ذلك شارع وُلدت فيه ..

 

طفت بالذاكرة في عبق المكان وجلال الزمان، فجال بخاطري ذلك الشارع الذي وُلدت فيه، واستدعيت أروقته من واقع الأحياء القديمة بمكة المكرمة حي المسفلة، الذي يقع جنوب المسجد الحرام به شارع سيد الشهداء، حمزة بن عبدالمطلب ( شارع السبع الأبيار ) سابقا ، ذلك الشارع الذي يفوح منه عبق التاريخ، فهو من أشهر الشوارع التي تباع فيها المأكولات الشعبية، لذلك كان مصدر رزق لأبنائه من بيع هذه المأكولات والتي قلما تجدها في غيره من الشوارع.

كان طوله لا يزيد عن 800 متر وعلى جانبيه أبنية متجاورة لا يزيد ارتفاعها عن 30 مترا يبدأ من زقاق البرسيم شمالا إلى بستان البخارية جنوبا لقد أكرمنا الله بنعمة جوار بيته المعظم أن كنا من سكانه، فكان الوالد (رحمه الله) يصحبني معه لأداء الصلوات في المسجد الحرام القريب من منزلنا يبدأ الشارع من الشمال بزقاق البرسيم أمام السوق الصغير مرورا بقهوة عم صالح عويس (قهوة السقيفة) بالقرب من دكان عم جميل مقادمي لبيع الرؤوس المندي الذي لا يبعد كثيرا عن فرن عم صدقة حنيفة الذي يأتيه العجين الجاهز من ربات البيوت وما عليه إلا إدخاله الفرن فقط وفي منتصف الشارع فرن عم هاشم بدر ثم يقابلك دكان عم آدم الجزار في منتصف الشارع تقريبا ولا يبعد عنه دكان الدوكي لبيع السوبيا والزبيب في جرار الطين، بعدها بقالة الباندة بجانب البازان أو السبع الأبيار الذي سمي الشارع سابقا نسبة لها، وأمام البازان مسجد السيد حمود الذي أكرمنا الله بحفظ أجزاء من كتابه الكريم، فيه قبله دكان الحساوي لبيع الحليب البقري والقشطة، يليه دكان العم حزيمة لبيع الحليب واللبن، ولا يبعد عنهم إلى الجنوب دكان عم صلاح بكري لبيع الفول والمعصوب، وبجواره دكان عم عودة الفهمي لبيع العسل والسمن والجبن البلدي أمام مسجد سيدنا حمزة الذي سمي الشارع باسمه فيما بعد.

ويقع المسجد بجوار قهوة الشجرة ثم العم باجروان لبيع الشربة يقع بعدها دكان عم بكار النحاس الذي يصقل النحاس وأمامه دكان عم سلمان الشهير بـ(دونونو) لبيع المقادم وبجنبه دكان عم يسلم باصفار لبيع الفول ولا يبعد عنهم العم صلاح ديباني صاحب معصرة السمسم وبيع الحلاوة الطحينية، يقع بجانبه دكان عم غريب للمطبق والذي جاء بعده عم ثابت لنفس المهنة وقبلهم فرن التميس للعم إبراهيم بخاري وأمامه العم عبدالله الهيج المتخصص في بيع الدجاج البلدي وينتهي الشارع بقهوة المعلم يحيى مالنتا بالقرب من بستان البخاري الذي كان أحد حدائق مكة الجميلة التي احتضنت كثيرا من المناسبات المكية.

تلك ذكريات الزمن الجميل التي تترئ على خاطري بين الحين والحين، فأذكر معها هذه الثلة المباركة التي حفرت في الذاكرة بهجة الحياة في زمنها البهيج، فتتوق النفس إلى عبقهم، ولا نملك إلا أن ندعو لهم بجزيل المثوبة ورفعة الدرجات في الجنات.


- مقال للدكتور بكري معتوق عساس -