مراكيز المسفلة منابر ثقافية للمجتمع المكي
يقول عمدة حي المسفلة عبدالرحمن محمد فاضل الشنقيطى ان المسفلة احد الاحياء القديمة القريبة من المسجد الحرام وفى الماضى لم يكن بهذه الكثافة السكانية رغم قربه من المسجد الحرام ، بل كان أهالى المسفلة يعرفون بعضهم البعض ، وكان الحى يمتلئ بالحجاج فى موسم الحج فقط ، أما في أيام السنة الأخرى فلا تكاد تجد فيه أحد من غير أبنائه .
أودية وبساتين
واضاف : يتميز الحي بكثرة شعابه وأوديته ، والوادي كما يطلق عند العامة (دحلة) فتوجد دحلة الرشد والولاية وأبوطبنجة ودحلة بكر شرف وحارة الكدوة التى سميت بهذا الاسم نسبة إلى ثنية كداء التاريخية التى تفضى إلى وادى دحلة (طوى) الذى بات فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الفتح كما ذكر المؤرخون ، وتنتشر في الحي الآبار والبساتين ومن أشهرها بستان (حزام) وبستان (الباخطمة) وبستان (شنب) .
كتاتيب و مدارس خيرية
وكان بالمسفلة عدد من الكتاتيب والمدارس الخيرية ومن أبرزها مدرسة (دار السلام) بالمنشية ومدرسة دار الفائزين بمسيال الهرساني والمدرسة التوحيدية بطلعة الوزان إلى جانب المدارس الحكومية التى كان عددها قليل وتوسعت مع النهضة العمرانية التى تعيشها المملكة فى جميع المجالات .
اسر مشهورة
ويوضح العمدة الشنقيطي انه سكن حي المسفلة الكثير من الأسر المعروفة منها أسرة الدكتور محمد عبده يماني وزيرالإعلام الاسبق وأسرة الأهدل والكسناوى وجميل غازى وعائلة النجار واللهيبى والبيطار والشنقيطى والهيطلى والشجاع والمفتى والسبهانى وأبورزيزة والطباخ وعالم والحجازى والكوشك والبنانى وعبدالحميد الأبيض ومالم ثانى ومدو وأحمد مكى فحام وأسرة الوزان والديري والعساس والمطيورى والبانى والفارسى والأشراف العبادلة والكردى والمولد والهوساوى والفوتاوى والفلاته والقاضى والخياط والسودانى ومؤذن المسجد الحرام إدريس كنو والحلوانى والفوال والعامودى والعاشق وغيرهم .
نسيج مجتمعي متنوع
ويتشكل النسيج الإجتماعى فى الحى بالاضافة الى المواطنين من عدد من الجاليات الإفريقية والهندية والجاوية والباكستانية والبخارية والبنغالية والبرماوية واليمنية وبعض الأسر المصرية والمغربية والسورية والموريتانية. ويشير الشنقيطي الى ان اهالي المسفلة شأنهم شأن المجتمع المكي تميزوا بالترابط والتعاون فيما بينهم ، ومما يُذكر لأهالى هذا الحي خاصة فى الماضى حرصهم على تأصيل مفهوم ومبدأ الترابط الأخوى بين ابناء الحى وتكريمهم لضيوف الرحمن حيث يفتحون قلوبهم وبيوتهم فى موسم الحج للحجاج القادمين من داخل وخارج المملكة .
المدرسة القرآنية
ويتناول الشيخ بكر يعقوب الحافظ جانبا مهما من مظاهر حياة سكان المسفلة حيث كان في الحى قديماً عدد من المدارس القرآنية التى تُعلم البنين والبنات وتُحفظهم كتاب الله فكان من أبرز هذه المدارس القرآنية مدرسة الشيخ مالم يعقوب - رحمة الله - عليه وهو من أصل نيجيرى اختار العيش فى مكة المكرمة ونشر القران الكريم وكان بداية تأسيسها فى حى دحلة الرشد ثم انتقلت إلى دحلة الولاية حتى عهد قريب وبعد انتشار المدارس الحكومية وتعليم القران الكريم فى المساجد الذى كان موجوداً لكن بشكل محدود توقف التدريس فى هذه المدرسة التي تخرج منها مئات الطلاب والطالبات بعضهم أكملوا حفظ القران الكريم وبعضهم حفظوا بعض الأجزاء وكان لها اجمالا تاثير كبير على أبناء الحى
وزراء وشعراء ورياضيون
ويؤكد المواطن عبدالله سعيد الخراشي (أبوياسر) أن حي المسفلة من الأحياء التى لها تأثير فى الحركة العلمية والتجارية لمكة المكرمة ، فمن الناحية العلمية يوجد عدد كبير من المثقفين والعلماء والوزراء والمديرين ولا زال هذا الحى يخرج المبدعين في جميع المجالات من الشعراء والصحفيين ولاعبى كرة القدم وغيرهم وكان يوجد جنوب المسفلة عدد من الملاعب التى تحتضن الشباب وقد كان لابناء المسفلة اسهامات فى الحركة العمرانية لتوسعات المسجد الحرام ، ويتطلع الخراشى الى أن يشهد الحى مرحلة تطويرية أسوة بما شهده جبل عمر مؤخراً خاصة وأن الحى يقع فى الواجهة الجنوبية للطريق الموازي طريق الملك عبدالعزيز .
