قصائد شاعرة الحرمين : السيدة الشريفة الهاشمية

(1) يامكة النور

يا مكة النور التـي مـا مثلُهـا = بيـن البقـاع بعالِـم الأسبـابِ
يا خير أرض الله جئتُكِ أرتجي = عفو الكريـمِ الواحـد التـوّابِ
أُم القُـرى مهـد النبـيِّ وآلـه = كم قد نُعِـتِّ بصفـوة الألقـابِ
يا مهبط الوحي الشريـفِ بآيـه = بالغارِ ألقى الروحُ بدءَ خِطـابِ
بك كعبةٌ قـد شُرِّفـت بِمكانِهـا = ما بين وادي النورِ خيرُ رحابِ
الله أكبـرُ قـد بـدت أنوارهـا = تزهو بفيض جمالهـا الخـلاّبِ
هي بَهجة الأنظار عنوان التُقـى = مهوى الفؤادِ وملتقـى الألبـابِ
هي مرجع الناس اجتماع وفودهم = والزَورُ بعد الزَورِ نعـم إيـابِ
أرضى بِها اللهُ الرحيمُ رسولـهُ = لتكـون قبلتنـا ليـومِ حسـابِ
ولقد أتينا اليـوم نـورد حبّنـا = بجوار بيـت الله عنـد البـابِ
بتلاوة القـرآن والذكـر الـذي = يشفي عميق الجرح والأوصابِ
يا رب فاجمع شملنا واغفر لنـا = وافتح لنـا يـا فاتـح الأبـوابِ
جئنـاك يـا اللهُ نحمـلُ ذنبنـا = فامح الذنوبَ وداوِ طول غيابـي
أنت السـلامُ فحيِّنـا بسلامكـم = نحيـا بـدار سلامكـم بثـوابِ
واجعل لنا فيها قراراً مُرتضـى = وارزقْ ومُنْ بالخيرِ دون حسابِ
فالبيتُ بيتـك والأمـانُ أمانكـم = والفضلُ فضلك مالك الأسبـابِ
ونعوذ بالرحمن من كُفرٍ ومـن = فقرٍ ومـن قبـرٍ بسـوءِ مـآبِ
وصلاةُ ربي في مَجيـد كتابـه = تغشى نبـي النـور والأطيـابِ
صلّى عليه اللهُ مـا لبّـى النـدا = بين الشعوبِ خلائـطُ الأنسـابِ
وتجمـع العُبّـادُ فـي أرجائهـا = بالحب مثل تجمـع الأصحـابِ
يرجون رحمته وقد تركوا الحِمى = لله لا للـمـالِ والأحـســابِ



(2) من ماء زمزم

من ماء زمزمَ أطفئوا ناري = فلقد أتيتُ بشوقي الضاري
أشكيكمُ حالي وملهبتـي = وأردُّ دمع محاجري الجاري
فارووا بطيب سقائكم ظمأي = واسخوا عليَّ بغير معيارِ
فلأجلكم فارقت كلَّ هوى = ولأجلكم قد كان مشواري
ورميتُ كلَّ علائق خلفي = ونذرتكم عزمي وإصراري
لَمّا تبدى البيت في نظري = قد حُفَّ من أهلٍ و زوّارِ
من حوله العبّادُ في فضلٍ = يتلون من آيٍ وأذكارِ
طافوا ومِلءَ قلوبِهم عَشَمٌ = وسَعَوا بعَونِ عطائه الساري
أيقنتُ أني اليوم في عيدي = وعرفتُ أنّه خير أقداري
وعلمتُ أن السعد عندكُمُ = أنتم مراد القلبِ يا باري
أدركتُ أن العيش دونكُمُ = يعني خواء العمر والدارِ
أنتم محطَّ مُناي أجْمَعُـهُ = في كل مسألةٍ ومضمارِ
أنتم رجائي ، ليس لي أملٌ = غيرَ ابتـغائي عفوَ غفّارِ
ما عاد لي شئٌ ليشغلنـي = غير الصلاةِ بجوفِ أسحارِ
إن لم يكن لجمال طاعتكم = فلمن تكَرَّسُ كلَّ أعمارِ
ولمن يكونُ العسرُ واليُسرُ = ولِمن تكون مبرة الجارِ
بجواركم ألفيت مرحمتي = ولوجهكم أطلقت أشعاري
وصلاة ربي دائماً تغشى = أمَدَ الزمان وبُعد أمصارِ
من جاء بالقرآن معجزةً = خير البرايا ، ليس بالقاري



