مشوار الدكتور محمد بن مصطفى بياري
بحر في علمه، مغذاق في مهنته، طموح نحو تحقيق رغبات الذات الطامحة دوماً نحو أفق لا نهاية له. رصف الكلمات لا تفِ ضيفنا الدكتور محمد بن مصطفى بياري حقه، نظير ما حققه من جملة إنجازات اكتسبتها كلية طب الأسنان بجامعة أم القرى زمن عمادته لها، وعلت شهرته على شهرة الكلية التي يديرها!، فقد ارتقت هذه الكلية من ناشئة لا ظل لها، إلى صرح طبي عالمي وسم ب (مستشفى طب الأسنان التعليمي)، مما دفع مجلة (اكسفورد) الإنجليزية، وموقع (سلايدشير) العالمي لأن يشيدا بهذا المنجز المتحقق.
ويحسب للبياري قدرته الفائقة في بناء وتأهيل الكوادر الوطنية، ووضعهم في مواقع المسؤولية، فضلاً على الطفرة النوعية في عدد المبتعثين للخارج والتي صاحبت عمادته للكلية آنذاك.. وموضوعات أخرى تطرق إليها الضيف عبر هذا الحوار.
النشأة والطفولة
* أين زرعت بذرة المولد.. وتحت أي سماء أفرع الغصن وطال؟
- ولدت بمدينة جدة بمنزل العمة الحبيبة فوزية بياري في شهر الحج الموافق الرابع عشر من عام (1391ه)، حيث كانت تقضي الوالدة إجازة قصيرة بعيداً عن أجواء موسم الحج، وكان الوالد وأسرته يبقون في مكة المكرمة؛ لمزاولة الطوافة مهنة الآباء والأجداد، وخدمة ضيوف الرحمن.
النشأة كانت في كنف الوالد والوالدة، وكنت قريباً من جدتي لأبي رحمة بنت صالح بياري، والعمين الحبيبين عدنان بياري - رحمه الله -، وفائق بياري حفظه الله.
أول ما وعيت على الدنيا، كنّا نسكن بالعتيبية بمكة المكرمة، وعلى مقربة من شارع البياري لمدة ست سنوات تقريباً، وكان يسكن بجوارنا أخوالي من آل اللبني وتحديداً بمنطقة جرول بالقبة، حيث كنا نذهب إليهم مشياً على الأقدام، ومن ثم انتقلنا إلى حي الزاهر، وبقينا به ما يزيد عَلى الأربعين عاماً.
* عرف عنك ملازمتك لوالدك خلال فترة الطفولة.. فماذا أكسبك ذلك؟
- بالفعل كنت ملازماً له حد الالتصاق، سواء بعمله في فرع جامعة الملك عبدالعزيز (جامعة أم القرى حالياً)، أو بعمله أثناء الحج، حيث كان مكتب الوالد في الهجلة بشارع إبراهيم الخليل، وتحديداً بزقاق البوقري.
أيضاً كنت مع الوالد على الدوام في زيارته لأصحابه وأخواله، وكان يقضي فترة المساء بعد صلاة العشاء في دكان السيد هاشم شمس - رحمه الله - بالسوق الصغير بجوار الحرم.
ملازمتي لوالدي، أكسبتني فرصة كبيرة لأتعرف على تجارب الكبار واهتماماتهم وأحاديثهم وخبراتهم، والتي ألقت بظلالها على شخصيتي ولله الحمد.
* كيف تصف لنا واقع الأسرة المكية في ذلك الوقت، من خلال استحضارك لواقع أسرتك؟
- عرفت الأسر المكية آنذاك بترابطها الكبير بين أبنائها كافة، وهذا ما كنت أجده حقيقة مجسداً أمامي، فبوجود جدتي لوالدي رحمة بنت صالح بياري، وجدتي لوالدتي رَيَّا بنت إبراهيم حجار - رحمهما الله -، كانت الأسرة كلها تجتمع حولهما، وكان الجو العام أكثر حميمية وبساطة.