الحنين الى الماضي
يقول المواطن عبدالكريم أبوالنور أحد ابناء الحي : كل من عاشوا طفولتهم وشبابهم في هذا الحي لا يستطيعون نسيانه ابدا اذا انتقلوا منه بسبب ظروف الحياة والحرص على التوسع التي جعلت كثيرين ينتقلون للسكنى فى المخططات فى الفلل والشقق الواسعة ، الا انه ورغم ذلك يظلون في تواصل دائم مع الحي واهله ، حيث تجد انهم خصصوا في برنامجهم اليومي وقتا للجلوس في المراكيز التى تميزت بها المسفلة فى الماضى والحاضر .
الحليب والحلوى في محرم
ويضيف : قبل نصف قرن كان لسكان الحي أياماً يحيون فيها بعض العادات التى لا تتصادم مع التعاليم الاسلامية ، فمثلاً في أول يوم فى شهر محرم يشربون الحليب ويطبخون الملوخية فى البيوت ويشربون السحلب تفاؤلاً ببداية السنة الهجرية الجديدة ويكثرون من الدعاء أن يجعلها الله سنة بيضاء ومباركة ، وفي يوم عاشوراء تصنع الحلوى الخاصة وتوزع على الجميع من النساء والأطفال والكبار وآخر يوم فى شهر صفر تخرج النساء والأطفال إلى البساتين للنزهة وتبادل الأحاديث الودية بعيداً عن روتين المنزل وفى شهر رمضان هناك أكلات خاصة ومن أكثر المشاهد المؤثرة فى هذا الشهرالكريم أن الناس يكثرون من تبادل الهدايا بالأطعمة والمشروبات ومن لم يكن لديه زوجة تجد عشرات الأطباق تملأ بيته يومياً من أهل الحارة والناس بطبعهم كانوا يحرصون على تبادل الطعام فيما بينهم ورغم ضيق ذات اليد تجد على سفرة الأسرة الواحد عدد من أنواع الأطعمة والمشروبات وجميعها من صنع أهل الحارة ، ومن العادات فى عيد الفطر اكل (فتة بدر) المكونة من العيش الحب واللحم ، وتستمر تلك العادات طوال أيام السنة .
اسماء في ذاكرة الحي
ويلفت ابوالنور الى ان حي المسفلة يتميز بالدكاكين ، ومن اشهر أصحابها أحمد مظهر وعبدالله باسماعيل وعلى بلال وعيضة الكدوى وبابشير وأحمد المصيرى والعشمى مبارك والباندة وعمر قبول وابلبيد ، ومن الخضرية حسن على وأبوصديق السندة ، ومن الجزارين الدبيانى وزكى تاتا ومنصور وصالح فوال وحبيب واسماعيل حقا والفوالة باقاسى وباصفار وسعيد بطاطى وعلى بطاطى وباحاذق وباهبرى وفارع اليمانى وأشهر البساتين فى المسفلة بستان الدلى والشنب وأبوطربوش والفارسى والباخطمة والكعكى والهيطلى وحزام ، كما كان بالمسفلة حلوانية منهم العم على جابر والأخوين الغامدى وعبدالله باشراحيل وحمود وعبدالرحيم الراشدى .
وكان بالمسفلة مجموعة من القهاوى التى تمثل تراثاً ثقافياً للمجتمع المكى منها قهوة باجراد وقهوة البنانى وقهوة حنش وقهوة صالح عبد الحى وقهوة مالنته وقهوة عبده خضرى كما يوجد أفران للخبز والتميس .
ازقة واحواش مشهورة
ومن أشهر الأزقة فى المسفلة زقاق السعدة والمنشية ودار السلام كما يوجد أحواش منها حوش الشامى وحوش الأغوات وحوش المطيورى والعمرى ،،
وكان الكثير من الصُناع فى مجال صناعة الاجر من أهل المسفلة منهم حامد دعجانى وحسن دبلول ومحمد عثمان المصرى وأبو سند والعساس ومحمدكيكي والمعلم فراج وسليم المولد وسليمان بيطار وعثمان سلا وباحاج وكانت هذه المصانع فى المسفلة وتم نقلها إلى الرصيفة عام (1375هـ) بأمر من جلالة الملك فيصل رحمة الله عليه ، كونها تساهم فى تلويث الهواء فى المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام .
إحياء قيم الترابط
من جانبه تناول عبدالله زبيدى صورة أخرى من صور الحياة فى المسفلة قديماً وهو الترابط الذي كان يتميز به أهل هذا الحى فكان الجميع يشكلون أسرة واحد فى التعاون فى السراء والضراء ، وأبرز ما يتميزون به التزاور حيث كانوا مثلاً يقضون يوم الجمعة من بعد صلاة العصر حتى العشاء فى التزاور فيما بينهم ، وكان الشباب لايعرفون السهر أو تضييع الأوقات فيما لايفيد كما نرى شبابنا اليوم ، ونتمنى من جمعية مراكز الأحياء أن تسهم فى إحياء بعض المبادئ التى كان الطفل والشاب يتعلمها من الأسرة والمجتمع من أبرزها احترام الصغير وتقدير الكبير.
فيما طالب سمير عسيرى عمد الأحياء بالتعاون مع جمعية مراكز الأحياء وكبار السن بإحياء هذه القيم والمبادئ الأصيلة فى نفوس الأجيال ومنها إكرام الضيف ونبذ التعصب واحترام الصغير وتقدير الكبير ويمكن تنفيذ ذلك من خلال عمل لقاءات وحوارت وندوات بمشاركة أبناء الحى وكبار السن لتناول هذه القضايا والمواضيع .
المصدر : جريدة المدينة الجُمْعَة ٠١ رجب ١٤٢٩ هـ ..محمد رابع سليمان
0 تعليقات