في ذكرى رحيل أبو العلا ...

أهل الشهر الرابع من عامنا الهجري الجديد، فوقفت متذكرا وداع شاعر مكة وأديبها أستاذنا الراحل علي حسن أبوالعلا ـ يرحمه الله ـ الذي ودعنا في مثل هذا الشهر من عام 1428 تاركا أبناء بررة وذكرى حسنة.

تذكرت يوم رحيله، فتذكرت معه فصاحة اللسان في الشعر والرأي الثاقب في الفكر، والعمل الجاد، فقد كان أستاذا في تعامله، معلما لأبناء جيله، ترك في النفوس آثارا كبيرة، أحبه من تعاملوا معه داخل أروقة إمارة منطقة مكة المكرمة حينما كان وكيلا مساعدا، وعشقه من لمسوا بأناملهم صفحات دواوينه وأبحروا بين أبياتها، واقتدى به من عملوا معه في الطوافة، المهنة التي افتخر بأنه أحد أبنائها.

وعلي أبوالعلا المولود بمكة المكرمة وإن عاش حياته يتيما إلا أن إصراره على مصارعة الصعوبات التي واجهته مكنه من التغلب عليها حتى بعد تركه لصفوف الدراسة والتوجه للعمل، فتقلد عدة وظائف حكومية، وتولى مسؤوليات قيادية بعدة مؤسسات وجمعيات أهلية وخيرية.

وكان _ يرحمه الله _ خير من يدافع عن الطوافة والمطوفين، وكان حريصا على محو الصورة السيئة عنهم، يقول عنهم:

هم أهل مكة إن فتشت كلهم
مطوف همه حج وأركان
قالوا المطوف: لت الكد صنعته
وكل ما قيل عنه فهو بهتان

واليوم وأنا أتذكر أبوالعلا في يوم رحيله، أتذكر صدق القول وقوة الإرادة، وحلاوة الشعر واحترام الآخر، أتذكر من عاش لخدمة الجميع، فسكن أفئدة الجميع، أتذكر من كانت إنسانيته سباقة له في كل عمل.

ولا أذكر يوما زرته في استراحته بالرصيفة إلا ووجدت في مكتبه شاكيا يبث ألمه، أو أرملة عفيفة تطلب بحياء ما يسد رمق أبنائها.
وإن كنت واحدا ممن تتلمذوا على يد أستاذنا الراحل علي أبوالعلا ـ يرحمه الله ـ، فهناك من سكن علي أبوالعلا أفئدتهم وهم ليسوا من أبنائه أو أحفاده أو حتى أقاربه، ولأنه إنسان عاش لخدمة الجميع، فقد سكن أفئدة الجميع.


وحينما تولى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية في بداية تأسيسها، وضع أمام ناظريه أهدافا سعى لتحقيقها، لم يمكنه الطامعون من ذوي المكاسب الخاصة من تحقيقها، ولم يمهلوه فقرر تقديم استقالته تاركا لهم المجال.
وأذكر يومها أنه قال لي: من الصعب أن ترضي الجميع، وحتى لا أخسر أحدا قررت الابتعاد بهدوء.
هكذا تعامل أبوالعلا ـ يرحمه الله ـ حتى مع خصومه، فلم يثأر منهم، أو يسعى للإساءة لهم. وكلما تذكرت شاعرمكة وأديبها علي أبوالعلا ـ يرحمه الله ـ أردد قول دعبل الخزاعي:
يموت رديء الشعر قبل أوانه .. وجيده يبقى وإن مات قائله



مقال لــ : أحمد صالح حلبي
نشر في صحيفة مكة بتاريخ :
الاثنين 21 ربيع الثاني 1439 - 08 يناير2018