاجر من أجل توفير احتياجات البسطاء ولا يتاجر بهم. وفق هذا الوصف الذي أطلقه صالح كامل كان وجيه مكة المكرمة عبدالرحمن فقيه يمارس عمله التجاري محققا المعادلة بين الربحية ومنفعة المجتمع.

يحظى الوجيه عبدالرحمن فقيه بسيرة عصامية ملهمة، منحته دروسا ومعاني عميقة، شكلت في نهاية الأمر تلك الشخصية التي يمتع بها، والتي يكاد يجتمع الناس على محبتها وتقديرها.





ابتسامته التي تغلف صمته الوقور، سكينته وسمته، تواضعه الجم.. في كل ملمح من تلك الملامح التي تعلو وجهه غالبا؛ قصة لزمن مضى، لبدايات صعبة مصهورة بالوجع والتضحيات. إذ لم يصحُ هذا الرمز على الحياة في قصر عامر، ورأسمال ينتظر الأفكار؛ بل ولد في بيت اضطره لترك الدراسة مبكرا والتوجه للعمل، وترعرع في دكان صغير ليس فيه إلا خيوط بيضاء وألوان وكرامة يد خشنة يحبها الله ورسوله.



نسج فقيه الحلم من دكان والده المتواضع المتخصص في بيع الخيوط والصباغة، ورافق الشمس من مولدها وحتى مغيبها، كل يوم، كادحا لأجل لقمة العيش؛ حتى صنع إمبراطورية من المال والأعمال جعلت من العالم كله دكانا له، حتى باتت الشمس، ذاتها، لا تغيب عن متجر له أو يحوي على منتج من منتجاته، إلا وتشرق على آخر.. ويقول، واصفا فلسفته في العمل «المبدأ الذي رسمته لنفسي والذي وفقني الله سبحانه وتعالى إلى السير فيه طوال حياتي العملية؛ هو أن نضيف إلى مجال (ما) ولا ننافس ما هو موجود أو نكرر ما يقوم به الآخرون».

في حضوره، لا صوت إلا للحكمة والموعظة والمنفعة. يقول أحد جلسائه رجل الأعمال أحمد حسن فتيحي هذا العملاق فيه سماحة ورجاحة عقل، في مجلسه ترى جميع المشارب والأطياف... شبابا وشيوخا كلهم في ود ومحبة ووقار... لم أر أو أسمع في مجلسه العامر غيبة أو نميمة أو تجاوزا، فهو لا يسمح بذلك، وإذا رأى ما لا يعجبه في غير داره انتفض قائما مستأذنا بأدب جم، تعرف من قسمات وجهه عدم الرضا.

لم تنفصل اهتماماته المدفوعة بحب النجاح وتحقيق الأرباح، عن تلك المدفوعة بحب المجتمع وتحقيق تطلعاته؛ فكان كل عمل يقدمه يحقق في جانبه المجتمعي منفعة للبلاد والعباد. إلا أن حبه للمجتمع كثيرا ما كان يطغى على جانب الربحية، فيكون أولا في كل شيء، حتى لو استدعى ذلك خسارة بعض الأرقام. ويبدو ذلك أكثر وضوحا في مشاريعه السياحية التي تكبد فيها بعض الخسائر مقابل أن يحقق جانب الترفيه لمجتمعه.

كان الإنسان حاضرا دائما في اهتمامات الوجيه، ويقول في ذلك «لدي قناعة تامة بأن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان فهو الذي يصنع الفرق على قدر ما يمتلكه من تعليم وتدريب وتطوير»، وهذا ما دفعه للاهتمام في جانب التدريب والتعليم، ففي مجال التدريب لم يكتفي بالاعتماد على استقدام الأيدي العاملة الجاهزة دون تحمله لأعباء التدريب؛ بل أصر على أن يستثمر في تدريب أبناء بلده، ويهيئ لهم مراكز التعليم ويتكفل بكافة مصاريفهم أثناء ذلك، ليكونوا قادرين على العمل سواء في مشاريعه أو حتى مشاريع المنافسين له، كما حدث ذلك مع بعضهم.

ويتضح اهتمامه في الاستثمار بالإنسان أيضا في قصة المدارس غير التقليدية التي أنشأها، والتي تهتم في جانب من علومها بالتهيئة المهنية للطلاب، تلك المدارس التي قال عنها أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، حين افتتاحها إنها مدارس مميزة أنشأها رجل مميز في بلد مميز يستحق منا الشكر والتقدير.



عند ذكر اسم عبدالرحمن فقيه؛ تغيب في أذهان عامة الناس صورة رجل الأعمال، وتبرز صورة ابن مكة المحب لأعمال الخير، الحاضر دائما في كل جمعية أو مشروع خيري، أو حتى نفقة طباعة كتاب أو تمويل مشروع ثقافي، إذ يوجد اسمه في مجالس إدارات أكثر 40 مؤسسة في مجالات مختلفة، خيرية واجتماعية وثقافية ورياضية واقتصادية، حيث حرص دائما على أن يوجد كما ينبغي لصاحب فكر منحه الله سعة في المال.

اليوم، عوضا عن تلك المشاريع التي عمرت الأرض ونفعت الإنسان، تحتفظ أرض أقدس البقاع باسم الوجيه عبدالرحمن فقيه وهي تنعش الحجاج بأعمدة رش الرذاذ التي غرست فيها، وتستظل بغابة من 300 ألف شجرة زرعها وتكفل بريها ومتابعتها، لتبقى شاهدة له ولحلمه الذي نبت مثلها بين أزقة مكة المكرمة فنما وأغدق.

عبدالقادر عياد - مكة المكرمة