أقدم ما كتب في مكة في الشعر العربي

قصيدة الجرهمي والبعض ينسبها إلى عمرو بن مضاض
وقد تكون من أقدم ما قيل في مكة :


وقـائـلـة والـدمــع ســكــبٌ مــبــادر
وقد شرقـت بالدمـع منهـا المحاجـرُ
كأن لـم يكـن بالحجـون إلـى الصفـا
أنيـسٌ ولــم يسـمـر بمـكّـة سـامـرُ
ولــــم يـتـربــع واســطــاً فـجـنـوبـه
إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضرُ
فقـلـت لـهـا والقـلـب مـنّـي كأنّـمـا
يُلجـلـجـه بـيــن الجنـاحـيـن طــائــر
بـلــى نـحــن كـنــا أهـلـهـا فـأزالـنـا
صــروف الليـالـي والـجـدود العـواثـر
وكـنـا ولاة البـيـت مــن بـعـد نـابـتٍ
بـعـزٍّ فـمـا يحـظـى لـديـنـا المـكـاثـر
ملـكـنـا فـعـزّزنـا فـأعـظــم بمـلـكـنـا
فلـيـس لـحــيٍّ غـيـرنـا ثـــمَّ فـاخــر
ألم تنكحوا من خير شخـصٍ علمتـه
فـأبـنــاؤه مــنّــا ونــحــن الأصــاهــر
فــإن تنـثـن الدنـيـا علـيـنـا بحـالـهـا
فــإنّ لـهـا حــالاً وفـيـهـا التـشـاجـر
فأخـرجـنـا مـنـهـا المـلـيـك بــقــدرةٍ
كـذلـك ياللـنـاس تـجــري الـمـقـادر
أقــول إذا نــام الـخـلـي ولـــم أنـــم
إذا العـرش لا يبعـد سهـيـل وعـامـر
وبـدلــت مـنـهـا أوجــهــاً لا أحـبـهــا
قـبـائــل مـنـهــا حـمــيــر ويـحــابــر
وصــرنــا أحـاديـثــاً وكــنــا بـغـبـطـةٍ
بـذلــك عضـتـنـا الـسـنـون الـغـوابـر
فسحّت دمـوع العيـن تبكـي لبلـدةٍ
بـهـا حــرم أمــنٌ وفيـهـا المـشـاعـر
وتبكـي لبيـتٍ ليـس يـؤذي حمامـه
يـظـلّ بـهــا أمـنــا وفـيــه العـصـافـر
وفـيــه وحـــوش لا تُـــرابُ أنـيـسـةٌ
إذا خـرجـت مـنـه فلـيـسـت تـغــادر

قال عبدالله بن الزبعرى في وقعة الفيل :


تنكـلـوا عــن بـطـن مـكــة إنـهــا
كـانـت قديـمـا لا يــرام حريمـهـا
لم تخلق الشعرى ليالي حرمت
إذ لا عـزيـز مــن الأنــام يرومـهـا
سائل أمير الجيش عنها مـا رأى
ولسوف يُنبي الجاهلين عليمها
ستـون ألفـا لـم يئـوبـوا أرضـهـم
ولم يعـش بعـد الإيـاب سقيمهـا
كانـت بهـا عـاد وجرهـم قبلـهـم
والله مـن فــوق العـبـاد يقيمـهـا

وقال أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي ‏‏‏‏:‏‏‏‏


فقـومـوا فصـلـوا ربـكـم وتمـسـحـوا
بأركـان هـذا البيـت بيـن الأخاشـب
فـعـنـدكـم مــنــه بــــلاء مــصـــدق
غداة أبى يكسـوم هـادى الكتائـب
كتيبتـه بالسـهـل تمـسـي ورجـلـه
على القاذفات في رءوس المناقب ‏‏‏‏
فلما أتاكم نصـر ذي العـرش ردهـم
جنـود المليـك بيـن سـاف وحاصـب
فولـوا سـراعـا هاربـيـن ولــم يــؤب
إلـى أهلـه ملحبـش غيـر عصـائـب