وأذكر هنا، أني كنت قريباً وما زلت لعمي الحبيب فائق بياري، فهو نعم المحب، ونعم الناصح الأمين، وكثيراً ما كان يحقق لي ما لا أستطيع تحقيقه مِن خلال والدي، من الحصول على الألعاب والذهاب إلى الرحلات والمشاركة بالنشاطات الرياضية وخلافه.
* ما نصيب الوالدين في دفعك للخوض في بحور العلم والمعرفة؟
- حرص والدي ووالدتي منذ طفولتي المبكرة، على تهيئة كل الظروف التي تمكني من التعلم، ابتداءً من المدرسة، وصولاً إلى الجامعة، وكنت منذ صغري أعتمد على نفسي في التحصيل العلمي، وأوجد لنفسي جواً من التحدي، وكنت ولله الحمد والمنة، ثم بفضل متابعة وتشجيع الوالدين من الأوائل المتفوقين الثلاثة، وغالباً ما أكون الأول في معظم مراحل تعليمي العام، ليس على مستوى المدرسة، بل على مستوى مكة المكرمة.
على مقاعد الدراسة
* مشوارك على مقاعد الدرس.. من أين بدأ؟، وإلى أين وصل؟
- درست بمدارس الملك فيصل النموذجية بمكة، المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، والمرحلة الثانوية بمدرسة مكة، ثم التحقت بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة؛ لدراسة طب الأسنان، بعدها عملت لسنتين بالدولة، ومن ثم تم ابتعاثي لنيل درجة الماجستير والدكتوراه والزمالة الملكية للجراحين ببريطانيا، وتحديداً في مدينة الضباب لندن.
أما إلى أين مشواري وصل، فأستطيع أن أقول إنني ما زلت أتعلَّم وسأظل أتعلَّم إلى أن أنتقل إلى رحمة الله تعالى.
* زملاء الطفولة.. هل مازلت تتواصل معهم؟
- أحمد الله أنني بطبعي اجتماعي، أحب الاجتماع مع الأصدقاء، ولديَّ عديد من الزملاء الذين جمعتني بهم مراحل التعليم المختلفة، وسبحان الله مع التقدم بالعمل أو المنصب ومن ثم تركه، يظهر زملاء ويختفي آخرون، وهذا طبع بعض البشر.
ما زلت أجتمع مع بعض زملاء الابتدائية والمتوسطة، ولنا دورتان، واحدة كبيرة كل كم شهر، والثانية أسبوعية. وأذكر منهم مع حفظ الألقاب: باسم بيت المال، ومحمد بدر، وأيمن جمال، وهشام كوشك، وماهر إسكندر، ومحمد دهلوي.
ومن الزملاء الذين أتواصل معهم بشكل شبه يومي، يأتي بمقدمتهم الأخ والحبيب وائل قهوجي، ومحمد سلمان، وحاتم الدوبي ومحمد النقيب.
* ما الذي كان يميز المناخ المدرسي آنذاك، ونفتقده في مدارسنا اليوم؟
- المدارس في أيامنا كان بها أساتذة علماء بارعون في تخصصاتهم، ما يمكنهم من إيصال المعلومة بكل سهولة ويسر. وكان الأساتذة يتابعون الطلبة بشكل أكبر وأقرب.
أذكر أن الجو المدرسي بمدرسة الملك فيصل، ومدرسة مكة الثانوية، كان غنياً بالأنشطة الرياضية والتنافسية والمهرجانات وكل ما يدعم الهوايات. وكانت هناك مجموعات للطلبة تعمل باستمرار، بعضهم لديهم هواية الرسم، أو التصوير، أو يمثلون المدرسة بالنشاط الرياضي والإذاعي.
وكان التواصل بين البيت والمدرسة أقوى في الماضي، فكانت المتابعة أدق وأفضل.
