صناعة الأمهار في التاريخ العربي

عرف الختم على المكاتبات والرسائل قبل الإسلام، واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة ونقش عليه اسمه الشريف، ففي الحديث الصحيح «إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَلا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ » ونهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن أن ينقش أحد مثل نقش خاتمه عليه الصلاة والسلام حتى يكون مميزا له، وكان يختم به على كتبه ومراسلاته إلى الملوك.

وضمن رسوم الحضارة الإسلامية وتقاليدها المقتبسة من السنة النبوية الشريفة، كان الختم أو الخاتم إحدى شارات السلطنة والملك، واتخذه الخلفاء والملوك والسلاطين من المسلمين، وكان لبعض الخلفاء أكثر من خاتم، ولها أسماء تدل على استخداماتها كخاتم الملك، وخاتم الدولة وغيرها.


وعبر التاريخ نجد أن لكل سلطان من سلاطين المسلمين موظفا من ذوي المكانة العالية في ديوان الحكم، يختص بحفظ خاتم الدولة، وكان طلب السلطان للخاتم من ذلك الموظف كناية عن العزل، وعند السلاطين العثمانيين كان الختم يحفظ لدى الصدر الأعظم، أي رئيس الوزراء وفي المغرب العربي كان الختم يسمى الطابع، وحامله يسمى وزير الطابع.

إلا أن بعض الخلفاء يكتفي أحيانا بالتوقيع، وكان للتوقيع معنى اصطلاحي يختلف بعض الشيء عن المعروف الآن كعلامة مميزة، بل عبارة عن جملة موجزة، يكتب بها المختص من الخلفاء ومن دونهم رأيه فيما عرض عليه، وأحيانا يقتبس من آية قرانية أو من الشعر، أو من العبارات الدارجة.

وعرفت الأختام في مكة منذ فجر الإسلام، وسميت في العهد العثماني بـ(الأمهار) ومفردها مُهُر أي الختم بالفارسية، وصانعها (المُهرجي)، وظلت مستخدمة من جميع الطبقات، ويتخصص في صياغتها والكتابة عليها بعض المحترفين في النقش والخط، وتصنع من النحاس أوالفضة ويتخذها بعض النساء من الذهب، ويعلقها حاملها في ملابسه من الداخل بخيط سميك بعض الشيء يعرف (بالقيطان). أما في البيوت
والمحلات، فتحفظ في صناديق صغيرة تسمى (الشكمجيات) ويفرق البعض بين الختم والمهر من حيث الحجم، فالختم يكون أكبر حجما، ويتجاوز 5-7 سم، أما حجم المهر فلا يتجاوز حجم بصمة الإبهام، حتى يسهل حمله، كما أن الختم ينقش عليه الاسم إضافة إلى بعض العبارات في الرجاء أو الدعاء، أما المُهر فلا ينقش عليه إلا اسم صاحبه.

إضافة إلى ذلك كان بعض المتعلمين يكتفي بكتابة الاسم دون وضع الختم، خصوصا في المكاتبات غير الرسمية، أو في الفتاوى التي يدونها العلماء، ويعد اسم الشخص بخطه بمثابة التوقيع المعروف حاليا، وبعضهم يجمع بين الخط والمهر في الكتابة.
ومن أدب العلماء في التوقيع بخطهم، اختيار صيغة سجعية تتكرر مع كل توقيع، تتضمن الدعاء والرجاء وكمثال على ذلك نجد:

• توقيع الشيخ جمال شيخ عمر مفتي مكة (ت1284هـ): راجي لطف ربه الخفي جمال بن عبدالله شيخ عمر الحنفي.
• توقيع الشيخ عباس بن صديق (ت1320هـ): راجي من ربه التوفيق عبده عباس بن صديق.
• توقيع الشيخ عبدالله سراج (ت1265هـ): خادم الشريعة والمنهاج عبدالله سراج.
• توقيع الشيخ أحمد أمين بيت المال (ت1323هـ ): أحمد بيت المال كان الله له في المبدأ والمآل.


أما القضاة فكانوا يضعون في رأس الوثائق التي يصدرونها توقيعهم بما يشبه (الطغراء) التي يختص بها السلاطين العثمانيون، إلا أنها أقل تعقيدا، وتشتمل في الغالب على صيغة دعاء، تأتي بعد الاسم.



بقلم الباحث المكي : حسام عبدالعزيز مكاوي
نُشر في صحيفة مكة بتاريخ :
الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1437 - 05 أبريل 2016