ويقول أيضاً :


إن آيـــــات ربــنـــا ثــاقــبــات
لا يـمـاري فيـهـن إلا الكـفـورُ
خـلـق اللـيـل والنـهـار فـكــل
مستبـيـن حـسـابـه مـقــدور
ثـم يجـلـو النـهـار رب رحـيـم
بـمـهـاة شعـاعـهـا مـنـشـور
حبس الفيل بالمغمس حتى
ظـــل يـحـبـو كـأنــه مـعـقـور
لازما حلقة الجران كمـا قطـر
مــن صـخـر كبـكـب مـحــدور
حوله من ملوك كنـدة أبطـال
ملاويـث فـي الحـروب صقـور
خلـفـوه ثــم اذعــرُّوا جميـعـا
كلهـم عظـم ساقـه مكسـور
كل دين يوم القيامـة عنـدالله
إلا ديـــــن الـحـنـيـفـة بـــــور

وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه عند فتح مكة :


عفـت ذات الأصـابـع فالـجـواء
إلــى عــذراء منـزلـهـا خـــلاء
ديار من بني الحسحاس قفر
تعفيـهـا الـروامـس والسـمـاء
وكـانـت لا يــزال بـهـا أنـيـس
خــلال مروجـهـا نـعـم وشــاء
فـدع هـذا ولكـن مـن لطـيـف
يؤرقـنـي إذا ذهــب الـعـشـاء
لشعـثـاء الـتـي قـــد تيـمـتـه
فلـيـس لقلـبـه منـهـا شـفـاء
كـأن خبيئـة مــن بـيـت رأس
يكـون مزاجـهـا عـسـل ومــاء
إذا مـا الأشربـات ذكـرن يومـا
فـهـن لطـيـب الــراح الـفــداء
فولـيـهـا الـمـلامـة إن ألـمـنـا
إذا مــا كــان مـغـث أو لـحــاء
ونشـربـهـا فتتـركـنـا مـلـوكــا
وأســدا مــا ينهنهـنـا الـلـقـاء
عدمنـا خيلـنـا إن لــم تـروهـا
تثـيـر النـقـع موعـدهـا كـــداء
يـنـازعـن الأعـنــة مـصـغـيـات
على أكتافهـا الأسـل الظمـاء
تــظــل جـيـادنــا مـتـمـطـرات
يلطـمـهـن بالـخـمـر الـنـسـاء
فـإمـا تعـرضـوا عـنـا اعتمـرنـا
وكان الفتح وانكشـف الغطـاء
وإلا فـاصـبـروا لــجــلاد يــــوم
يعـيـن الله فـيـه مــن يـشــاء
وجـبـريـل رســـول الله فـيـنــا
وروح القـدس ليـس لـه كفـاء
وقـال الله قـد أرسـلـت عـبـدا
يقـول الـحـق إن نـفـع الـبـلاء
شهـدت بـه فقومـوا صـدقـوه
فقـلـتـم لا نـقــوم ولا نـشــاء
وقـال الله قــد سـيـرت جـنـدا
هـم الأنصـار عرضتهـا اللـقـاء
لنـا فـي كـل يـوم مــن مـعـد
سـبــاب أو قـتــال أو هــجــاء
فنحكم بالقوافـي مـن هجانـا
ونضـرب حيـن تختلـط الـدمـاء
ألا أبـلـغ أبــا سفـيـان عـنـي
مغلغـلـة فـقـد بـــرح الـخـفـاء
بــأن سيوفـنـا تركـتـك عـبــدا
وعبـد الــدار سادتـهـا الإمــاء
هجـوت محمـدا وأجبـت عنـه
وعـنـد الله فــي ذاك الـجــزاء
أتهـجـوه ولـسـت لــه بـكـفء
فشركـمـا لخيـركـمـا الـفــداء
هـجـوت مبـاركـا بــرا حنـيـفـا
أمـيــن الله شيـمـتـه الـوفــاء
أمن يهجـو رسـول الله منكـم
ويمـدحـه ويـنـصـره ســـواء ؟
فـإن أبــي ووالــده وعـرضـي
لـعـرض محـمـد منـكـم وقــاء
لسانـي صـارم لا عيـب فـيـه
وبـحــري لا تــكــدره الــــدلاء