* من تتذكر من أساتذة ذلك الزمن، ممن أثروا في شخصيتك؟
- كان لدينا مديرو مدارس من الصعب أن يتكرروا، أمثال الأستاذ زاهد قدسي رحمه الله، والأستاذ محسن حبشي، والأستاذ عبدالله باحاوي حفظهما الله. لقد تعلمت منهم الكثير، وبالذات الأستاذ محسن حبشي، وهو بالمناسبة زوج خالتي - رحمها الله-، فقد كان له بعض التأثير على بدايات فكري الإداري، حيث تعلمت منه الدقة والمتابعة والإتقان.
* كيف تسنى لعلم (أمراض الفم والأسنان) التغلغل في النفس حد التمكن؟
- كنت طالباً في كلية الطب البشري في البدء بالسنة الأولى، وكانت كلية طب الأسنان آنذاك قد بدأت تفتح أبوابها للطلبة، فرغبت في الالتحاق بها، ولا سيما أن الأعداد المطلوبة كانت قليلة، مقارنة بأعداد الملتحقين بالطب. وكان بذهني في ذلك الوقت، أن الكلية الجديدة سيكون التحصيل بها أفضل، في ظل قلة عدد الملتحقين بها، إضافة إلى أن الحاجة سوف تكون كبيرة للمتخرجين، لذلك انتقلت بعد سنة أولى طب بشري وبدون تردد إلى كلية طب الأسنان، وكنت ضمن الدفعة الثالثة التي يطلق عليها دفعة العمداء، حيث تبوأ أكثر من ستة من زملاء هذه الدفعة، قيادة ست كليات لطب الأسنان بمختلف مناطق المملكة.
* ما البيئة المحفزة التي هيأت لك الخوض في بحور العلم، وتسنم أعلى المناصب القيادية في مجال تخصصك العلمي؟
- قضيت آخر فترة التدريب بمدينة الرياض بمستشفى الأمن، وكنت متجهاً للعسكرية وتحديداً لوزارة الداخلية، وأثناء وجودي بالرياض كانت هناك فرص كثيرة بالحرس الوطني وقطاعات أخرى، ولكن أصر الوالد عليَّ لالتحق بجامعة أم القرى، فخضعت لرغبته لكي أرضيه.
كان للوالد علاقات ممتازة داخل الجامعة بحكم منصبه، مما سهل عليَّ جزءاً من الطريق الصعب فقد تحركت ضمن سمعته الطيبة. أيضاً عملي بالحج وبالذات بالمؤسسة الأهلية لمطوفي الدول العربية، وعملي الخيري أضاف لي تجربة كبيرة من الاختلاط بالناس على اختلاف طبقاتهم والاستفادة منهم، ولكن كل ذلك بدون الإصرار والمعرفة والإخلاص بالعمل، لا يكون له قيمة.
* متى اقترنت بشريكة العمر.. وبماذا أكرمك الله من الأبناء؟
- ارتبطت بشريكة وحبيبة العمر، عندما كنت بنهاية السنة الخامسة بطب الأسنان، وتزوجنا بعد التخرج مباشرة، وهي بالمناسبة طبيبة وأستاذ مشارك بكلية طب الأسنان، وقد شاركتني بداياتي الصعبة، وأفراحي وأتراحي، وكانت من أكبر الدوافع لي لإكمال دراساتي العليا.
وقد أكرمني الله عز وجل بفضله ورزقني بثلاثة أولاد مصطفى وبدر ويعمر، أسأل الله تعالى أن يحفظهم، ويعلي شأنهم بالدنيا والآخرة وأن يخدموا وطنهم بإخلاص وتفان.
