كانت ولازالت مكة المكرمة واجهة حضارية وثقافية للعالم الإسلامي على مر العصور , فمنذُ العصور الإسلامية الزاهية حظيت مكة المكرمة بالكثير من الرعاية الثقافية والعلمية التي أثمرت عن ريادة اجتماعية وثقافية وأدبية لأبنائها وزوّارها وساكني أرضها المقدسة .
فهي أرض العلم الحاوية لجميع علوم الدين والدنيا , وقبلة الثقافة المنشودة بتنوّع أعراق الهاوية أفئدتهم , وأم القرى التي لا ينفك من حباهم الله بمعرفة قدسيتها عن البحث والكتابة والتأريخ لأرضها وأحداثها ومعالِمها.

ومن تلك المعالم الحضارية لمكة المكرمة , مكتبة ( الحرم المكي ) التي تُعد واحدة من أهم وأعرق المكتبات في العالم الإسلامي عزّز تلك الأهمية المكان المقدس وزادها الزمان شأنًا بتزويدها الدائم المستمر بالكنوز الورقية والمخطوطات والمراجع لأهم المؤلفات وأثمنِها التي باتت بها المكتبة كمستودع ثمين للعلم الشرعي والتاريخي لمن يريد أن ينهل منه .



تاريخ إنشائها وتسميتها :

يعود تاريخ إنشائها وفق ما أوردته المصادر التاريخية إلى القرن الثاني الهجري في عهد الخليفة العباسي محمد المهدي حوالي عام (161هـ ) , في صحن المسجد الحرام بالقرب من الكعبة المشرفة.

وتمثلت محتوياتها في بعض المصاحف وبعض الكتب المتعلقة بتفسير القران الكريم والتي كان الحجاج يجلبونها للحرم الشريف تقربا الى الله تعالى .

وكان الهدف من المكتبة حفظ تلك المصاحف والكتب العلمية التي تخص المسجد الحرام، وفي عام 1262، أمر السلطان العثماني
عبدالمجيد الأول بإصلاح القبة التي تحوي المكتبة وأطلق عليها المكتبة المجيدية.

ومنذ بداية العهد السعودي الزاهر اهتم الملك عبدالعزيز _طيب الله ثراه _ بهذه المكتبة وكون لجنة من العلماء لدراسة أحوالها وأطلق عليها عام 1357هـ  ( مكتبة الحرم المكي الشريف ) وأهدى إليها مجموعة من الكتب وقد حظيت برعاية وعناية الدولة منذ ذلك الوقت استمر تزويدها بما يستجد من الكتب والمراجع والأجهزة الحديثة التي تيسر على زوارها استخدام أوعيتها المتنوعة.





أماكن المكتبة عبر التاريخ :

وظلت المكتبة في موضعها بصحن الحرم المكي مدة 40 سنة، قبل أن تنتقل إلى باب الدربية، أحد أبواب المسجد الحرام
في بناية تعرف بدار الحديث.

وعند الشروع في التوسعة السعودية الأولى للحرم المكي تم نقل المكتبة الى خارج الحرم في مكان خاص بها يقع جهة باب السلام ويعتبر أول نقل للمكتبة من داخل الحرم عام 1375هـ

وفي عام 1382هـ نقلت المكتبة الى عمائر الأشراف القديمة في المبنى المقابل لمستشفى أجياد العام .

وفي عام 1383هـ نقلت الى عمائر مستودع الحرم المطل على الحرم من جهة المسعى جوار دار الأرقم بن الأرقم .

وفي عام 1390هـ  نقلت الى التيسير في مبنى مستأجر ( عمائر بن سليمان )

وفي عام 1406هـ نقلت المكتبة الى مبناها المجاور للحرم المكي الشريف أمام باب الملك عبدالعزيز الذي تم بناؤه لها وافتتحه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز نيابة عن خادم الحرمين الشريفين .



وفي عام 1411هـ أزيل هذا المبنى لصالح توسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد الحرام وانتقلت المكتبة الى مبنى مستأجر بشارع منصور .

وأخيرًا تم نقلها لمبنى خاص بها في حي العزيزية بجوار مشفى علوي تونسي .




محتويات المكتبة وأقسامها :

تضم مكتبة الحرم المكي اثنا عشر قسماً تقدم خدماتها للمطالعين وطلبة العلم ومن أهم تلك الأقسام :

قسم المخطوطات :

يحتوي على (4909) مخطوطاً أصلياً و(372) مخطوطاً غير عربي، و(2520) مخطوطاً مصورا ورقيا وأكثر من (20000) مخطوط مصور الكترونيا، وكذلك مجموعة من الرسائل العلمية وفهارس ومخطوطات للمكتبات العربية والعالمية.