مما أورده مؤرخ مكة المشهور (محمد بن اسحاق الفاكهي) في كتابه (أخبار مكة، ج4،ص60) تلك الأبيات التي يرثي فيها الشاعر كثير بن كثير بن المطلب السهمي أهل الحجون :


عـيـنــيّ جــــودي بـعــبــرة أســـــراب
بــــدمــــوع كــثـــيـــرة الــتــســكـــابِ
إن أهــــل الـحـصــاب قــــد تـركـونــي
مــوزعـــا مـولــعــا بــأهـــل الــخـــرابِ
كـم بـذاك الحجـون مــن حــي صــدق
مـــــن كـــهـــول أعـــفـــة وشـــبـــابِ
سـكـنـوا الـجــزع جـــزع بـيــت أبــــي
موسى إلى النخل من صفي السبابِ
أهــــــــل دار تــتــابــعــوا لـلــمــنــايــا
ما على الدهر من بعدهـم مـن عتـابِ
فـارقــونــي وقـــــد عـلــمــت يـقـيـنــا
مـــا لـمــن ذاق مـيـتــة مــــن إيــــابِ
أحـزنـتـنـي حـمـولـهـم يـــــوم ولـــــوا
مـــــن بـــــلادي وآذنـــــوا بـالــذهــابِ
فــلــي الــويــل بـعــدهــم وعـلـيـهــم
صــــرت خــلــواً ومـلـنــي أصـحــابــي

قالت سُبَيعة بنت الأحبّ، وكانت عند عبد مناف بن كعب، لابن لها منه يقال له خالد، تعظِّم عليه حُرمة مكة، وتنهاه عن البغي فيها :

أبُنَـيَّ لا تظلِـم بمكَّـة لا الصغيـرَ ولا الكبيــرْ
واحفـظ مَحـارمَهـا بُنَـيَّ ولا يغرّنْـك الغَـرورْ
أبُنَـيَّ مـن يظلـم بمكَّـة يلـق أطْـرافَ الشُّرورْ
أبُنَـيَّ يُضْـربْ وجهـهُ ويَلـُحْ بخدّيـه السَّـعيـرْ
أبُنَـيَّ قـد جَرّبتهـا فوجدتُ ظالمهـا يبـور(1)
الله أمّـنهـا ومـَا بُنيـت بعَـرْصتهـا قُصورْ
والله أمن طيرَهــا والعُصم(2)تأمن في ثَبيرْ(3)
ولـقد غزاهـا تُبَّــع فكسـا بَنيَّتهـا الحَبير(4)
وأذلّ ربــي مُلـكَـه فيهـا فأوفـى بالنُّـذورْ
يمشـي إليهـا حافيـاً بفنـائهـا ألفـا بعيـرْ
ويظلّ يُطعم أهلَهـا لحمَ المَهارى(5) والجَـزورْ
يَسقيهمُ العسـلَ المُصفّى والرّحيض(6) من الشعيرْ
والفيل أُهلـك جيشـه يرمون فيهـا بالصخـورْ
والملْك في أقصى البلاد وفي الأعاجم والخزير(7)
فاسمع إذا حُدّثـتَ وافهـم كيف عاقبـة الأمـورْ


الهوامش:
(1) يبور: يهلك.
(2) العصم: الوعول، لأنها تعتصم بالجبال.
(3) ثبير: جبل في مكة.
(4) بنيتها: يعني الكعبة. والحبير: ضرب من ثياب اليمن موشَّى.
(5) المهارى: الإبل العراب النجيبة.
(6) الرحيض: المنتقى، والمصفى.
(7) الخزير: أمة من العجم، ويقال لها الخزر أيضاً.