الهُوية الثقافية بـمذاق وطني
لقد عشنا عالة على الصحف الخارجية نلتقط من فتاتها ما تمن به علينا من معلومات و أخبار و موضوعات و بحوث و مقالات .. لا نحس فيها بـ « شخصيتنا » ، ولا نلمس فيها « أحاسيسنا الخاصة »
حتى لقد أصبح من اليسير على أي فرد سعودي أن يجيبك عن ظهر قلب و بإفاضة و حسن بيان عن أي معلومات تطلبها منه عن أي بلد عربي أو غير عربي مهما قرب أو بعد
و كل هذا جـمـيـل .. بل هو مـمـا نـفـخـر بـه في مجال التفاخر لو لم تقتصر معلوماتنا العامة على ذلك
إن [ القارئ السعودي ] يعجز عن أن يتحدث إليك عـن " بـلاده " و " معالمها " و " رجالها " و " علمائها " و " أدبائها " .. وهو معذور و غير مؤاخذ .. فقد أعد له هذا الطبق الذي يعتمد عليه في « قـوتـه الـثـقـافـي » طاهٍ يبعد آلاف الأميال عـن هذه البلاد ، عـن صحرائها و جبالها و شعابها و وديانها
ذلك الطاهي الذي يتحكم فيما يعده " ذوق أهل بلده " و لم يراعي في كثير أو قليل [ ذوق هذا البلد ] .. وهو الآخر له عذره .. فكل طاهٍ إنما يراعي " ذوق الزبائن " الذين يراهم رأي العين يترددون على مطعمه و يبدون رغباتهم له ، و يلمس مدى قبولهم لما يعده لهم ابتسامة رضى و قبول أو نظرة عتاب أو اشمئزاز
* * * * * * * * * * * * * * * *
قبل أعوام طويلة قد أصبحت ولا شك لمحة من ذكرى بعيدة .. عندما كنا طلاباً بـ ( البعثة السعودية بالقاهرة ) ، كان أكثر الطلبة يصر في أيام العيد على تنسيق جدول الطعام تنسيقاً جديداً يبعد به الروتين المتخذ في بقية أيام العام كانوا يصرون على تـنـاول الأكـلات الـقـومـيـة و كان [ السيد ولي الدين أسعد ] يحقق رغبة الطلاب إلى أوسع مدى ، و كان الإنفاق على إعداد أطعمة العيد يصحبه شيء كثير من البذل ، و كان الطلاب يقابلون ذلك بابتساماتهم العريضة و بنفوس راضية كل الرضى عن العيد و أكلات العيد و مشمرين عن أذرعهم استعداداً للأكلات القومية التي كانت تمثل في أذهانهم إحدى معالم العيد الحقيقي
* * * * * * * * * * * * * * *
يحن إلى أطعمته القومية « غذاء البطون و الأجسام » فأولى بـ [ القارئ السعودي ] أن يطالب صحفه بأن تقدم له « غذاءه الروحي و العقلي بنكهة محلية » كي يستسيغه ذوقه إلى جانب ما يرده من " غذاء عقلي خارجي محفوظ أو معلب " لكأني بهذا القارئ يهتف من أعـمـاق قـلـبـه كما كنا نهتف أيام العيد بالقاهرة ( أكلة قومية .. أكلة قومية ) .. فقد طال به صبره و طال طريقه وهو ينتظر هذه الأكلة في شـوق و رغـبـة
•~•~••~•~•~~••~•~••~•~••~•~•
الـمـفـكـر الـعـمـيـق و الـروائـي الـعـبـقـري الأسـتـاذ الـكـبـيـر حـامـد دمـنـهـوري ( طيب الله ثراه ) | المصدر : ابن الثقافة و أبو الرواية حامد دمنهوري | الموضوع مشاركة من : الفضل فطان | تم النشؤ في 1438/9/6هـ
0 تعليقات