المدرسة الشرابية بمكة المكرمة سنة 641 هـ

المدرسة الشرابية بمكة المكرمة

سنة 641هـ

لم يذكر التقي الفاسي المكي المتوفى سنة 832 هـ في كتابه شفاء الغرام شيئا عن المدرسة الشرابية مع انه ذكر حول المسجد الحرام إحدى عشرة مدرسة موقوفة كان بعضها معاصرا للمدرسة الشرابية بينما ذكرها قطب الدين الحنفي المتوفى بعده بأكثر من قرن ونصف القرن في كتابه الإعلام بأعلام بيت الله الحرام , وذكر أنها كانت باقية إلى عهده فقال : إن الأمير شرف الدين الشرابي المستنصري العباسي بنى بمكة مدرسة على يمين الداخل إلى المسجد الحرام من باب السلام ووقف فيها كتبا كثيرة في سنة إحدى وأربعين وستمائة.

ويظهر أن هذه الكتب كما يقول قطب الدين : قد ذهبت شذر مذر ، والمدرسة باقية إلى الآن أي إلى أواخر القرن العاشر الهجري حيث كانت وفاته في حدود سنة 988هـ . قال : وقد صارت رباطا وفيه محل للتدريس، وبه كتب وقفها أهل الخير ممن أدركناه رحمه الله تعالى. وقد وصفها عمر بن فهد في كتابه .(اتحاف الورى) بأنها كانت كتباً نفيسة في فنون العلم.

وجاء في الحوادث الجامعة: أن شرف الدين الشرابي جدد بمكة الرباط الذي اشتهر ذكره في الدنيا ، وعين عرفة التي في الموقف . وأجرى ماءها لانتفاع الحاج به . واوقف على ذلك الوقوف السنية . وكان كثير الصدقات والمواصلات .

وقد ذكر ابن بطوطة هذا الرباط عندما ذكر دار رميثة وهو أسد الدين ابن أبي نُمي بن قتادة الحسني فقال : إنها دار رميثة برباط الشرابي عند باب بني شيبة. وتضرب الطبول على بابه عند صلاة المغرب كل يوم . وذكر ابن بطوطة أيضا داراً للشرابي بين الدور الواقعة حول الحرم والتي تفضي الى المسجد • ويظهر انه قصد بها رباط الشرابي الذي تكلمنا عليه آنفاً.

وفي سنة 817هـ  أمر أمير الحج المصري - على أثر قتال جرى بين بعض أتباعه وبين الأتراك الحجاج - بإغلاق أبواب المسجد وتسميرها إلا الأبواب التي تحاذي منزله عند المدرسة المجاهدية بين باب السلام وباب الدريبة ليدخل منها هو وأتباعه الىالمسجد ثم ادخلت خيله إلى المسجد الحرام وجعلت بالرواق الشرقي قريبا من رباط الشرابي فباتت الخيل في المسجد تلوثه بروثها وبولها .

ومما يؤسف له أشد الأسف أنا لم نعثر على أحد من المدرسين أو المعيدين أو الخزان أو الفقهاء بالمدرسة الشرابية التي بمكة على الرغم من أنها ظلت موجودة نحو ثلاثة قرون ونصف القرن منذ تأسيسها سنة 641هـ حتى زمن قطب الدين الحنفي المتوفى في حدود سنة 988 هـ.

وقد حاولت أن اتبع أخبارها خلال العصور في المظان المختلفة غير أنني لم أعثر على شيء من ذلك في المراجع التي بين أيدينا وبخاصة بعد وفاة قطب الدين الحنفي. وقد اتصلت بصديقنا سفير المملكة العربية السعودية ببغداد ورجوته أن يتصل بالمسئولين والعلماء في الحجاز لمعرفة ما عندهم من معلومات عن هذه المدرسة الشرابية فكتب إلى وزارة التربية وكتبت أنا أيضاً إلى بعض المسئولين فلم اظفر منهم بمعلومات صحيحة عنها .

وفي 1-4-1965م - شددت الرحال إلى حج بيت الله الحرام وبعد أن زرت المدينة المنورة واعتمرت بمكة المكرمة صرت أتحرى الأماكن الواقعة على يمين باب السلام الذي شيدت المدرسة على يمينه و كان ذلك قبل الحج وبعده فرأيت بقايا من مبان قديمة شيدت بالآجر مع عدد من الحجرات الصغيرة أشبه بالخلاوي.



ويظهر أنها من حجرات المدرسة الشرابية التي آلت إلى رباط كما أسلفنا وهي كالحجرات الصغيرة التي بالمدرسة الشرابية ببغداد من حيث الحجم والسعة ومادة البناء كما لاحظت وجود بقايا من المقرنصات الآجرية التي تشبه بالضبط المقرنصات الآجرية الموجودة في شرابية بغداد مما يدل على أن التصميم ربما جرى على أيدي مهندسين أو معماريين من العراق
.


وهذه المقرنصات هي جزء صغير من زخارف هدمت عندما هدمت أغلب المباني التي تشغل مكان المدرسة المذكورة وذلك بغية توسيع الحرم المكي ومن حسن الحظ أني استطعت أن أصور باب السلام المجدد في زمن العثمانيين وبقايا المدرسة الشرابية أو الرباط الذي حولت إليه وهو الذي بناه وكيله الشهاب ريحان وكان يشتمل على محل لتدريس وظل قائما في العهد العثماني كما ذكر ذلك قطب الدين في آخر القرن العاشر الهجري ، كما صورت بقايا المقرنصات والحجرات الصغيرة والمنارة التي إلى جنب المدرسة بمقرنصاتها البديعة التي تظهر في أسفل حوضها على غرار المآذن العراقية .



وقد ظهر في التصاوير العديدة التي أخذتها لهذه الأماكن بعض بقايا البناء القديم بجوار البناء الجديد الشامخ الذي تقوم به المملكة العربية السعودية اليوم في تجديد عمارة المسجد الحرام حول الكعبة الشريفة ، وتوسيعه من جهاته الأربع
.






وعلى الرغم من التحريات في المراجع المختلفة التي أرّخت لأم القرى وما حولها وللمسجد الحرام فإننا لم نعثر على أخبار أخرى عن المدرسة الشرابية ولا عن أوقافها التي ذكر قطب الدين الحنفي أنها كانت كثيرة بوادي نخلة ومر ... والتي ذكر عمر بن فهد في (إتحاف الورى) أن هذه الأوقاف بأعمال مكة كانت تعرف بالشرابيات
.


 

المصدر: كتاب (المدارس الشرابية: ببغداد وواسط ومكة) , للدكتور: ناجي معروف , سنة 1965م/1385هـ | الموضوع مشاركة من : بدر بدرة | معالجة الصور : حسن مكاوي | تم النشر في 1439/5/11هـ .