قسم الدوريات :

تحتوي المكتبة على ( قسم الدوريات بالصحف والمجلات المحلية والعربية الحديثة والقديمة ) ويبلغ تعداد عناوينها إلى قرابة (1000) عنوان.

قسم التعقيم :

يرتبط هذا القسم بقسم الدوريات , ويُعنى بترميم المخطوطات والكتب القديمة.



قسم التجليد :

الذي يتولي تجليد كتب المكتبة والمحافظة عليها من التلف .

قسم المكتبة الصوتية :

فيقوم بجمع الدروس والخطب من المسجد الحرام ومن ثم تسجيل ما يحتاجه الزوار والمطالعون في الدروس والخطب التي تلقى
في المسجد الحرام ويبلغ عدد الأشرطة أكثر من (100000) شريط وقد تم تحويل قسم كبير منها إلى أقراص وهى من الأقسام التي يزداد عليها الإقبال من قبل المطالعين والزوار وقد تـم إحداث تطور كبير بالقسم وذلك من خلال أنظمة صوتية حديثة وأجهزة عالية الدقة .

قسم التصوير الميكروفيلمي :

وأنشأت المكتبة قسم التصوير الميكروفيلمي لتمكين الزوار والمطالعين من مشاهدة الأفلام الخاصة بالمخطوطات والصحف القديمة على أجهزة القراءة ويضم القسم أكثر من (5671) فلماً .

قسم الخدمة المكتبية :

الذي يضم أكثر من (100000) عنوان في جميع المجالات.



قسم جناح الحرمين الشريفين :

حيث يعرض في هذا الجناح كل ما له علاقة بالحرمين الشريفين من صور قديمة وحديثة أو خرائط أو كتب أو مخطوطات للمطالعين والزوار.

قسم التزويد :

ويتولى هذا القسم مسؤولية ومهام بناء وتنمية المجموعات وفقًا للسياسة التي وضعتها الإدارة بالتنسيق مع المسؤولين بالرئاسة العامة لشؤون الحرمين .

قسم الإهداء والتبادل :

ويهدف إلى إثراء مقتنيات المكتبة من خلال التبادل وتمكين رواد المكتبة من الاستفادة من النسخ المكررة التي أعدت للتبادل ويتم التبادل مع الأشخاص أو المؤسسات العلمية .

وقسم الفهرسة والتصنيف :

الذي يناط به القيام بعمليات التحليل والوصف الببليوجرافي للكتب على شكل بطاقات ووضعها في الأدراج بعد ترتيبها أبجديًا ، وقد تم إدخال
جميع البطاقات على الحاسب الآلي .

قسم النساء:

الذي يقوم بخدمة المطالعات الزائرات على فترتين صباحية ومسائية وقسم خاص بالأطفال داخل قسم النساء , يوجد به بعض
الألعاب التعليمية التي تنمّي قدراتهم وتطورها .





المخطوطات النادرة ونفائس المكتبة :

تمتلك المكتبة العديد من نفائس المخطوطات والكتب التي قل أن تجد نسخا أخرى لها , ويبلغ عدد مخطوطات المكتبة الأصلية العربية 4749 مخطوطًا أما غير العربية فيبلغ عددها 358 مخطوطًا

مخطوط الغيلانيات للبزار :
تحتوي المكتبة على مخطوط محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزار وهو أقدم مخطوط في المكتبة ويعود تاريخ نسخه إلى
أوائل القرن الخامس الهجري وهو أحد عشر جزءا في مجلد واحد.

خبايا الزوايا فيما في الرجال من بقايا :
لشهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي المصري
المتوفى سنة (1069هـ)

الفروسية والمناصب الحربية:
لنجم الدين حسين بن الرماح المتوفى عام (780هـ).

مسند الموطأ:
للغافقي المتوفى عام (381هـ) ويعود تاريخ نسخه إلى عام (693هـ).

مجمع البحرين في زوائد المعجمين:
 لابن حجر الهيتمي المتوفى عام (807هـ).

