قف يا لبيب العقل ... مصطفى عكرمة

قف يا لبيب العقل في عرفاتِ = كم فيه من عبرٍ، ومن آياتِ!
مازال عبر الدهر ينمو حبه = مُتجددًا بتجددِ الأوقاتِ
لو قُدِّرتْ ذراته لسمتْ على = أضعاف ما في الأرض من ثرواتِ
المؤمنون بكل أرضٍ روحُهمْ = تهفو إليه على مدى الساعاتِ
ويرون رؤيتهُ نعيمَ حياتهمْ = مهما رأوا فيها من الإعناتِ
جناتُ عدنٍ خلفَ حرِّ رمالِه = تدعو أخا الإيمان للجنَّاتِ
والروح في عرفاتِ تلقى روحها = والذّاتُ عند البيتِ غيرُ الذاتِ
والنفس تسمو كلما نظرتْ له = عن كل ما في الأرض من رغباتِ
فهناك في عرفات أمنيةُ المنى = وهنا بمكة غايةُ الغاياتِ
من كل فجٍّ أقبلت حجاجُها = ظمأى الحنين.. لهيفةَ النظراتِ
جاءت.. وقبل مجيئها طارت بها = أرواحها لمواطن الرحماتِ
لا فرق في الأجناس فيما بينها = لا فرق في الأوطان والعاداتِ
بالأمس كان الكلُّ يسعى همه = لو نال ما في الأرضِ من لذاتِ
واليوم قد هجروا اللذائذ كلها = وتسابقوا للبذلِ والطاعاتِ
أشقى العذاب يرونَ فيه عذوبةً = ويرون لفحَ هجيرها نفحاتِ
لكأن كل قلوبهم قلبًا غدتْ = وغدت لهاةً سائرُ اللهواتِ
الكل للرحمن هلل داعيًا = ولكم ترى التهليل بالعبراتِ
آيات ربك لا تعدُّ.. وكلُّها = تدعوك للتفكير في الآياتِ!
لبيك وحّدت اللغات كأنها = أصلٌ لما في الأرضِ من كلماتِ
لبيك أفئدةٌ تذوب بقولها = لتصوغ من لبيك حبل نجاةِ
يا فوز من لبى وعاشت روحُه = أحلى ثواني العمر في عرفاتِ


مصطفى عكرمة