آل كتبي .. ( عبدالستار الكتبي الدهلوي )

ظهرت أسرة آل كتبي على صفحات التاريخ المكي بداية من منتصف القرن الثالث عشر، في 1249هـ، استقر جدهم الأعلى الشيخ عبدالوهاب بن خدايار المباركشاهوي الكتبي البكري في مكة المكرمة، وتنتسب أسرته للخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

التقى البكري في المدينة المنورة بالشيخ عابد السندي الأنصاري المدني محدث دار الهجرة، وأخذ عنه علم الحديث، وبعد عودته إلى مكة المكرمة أقام فيها مع أخيه غلام نبي صاحب الرباطين الشهيرين في حارة الشامية والمتوفي في 1284هـ.

احترف التجارة في الكتب في باب السلام، ملتقى باعة الكتب والنساخين والمجلدين، لذلك غلب على الأسرة لقب الكتبي وهذا اللقب هو الذي عرفت به الأسرة في مكة حتى اليوم، ونتيجة لعمله في بيع الكتب سافر إلى الهند مرة أخرى لتوفر المطابع فيها وطبع المصحف الذي عرف باسمه بين المصاحف المطبوعة، وكان من أول المصاحف التي طبعت بالرسم العثماني وذلك في 1283هـ وظل على ذلك من بيع الكتب والمصاحف واستيرادها حتى وفاته في 1312هـ أو 1313هـ.

ورث عمله بعد وفاته ابنه عبدالرزاق المولود في 1281هـ، والذي عمل في تجليد الكتب وبيعها، ويبدو أنه كان يقوم بنسخ بعضها حيث تشير المصادر إلى إتقانه الخط الفارسي، وظل على ذلك حتى وفاته 1341هـ، بمكة المكرمة.

أما ابنه الآخر وهو عبدالملك بن عبدالوهاب، فقد احترف التجارة بعد أن قرأ القرآن وجوده، وتوفي في جدة بالوباء العام الذي دهمها في 1324هـ، وله ذرية معروفة في مكة المكرمة حتى اليوم منهم الدكتور عبدالإله الكتبي.

من هذه الأسرة المؤرخ وأحد أوعية التاريخ المكي عبدالستار بن عبدالوهاب الدهلوي، والحقيقة أنه لا يمكن حصر ما قدمه لتاريخنا المكي، كما أنه ليس من المبالغة أن نقول إن له الفضل في حفظ كثير من أجزاء هذا التاريخ من الفقد أو الضياع.

كان يلتقي الدهلوي خلال تدريسه بالعلماء القادمين إلى للحج، ويأخذ عنهم، بل ومن خلال لقاءاته بهم سجل العديد من التراجم عنهم، عاصر ثلاث حقب تاريخية متتالية، فقد عاصر أواخر الحكم العثماني في مكة ثم سقوط الخلافة، وشاهد آخر البيارق العثمانية مغادرة للحجاز، وما سبق ذلك من مقدمات كظهور حزب تركيا الفتاة وإعلان الدستور وغير ذلك، كما عاصر حكم الشريف الحسين لمكة ونقل لنا كثيرا من وقائعه وأحداثه، ثم شهد بدايات الحكم السعودي، ونقل كثيرا من الوقائع والتنظيمات الجديدة التي قررت في مكة المكرمة.

ومن أهم معالم حياته، رحلته إلى الإسكندرية في 1332هـ، والتي بقي فيها حتى 1337هـ، ضيفا على أمير مكة المعزول الشريف علي باشا والتقى فيها بعدد من علماء مصر كالشيخ طاهر الجزائري الإدريسي، ورفيق بك العظم السوري الفلكي، ومفتي الديار المصرية محمد بخيت المطيعي.

عبدالستار الكتبي الدهلوي:

• ولد بمكة المكرمة.
• 25 ذو القعدة 1286هـ، في حارة الشامية.
• أتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة.
• صلى التراويح بالناس إماما في دكة باب الزيادة في 1297هـ.
• درس في المدرسة الصولتية، ثم درس بها.
• أجيز بالتحديث والقراءة والتدريس في الحرم المكي.
• قام بوظيفة أمانة الفتوى لمفتي مكة المكرمة الشيخ عباس بن جعفر بن صديق.
• عمل مصححا في المطبعة الميرية بمكة المكرمة.
• يعقد حلقته الدراسية عند باب المحكمة الشرعية.
• التزم بتدريس صحيح البخاري بعد صلاة العصر يوميا.
• درس التفسير ومصطلح الحديث لبعض الخواص من طلابه في خلوته برباط الداودية.

اهتم المؤرخ عبدالستار الكتبي الدهلوي بالتاريخ المكي اهتماما بالغا، سواء بمؤلفاته التي تركها في هذا المجال، أو بنسخه مؤلفات السابقين له من المؤرخين المكيين أو بتذييله وتعليقه على كتابات من سبقه منهم.
ومن الكتب التي نسخها وما زالت محفوظة بخطه في مكتبة الحرم المكي، كتاب تنزيل الرحمات على من مات لأحمد القطان المكي ومنائح الكرم للسنجاري، والجامع اللطيف لابن ظهيرة، والعقد الثمين، وشفاء الغرام للفاسي، وخبايا الزوايا للعجيمي، وهامش الإتمام لحسن بن عبدالقادر الشيبي، وإتحاف فضلاء الزمن للطبري، وغيرها من الكتب المكية.






كما ترك عددا من المؤلفات في التاريخ المكي والتاريخ العام، وبعض التراجم، والتي يمكن اعتبارها من أهم المصادر في تاريخ مكة المكرمة، بل نستطيع القول إنه لا يمكن لأي باحث في التاريخ المكي خصوصا في العصر العثماني الثاني، عدم الرجوع إلى مؤلفات الشيخ عبدالستار الدهلوي، ومن ذلك «فيض الملك المتعال، ومائدة الفضل والكرم، ونثر المآثر، ونزهة الأنظار، والأزهار الطيبة ».

وقد دأب الدهلوي على جمع الكتب واقتنائها، بالنسخ كما سبق القول أو بالشراء، لذلك تكونت لديه مكتبة ضخمة جدا، وضع لها فهارسا وأودعها في خلوة من رباط عمه غلام نبي في حارة الشامية، وظلت محفوظة فيها بعد أن أوقفها عام 1313هـ، وجعل نظارتها بعد وفاته لابنه عبدالغني، ثم رجع عن ذلك وجعل نظارتها لتلميذه المؤرخ عبدالله الغازي صاحب كتاب إفادة الأنام، كما نصت وصيته على أن تكون نظارة مكتبته التي سماها الفيضية المباركشاهية، بعد وفاة الغازي تحت يد الشيخ عبدالوهاب الدهلوي، وقد نقلت مكتبة الشيخ عبدالستاربرعاية تلميذه سليمان الصنيع مدير مكتبة الحرم المكي، وما زالت مجموعة الشيخ عبدالستار من أهم المجموعات الوقفية التي تضمها مكتبة الحرم المكي.

وبعد حياة حافلة بالعلم والعطاء، وسط الكتب والمكتبات انتقل الشيخ عبدالستار الدهلوي إلى رحمة الله تعالى بمكة المكرمة عام 1355هـ، ودفن بالمعلاة، وما زالت ذريته معروفة حتى اليوم في مكة المكرمة.


بقلم الباحث المكي : حسام عبدالعزيز مكاوي
نُشر في جريدة مكة بتاريخ :
الخميس 6 محرم 1436 - 30 أكتوبر2014