كما تقتني المكتبة مجموعة من المطبوعات الحجرية النادرة أهمها:
- ديوان ابن النبيه عام (1280هـ)
- كتاب قصيدة كاظم الرشتي طبع عام (1269هـ)
- تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس لمحمد الديار بكري طبع عام (1283هـ)
- الباكورة العربية في شرح متن الآجرومية لمحمد بن إسماعيل الأنصاري طبع عام (1288هـ)
- الأنيس المفيد للطالب المستفيد طبع عام (1296هـ)

ومن الدوريات السعودية النادرة :
- بريد الحجاز من السنة الأولى، العدد الأول عام (1343هـ)
- الإذاعة من السنة الأولى العدد الأول عام (1375هـ)

أما الصحف العربية فأهمها:
- المقتطف من السنة الأولى عام (1870م)
- الضياء من السنة الأولى عام (1898م)
- المنار من السنة الأولى عام (1315هـ)
- المقتبس من السنة الأولى عام (1324هـ)
- نوادر الإسلام من السنة الأولى عام (1349هـ)

أشهر المكتبات الخاصة الموقوفة لصالح مكتبة الحرم المكي :
- مكتبة الشيخ عبد الستار الدهلوي التي تحتوي على 1850 كتابا ما بين مطبوع ومخطوط .
- مكتبة الشيخ علي الكيلاني وفيها 938 كتابا .
- مكتبة الشيخ عبد الوهاب الدهلوي وفيها 5094 كتابا ما بين مخطوط ومطبوع .
- مكتبة الشيخ عبد الرحمن المعلمي .
- مكتبة السيد الحسن الأدريسي أمير تهامة .
- مكتبة الشيخ عبد المهيمن أبو السمح .
- جزء من مكتبة الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود.
- مكتبة الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ .
- مكتبة الشيخ علي الهندي .
 وغيرها من المكتبات الخاصة التي تصل إلى 43 مكتبة.


وقد تعاقب على إدارة المكتبة العديد من الوجهاء والأعيان ومثقفي مكة المكرمة وغيرها، ومن هؤلاء محمود كتبخانة، ومصطفى كتبخانة
وعباس صدقي، ومحمد بن سياد الفرائضي، وعبد الله فدا، وأحمد بن عبد الله دحلان، ومحمد نور مرشد، وسليمان الصنيع
ومحمد صالح يماني وغيرهم.

وعملت المكتبة على تحويل الكتب النادرة إلى نظام رقمي في ظل اتساع التقنيات ووسائل تخزين المعلومات الرقمية لتستوعب 160 ألف كتاب و 5314 مخطوطة أصلية و 2500 نسخة مصورة و 40 ألف دورية.



وقد زادت محتويات المكتبة من المحفوظات بسبب برامج التبادل العلمي مع المؤسسات الثقافية العربية والإسلامية .

وبالمكتبة الحالية جناح يهتم بذوي الاحتياجات الخاصة حيث يحوي كتبا ونشرات مطبوعة بطريقة برايل وعشرات الآلاف من المواد المسموعة.



ومع بداية موسم الحج ، توزع المكتبة عشرات الآلاف من المصاحف على زوار مكة في إطار حملة للترحيب بالحجاج.



جدير بالذكر أن المكتبة تلّقت مؤخرًا إهداءات ثمينة وقيّمة من قِبل الباحث والمعلم بإدارة تعليم جدة عبدالحكيم أحمد حسين عبارة عن مخطوطات تشمل:

- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ، تأليف محمد بن أحمد الرملي الشافعي الأنصاري.
- المرشح على الكافية، تأليف الخبصمي.
- مرشد المعين ، تأليف محمد بن عبدالعزيز بن أبي بكر بن أحمد بن يعقوب الجزولي.
- القسم الثاني من شرح على “مختصر خليل”.
- طيبة النشر في القراءات العشر الجزء الأول.
- شرح المنهاج في الفقه، تأليف عبدالرحيم بن حسن كمال الدين أبو محمد الأسنوي الفقيه الشافعي.
- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، تأليف محمد بن أحمد الرملي الشافعي الأنصاري.
- الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، تأليف محمد الشربيني الخطيب.
- مصابيح السنة للبغوي



ووفقًا لمدير مكتبة الحرم المكي الحالي الدكتور وليد صالح باصمد فإن المكتبة تفتح أبوابها لجميع الزوار من الداخل والخارج دون استثناء وهدفها توفير المعارف المحفوظة لديها بكل الوسائل .




المراجع :
- موقع الرئاسة العامة لشؤون الحرمين .
- صحيفة الإقتصادية
- جريدة المدينة

إعداد وتنسيق | عضو إدارة محتوى قبلة الدنيا :
ضحى الحرازي