(3) يا مكّ

يا مكُّ قد أودى الهوى بقلوبنا = فأتاكِ صبٌّ في الغرامِ سقيمُ
للهِ ما صنع النوى بحُشاشةٍ = أشواقُها بين الديارِ تهيمُ
عُدنا إليكِ بلهفةٍ لا تنقضي = قد شفَّنا قبل الوصولِ تُخومُ
جئنا وقد ذُقنا الجوى بفراقِكم = كلُّ الدروبِ إلى هواكِ تؤومُ
هاتي من النسَماتِ ما يشفي الضنى = قد أوجَعتنا في البِعادِ كُلومُ
هاتي من النفَحاتِ ما نحيا به = طال العناءُ وحالُنا مكتومُ
إنّا وإن بعُدت خُطانا إنَّما = قلبي لديكم عاشقٌ ومُقيـمُ
وفدت إليك ببُكرةٍ أراوحُنا = إذ قد دعاها حبك المختومُ
تاقت إلى البيت العتيقِ ونورِهِ = ولساعةٍ نهنا بها ونُقيمُ
كل المباهجِ تبتدي أوقاتُها = عند القُدومِ وقد رعاهُ عليمُ
لمّا نطوفُ بكعبةٍ بجمالها = وبها تجلّى للعبادِ كريمُ
وبسجدةٍ وجبت لأعظمَ صانعٍ = ولبارئٍ بالمؤمنينَ رحيمُ
قد أسعد الحرمُ الجليلُ نفوسَنا = وأحاطَنا بين الربوعِ نعيمُ
يا مكُّ مالي عن رِحابِكِ غُنيةٌ = إن الهناءَ بلا لِقاكِ عديمُ
ثم السلامُ على الحبيبِ بطيبةٍ = فيها أنارَ على الزمانِ يتيمُ
هو قُدوةُ الإنسانِ عِنوانُ التُقى = هو قائدٌ هو رائدٌ و قويمُ
هو دُرّةُ الأيّامِ مِصباحُ الهُدى = ما مثلُ طيبةَ ذي السناءِ نرومُ
أرضُ الأحِبةِ طُرَّةٌ بين الدُنى = طلعت شوارقُ بدرِها ونجومُ
إنَّ الحياةَ وسعدها في زَورةٍ = بركاتُها عبر الزمانِ تدومُ
صلى الإلهُ على النبيِّ وآله = فيضُ الثناءِ عليهُمُ لعميمُ




(4) مَكَّـة

إذا هـلَّ ذوالحجـةِ الْمُزدهِـرْ = ولـبّى النداءَ جُمُـوعُ البشَرْ
تـمنيـتُ مكـةَ ، أنوارَهـا = ووديانـَها والجـبالَ الزُهُـرْ
ففيها الشفاءُ لروحي العـليله = وآهٍ على الفجر لو يسـتمـرْ
تنـعّـم قلـبي بذكر الإلـه = وطافت بفكري جليلُ الصورْ
بدا البيتُ لي عند باب السلامِ = سنـاءَ النفوسِ ونورَ البصـرْ
وزانت صـلاةٌ لنـا عِنـدَهُ = وزادت جـمالاً بِرَجْعِ السُوَرْ
هنـا أبصـر النـورَ إسلامُنا = هنا مَـرَّ حمزةُ ، صاح عُمَـرْ
وكُنّا نعيـشُ كمـا إخـوةٌ = ومَـرَّ زمانٌ كحـلـمٍ عبـَرْ
فجَدَّ لنـا كل حـينٍ لقـاءٌ = بـأزكى مكانٍ رعاهُ القَـدَرْ
وبينَ الحجيـجِ أريجُ الحيـاة = ويا مكـة الخير أشهى مقَـرْ
أيا قاصدين جِوار الحـرمْ = ويا زائـرين الديـار الأغرْ
هبونا دعـاءً لأرواحـنا = تـردّدَ سعياً و عند الحجرْ
سلامي إلى كعبةٍ شُرّفت = تـحلّق حول بِـناها البشرْ
هنيئاً لمن طاف سبعاً بِها = ومن طاف حول سناها ظفرْ
سلامٌ ونفسي تَحِـنُّ لَها = تـود الْقدومَ وما قد قُـدِرْ
سلامي لمن هام عشقاً بِها = ومَن ذاق عبق هـواها عذرْ
إلى كلِّ ركنٍ بأرجـائها = لكل مُصلّى وكل مَـمَـرْ
دعائي لربي العـلي القدير = يعيد الْمُقامَ لمن قد حضرْ
وصلى الإله على المصطفى = إمـام الكرامِ وخير البشرْ
زكاةً لـنا وأسـلافـنا = وأخلافـنا في رواقِ الدهرْ



(5) الكعبة المُشرّفة

تحلّق حولها البشـرُ = فلا بدوٌ ولا حضرُ
ولا عُربٌ ولا عَجَمٌ = وكلُّ الجمعِ مبتدرُ
بأثـوابٍ مُطـهرَّةٍ = وأرواحٍ بِها وطـرُ
هنيـئاً للأُلى قدموا = وطوبى للأُلى ظفروا
فهذي الكعبة الغرّاءُ = زان بِجوفها الحجرُ
بِملقـاها ومَـرآها = يُسَرُّ القلبُ والبصرُ
فيا ربّـي بلبـيكَ = أتيتُ اليـومَ أعتمرُ
فحمدك نعمةٌ عُظمى = وملكك ماله أُطُـرُ
أطوفُ بفرحةٍ سبعاً = وماء العين منهمرُ
بأشواقٍ تعانقنـي = وتَـوقاً بات يستعرُ
يجولُ بِمُهجةٍ حرّى = لطيب رضاك تنتظرُ
تقبّل ربّ طـاعتنا = وهذا القلبُ منفطرُ
وتلكَ نفوسنا وفدتْ = لتستجدي وتعتذَرُ
وتدعو من له دانت = وفوق الخلقِ مُقتدرُ
هزيع الليلِ يُدركنا = بأزكى الذكرِ مُزدهرُ
فما أحلاه من حَرَمٍ = وما أحرى من افتقروا
صلاة الله مولانا = على مَنْ دونهُ القمرُ
على من حفّه الوادي = وحنَّ الجذعُ والشجرُ
نبـيٌ شرَّف الدنيا = بأنـوارٍ بِـها عبروا



شاعرة الحرمين : السيدة الشريفة الهاشمية