طريق صعب
* مشوارك العملي، ما أهم محطاته؟
- في البدء كان مشواراً صعباً ولم يكن مفروشاً بالورود، بل كان به عديد من المنحنيات والمطبات، فقد بدأت العمل على وظيفة (طبيب مقيم) بالإدارة الطبية بجامعة أم القرى، وكانت تفتقر إلى الإمكانات المادية والتجهيزية والبشرية، ثم عملت بعض الوقت بالإدارة، وبدأت بتطوير قسم الأسنان، ثم أصررت وكافحت لأبتعث لإكمال دراساتي العليا، ورغم أني ليس أكاديمياً (أي معيد)، ولكن أبتعثت كموظف، ولن أنسى داعمي بعد الله عز وجل معالي الدكتور ناصر الصالح وكيل الدراسات العليا، صاحب الوقفات المضيئة في حياتي، فقد تم ابتعاثي أنا وزوجتي لبريطانيا للماجستير فقط، وحين أكملت الماجستير وبتفوق طلبت التمديد، ولكن وجدت معارضة من بعض القائمين على الإدارة آنذاك، وهنا وقف معالي الدكتور ناصر الصالح الذي أصبح مديراً للجامعة، ليوافق على التمديد لإكمال الدكتوراه والزمالة معاً، ولَم أخيب ظنه بي، فحصلت وزوجتي على الدرجتين وبكل تميز.
* بعد حصولك على درجتي الدكتوراه والزمالة، كيف تسنى لك العمل ولا يوجد قسم لطب الأسنان أو كلية أو مستشفى في جامعة أم القرى؟
- بعد عودتي، كانت النية بأن أنتقل لجامعة الملك عبدالعزيز وكلية طب الأسنان بها، ولكن أصر عليَّ معالي الدكتور ناصر الصالح كي أتسلم زمام الإدارة الطبية، وكان يرغب بشدة في تطويرها، فقبلت على مضض لمعزتي وتقديري للرجل ومواقفه الكريمة معي، وكانت بدايتي الفعلية بالإدارة أن عملت على تطويرها وهيكلتها وتجهيزها على أعلى مستوى، ثم عملت على تحويلها لتصبح المركز الطبي الجامعي بفروعه المختلفة.
بعد ذلك طلبني معالي الدكتور ناصر الصالح ذات يوم - بعد أن أوجعت رأسه باستمرار - كي نؤسس لكلية طب أسنان، فقال على بركة الله ابدأ عمل الدراسات لكلية طب الأسنان وكان ذلك في عام 2007م تقريباً، وكانت نقطة التحول في حياتي، ولم تسعني الفرحة حينها، إذ لَم يكن يدر بخلدي أني سأقود الكلية يوماً من الأيام.
مرة أخرى تفضل عليَّ معالي الدكتور ناصر الصالح، بأن حولني من الكادر الطبي إلى الأكاديمي؛ ليعينني على وظيفة أستاذ مساعد، وكانت هذه نقطة تحول أخرى مهمة في حياتي العملية.
ابتعدت عن الإدارة في زمن معالي الدكتور عدنان وزان مدير الجامعة في ذلك الوقت لاختلاف الرؤى؛ لأتفرغ لأبحاثي العلمية، من ثم طلب مني معالي الدكتور وليد أبوالفرج مدير الجامعة آنذاك، بأن أتولى قيادة كلية طب الأسنان، ووجدت نفسي أعمل مع هذا الرجل بدون كلل أو ملل، تارة في الكراسي العلمية وجمع التبرعات من رجال الأعمال، وتارة أخرى في البدء بشراكات دولية، حينها وجدت بمعالي الدكتور وليد تعويضاً عن معالي الدكتور ناصر كقائد وموجه لي، وكان معالي الدكتور وليد استثنائياً بكل المقاييس فكراً وعلماً وأداءً، وقد تعلمت منه الكثير، وتدرجت في عهده رئيساً لقسم الأسنان، ثم رئيساً للقسم ووكيلاً لكلية طب الأسنان بذات الوقت، إلى أن تم تعييني عميداً للكلية، وقد تم التجديد لي لأربع فترات متتالية، كان معظمها مع معالي الدكتور بكري عساس، الذي وجدته يتميز بالحماس وإعطاء العميد مساحة جيدة من الحركة والحقيقة دعمني بكل خططي وتوجهاتي.
