مكة البلد الأمين | محمد صالح بندقجي


        

الله اختار المكان وفضّله

فهو العليم بما يريد ويفعلهُ

ما كان للمخلوق أي إرادة
لا شأن فيما نرفضه أو نقبلهُ

وإذا أراد الله أمرًا كان
هذا الأمر من ذا يسألهُ

إن اختيار الله يخفى خلفه
حكم وأسرار ومن لا نعقلهُ

اختار مكة كي يقيم بأرضها
بيتًا ليعبدهُ العباد والمتبتلة

نال المكان قداسة وطهارة
سبحانه المعطي ومن ذا نائله

أعطى لمكة ما يشرفها ويرفع
قدرها جلّ العطا ما أجزلهُ

يا سادنة بيت الهُدى ياموئلاً
للقاصدين ومن أراد المسئلة

اختار مكة يا لحظك مكة
شرف رفيع من سواك حصّله


من أول التاريخ سيرة مكة
حضرت فسيرتها قديما موغلة

أترى الملائكة الكرام هم الأولى
سكنوك حين الكون كان بأوله

وهم الأولى عبدوا الإله وعمّروا
بيت العبادة غير أنا نجهله

أم أن عمرك منذُ لقيا آدم
حواء بالأرض الفضاء الممحلة

أم أن عمرك منذ أودعك الخليل
وليده والأم معه تحمله

سيان ذا أو ذاك مكة أصبحت
علم على الدنيا ومضرب أمثلة

ويمر دهر والظلام مخيم
والناس عن درب الهداية غافلة

وأراد ربك أن يعمر مكة
فيسوق إبراهيم في أرض فضاء مجهلة

أمر الخليل بأن يسير بأهله
الزوج والابن الوليد لينزله


في هذه الأرض الفضاء فيتركه
وهو الذي سيكون من يتكفله

تلكم هي الأرض المباركة التي
ستكون بالاسم الكريم مكلله

ما كان إبراهيم يترك أهله
إلا بأمر الله وذا ما يفعله

ويقر خاطر هاجر بعد الذي
عرفته إبراهيم لا يتقوله

خافت فلا ماء يروي وليدها
وإذا بنبع الماء يظهر أسفله

ماء يسد الجوع يروي وشافيا
شيء عجيب فوق أن تتخيله

ويزور إبراهيم مكة كي يرى
الزوج والابن الذي اشتاق له

فإذا بمكة أصبحت مأهولة
والابن أضحى راشدًا ما أكمله

يقضي الخليل هنيهة في مكة
يعطي لإسماعيل ما يحتاجه ويؤهله


ويغيب إبراهيم حينًا ثم يأتِ
ليقض وقتا في جوار العائلة

ويعود في أمر له ما بعده
تبعاته تسبي الأنام وتذهله

هذا هو التاريخ يفتح صفحة
عن مكة البلد العظيم المنزلة

فعلى أديمك مكة سيقام ما
يرقى به الإنسان تسمو شمائله

بيت العدى بيت العبادة
بيت رب العالمين من ذا يعدله

ما الدر ما الياقوت والمرجان
ما كل الجواهر والنفائس مجمله

كل النفائس هذه لو قورنت
يومًا بمكة لن تساوي خردله

وأقام إبراهيم بيت الله معتمدًا
على إسماعيل ذا يرفع وذاك يناوله

حتى إذا اكتمل البناء رأيت
سكان الشعاب إلى البنا متحولة


واستشعر الناس الأولى كانوا
بقرب البيت أن له المكانة الفاضلة

عرفوا بأن البيت بيت الله
بيت للقداسة والطهارة كاملة

من مثل مكة إنها حرم ولا
موجود في هذا الوجود يماثله

ويرى الخليل من الرؤى ما أفزعه
حلمًا رآه وماعليه تجاهله

هو أن يضحي بابنه هل ياترى
إسماعيل يقبله فإني فاعله

ويرد إسماعيل افعل يا أبي
