المرأة ودورها الفعّال في البناء المعرفي قديمًا وحديثًا ..
في تاريخنا الإسلامي أمثلة وشواهد حيّة للدور الذي شاركت فيه المرأة مع الرجل جنبًا إلى جنب في ميادين مختلفة وأريد التركيز هنا من باب التخصص على شواهد عند دور المرأة العلمي، حيث يتحدث فهرست الشيوخ والأسانيد للسيد علوي بن عبّاس المالكي أن الشيخة أمة الله الدهلوية كانت تسمى «مسندة المدينة المنوّرة» 1251 –1357هـ، وقد ذهب إليها لاستجادتها في علم الحديث محدّث الحرمين الشريفين الشيخ عمر بن حمدان المحرسي، وكان بصحبة الشيخ عمر حمدان عند زيارتها عدد من العلماء، كما روى عنها شيخنا الفقيه المالكي حسن المشّاط، وكذلك الشيخ إبراهيم الختني المدني والشيخ أحمد بن صديق الغماري، عالم الحديث المعروف، والشيخ محمد ياسين الفاداني، وغيرهم.
ولا ننسى الدور الذي لعبته المرأة في إقامة المؤسسات العلمية مثلما قامت به صولة النساء حيث اشترت أرضًا في حارة الباب بمكة المكرمة وأوقفتها لبناء المدرسة التي عرفت في ما بعد باسم المدرسة الصولتية.
وأثناء حصار المدينة في حقبة الحاكم العسكري التركي فخري باشا علمت حفيدة شيخ الإسلام أحمد بن عارف حكمت أن فخري باشا يطلب إذنها لنقل المكتبة التي أوقفها جدها على المدينة المنورة ولأنها كانت من أهل العلم رفضت ذلك، رغم أن فخري باشا لم يأخذ بنصيحتها، وقد عادت المكتبة من بعد الحرب إلى المدينة المنورة
وما زالت تشكّل مصدرًا ثريًا للمعرفة.
ونجد كذلك أن ما كان يعرف بالكتاتيب في المدينتين المقدستين وسواهما أنها تحمل أسماء سيدات أوقفن حياتهن على العلم والمعرفة، وتبرز أمامنا أسماء الكتاتيب الدالة على أن من يقوم بها هو المرأة مثل كُتّاب الأستاذة فخرية وكتّاب السيدة هانم وكتّاب الأستاذة زينب مغربل وغيرها من الكتاتيب التي كانت شائعة بالمدينة المنورة وغيرها من مدن بلادنا العزيزة، مع الإشارة إلى أن هذه الكتاتيب المنشأة من قبل هؤلاء الفضليات لم يقتصر تلقى العلم فيها على الطالبات من جنسهن، بل شمل ذلك الطلاب من الصبيان والرجال أيضًا.
كما كان للمرأة دور بارز عند حصار المدينة في سنة 1334هـ؛ حيث حدثني بعض المعمّرين أنه رأى فتيات يحملن أكياسًا مملوءة بالتراب عندما هدم فخري باشا أسواق المدينة بغرض وصول الأسلحة وتخزينها في الحرم الشريف، والمرأة هنا خرجت مع حشمتها ووقارها باحثة عن لقمة العيش، والكسب الحلال. وقد أدركت شخصيًا امرأة تسمى « وحيدة » كانت تملك مخبزًا في حي الشونة وكانت تقوم بنفسها مع بناتها وأبنائها في تطييب العيش، ولا يستطيع أحد أن يخرج عن النظام الذي وضعته تلك السيدة في حالتي البيع والشراء.
وكانت تكثر في المدينة المنورة ما يعرف بـ»الأحواش»، وكان لكل «حوش» شيخة تصلح أموره، وتقرب الخلاف بين سكان الحوش.
وفي مكة المكرمة كانت المرأة تقوم في أيام «الخُلّيف» بعمل الرجال، وهو حراسة الحارة من أي دخيل أو عابث، ولا يستطيع أحد من الرجال مزاحمتهن أو الاقتراب منهن، مما يدل على مكانة المرأة في هذه المجتمعات، ولن نعدم أمثلة وشواهد حضارية على تبوُّؤ المرأة المكانة العلمية والاجتماعية اللائقة بها في ظل الآداب والأخلاق النابعة من شرع الله، فكل ذلك كان يحدث في مجتمعنا دون أن يكون في ذلك أي مؤشر لاستنكار، أو باعث على الاعتراض، بل كان ذلك سلوكًا منسجمًا مع روح ذلك الزمن الوضيء، الذي تكاملت فيه أدوار النساء والرجال، في ما فيه خير وصالح المجتمع، محروسين بالفضيلة، وضوابط الشريعة القويمة.
أقول ذلك على خلفية السماح للمرأة بحضور مباريات كرة القدم من داخل ملاعبها، وهو أمل - مثل قيادة السيارة - كان يراود ويداعب خيال المرأة حتى قيض الله لها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لتحقيق هذه الرغبات، وفقهما الله وسدد خطاهما لما فيه خيرالبلاد والعباد.
عاصم حمدان _ جريدة المدينة
نُشر بتاريخ : الثلاثاء 16 / 01 / 2018
0 تعليقات