هذا مراد الله إني أقبله

لكن رحمة ربه تتداركه
ذبح عظيم يفتدى ويبادله

من يومها كان الفداء سنة
ونبينا أمضى الفدى ما عطله

ويكلف الله الخليل نادى الناس
أن حجوا فتلك فريضة متأصلة



آذن خليل الله يسمعك الملا
الآن حتى في الدهور المقبلة

وتوافد الحجاج من كل الجهات
لبيك والأصوات تبدو مجلجلة

يقضون أيامًا بمكة ثم هم
نحو المشاعر والخطى متواصلة

مرت سنون عديدة متوالية
والناس تعبد ربها لا معضلة

حتى أتى ابن اللْحيّ يسوقه
شيطانه ليضل من يلقى وثم ليخذله

يأتي بأصنام وأوثان يحرض قومه
دعواته كانت قذى ومضلله

تابعه أقوام فضلوا طريقهم
وقريش عن توحيدها متحولة

لم يكف ما صنع اللحيّ بدينها
لم تر عوى في غيها مسترسلة

وعبادة الأوثان فأقم أمرها
هذاك يعبده وهذا يبجله


سادت قريش على القبائل كلها
فالبيت والبلد الحرام أمانة هي تحمله

راجت تجارتها فتلك قوافل
تغدو تروح وبالحمولة مثقلة

لم تحمد الله قريش على الذي
منحته والأولى بها أن تفعله

وقريش في هذا الضلال يسودهم
زعماء قد غرقوا بأرض موحلة

لكن ربك قد أراد بأهلها خيرًا
وسائر من على وجه البسيطة أكمله

فاختار من بين البرية كلها
من يسعد الإنسان يبلغ مأمله

اختار أحمد الرسول المجتبى
من نال من كل المكارم أجمله

من ينشر التوحيد في كل الربوع
يصد أصحاب الضلال ويبطله

من يزرع الأمن المكين بأنفس
فيريحها تلك النفوس المجفلة


لم يمضِ وقت والجزيرة كلها
مابين معتكف وتال للكتاب يرتله

انظر لمكة والجميع يومها
بملابس الاحرام فهي مسربلة

انظر إلى الإسلام أصبح ظله
يجتاح أصقاع الدنا ويظلله

ووفود بيت الله غادية ورائحة
ترى أرتالهم متكتله

هذا هو الإسلام دين محمد
لا دين في هذا الوجود يعادله

دين السماحة والنزاهة والتقى
والناس فيما بينها متكافلة

أرسى دعائمه وأحكم غرسه
أغصانه قد أورقت وجذوره متغلغلة

أحمدك رب جعلت مني مسلما
لولاك يا الله من ذا يجعله

والله أكرمني فقدر أن أكون
من أهل مكة وابنها فالحمد له


لو ضاقت الدنيا لجأت لبيته
فيزول ما ألقى وما أنا حامله

من طاف بالبيت العتيق ساعة
سيحس برد الأمن يملأ داخله

وترانا إن خفنا نلوذ ببيته
فيعيدنا ونفوسنا متفائلة

ها أنت مكة من جديد تشرقين
فتسطع الأنوار تهدي السابلة

يارب إن حانت وفاتي مطلبي
قبرًا يواريني بمكة فاقبله

رحماك ياربي بعبدك إنه
يرجوك عند سؤاله لا تخذله

يارب بلغه مناه واجعله
عند الرسول منتهاه ومؤله

يارب واشمله بعفوك وارحمه
وأتحِ له جنات خلدك تدخله

يارب في يوم القيامة نجه
وبظل عرشك يا كريم فظلله


وصلاة ربي والسلام على الذي
منح الشفاعة عند يوم الزلزلة

بقلم الأستاذ : محمد صالح بندقجي ( احد  قدامى رواد التربية والتعليم في مكة المكرمة  معلمآ ومشرفآ ) تم النشر في 1439/7/1هـ .