أهم الإنجازات
* حققت الكثير من المنجزات خلال مشوارك العملي.. فما أكثر ما تفتخر بإنجازه؟
- أبرز ما أفتخر به، هو تأسيس كلية طب الأسنان، وإنشاء المستشفى التعليمي بها وتشغيله في مدة قياسية لم تتجاوز السنتين.
* ما الإنجاز الحقيقي الذي تحقق في كلية طب الأسنان بجامعة أم القرى؟، وما قدر إسهامك فيه؟
- من وجهة نظري، الإنجاز الحقيقي ليس البناء ولا التجهيزات ولا المناهج، بل هو الاستثمار بالعقول بتعيين 77 معيداً ومعيدة خلال فترات عمادتنا للكلية، وابتعاثهم لأرقى الجامعات العالمية، فهؤلاء هم من يضعون بصمة التفوق، ويكملون المسيرة، ولا سيما أنني وزملائي في إدارة الكلية قد اجتهدنا واخترناهم بعناية.
* ما أكثر ما يميز كلية طب الأسنان بجامعة أم القرى عن مثيلاتها في الجامعات السعودية الأخرى؟
- أجد أن من الصعوبة التحدث والإشادة بمنشأة أنشأتها ومن ثم قمت بإدارتها، ولكن الحق يقال، كلية طب الأسنان بجامعة أم القرى تبوأت مكاناً مرموقاً ليس على مستوى المملكة وحسب، بل على المستوى الإقليمي وفي وقت قصير جداً.
فقد وفرنا أفضل التجهيزات على الإطلاق، واستقطبنا أكفأ أعضاء هيئة تدريس، واستحدثنا أفضل منهج، وحاولنا اختيار أفضل الإداريين، ثم وضعنا محور اهتمامنا الأول الطلاب، وفتحنا مجال التواصل معهم، وعززنا روح الانتماء والفخر التي كبرت وترسخت مع الوقت فأصبح الطلبة يعلقون شعار الكلية على جوالاتهم وأجهزتهم الإلكترونية وسياراتهم وغرفهم.
* وما أكبر منجز تحقق لكلية طب الأسنان في عهد عمادتك لها؟
- أثمر ولله الحمد، ذلك الجهد والتميز الذي بذل لكلية طب الأسنان، بأن أهدت مجلة اكسفورد الإنجليزية أحد أعدادها للكلية، وأشادت بها ووصفتها بالنموذج المثالي في العالم الثالث.
أيضاً موقع (سلايد شير) العالمي، كتب المعنيون به مقالاً وصفوا به الكلية بأنها مؤسسة تعليمية غير ربحية، حققت نشاطاً عالمياً، ثم أتى تتويج جهود هذه الكلية في عهد عمادتي لها، من قبل وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى، الذي أرسل خطاباً لمديري الجامعات السعودية، يحثهم بأن يحتذوا بكلية طب الأسنان بجامعة أم القرى التي تميزت في مواقع التواصل الاجتماعي.
وجاء مؤخراً خطاب وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة، هنأ فيه كلية طب الأسنان بحصولها على المركز الأول في اختبارات الهيئة السعودية للتخصصّات الطبية على مستوى المملكة من بين 28 كلية حكومية وخاصة، ما يدل على جودة وقوة مخرجاتنا.
صناعة القادة
* كان لك دور وإسهام كبير في بناء وتأهيل الكوادر الوطنية في جامعة أم القرى، خصوصاً إبان عمادتك لكلية طب الأسنان، ما الذي جعلك تستشعر عظم المسؤولية الوطنية في ذلك الوقت؟، وما الشعور الذي يخالجك اليوم وأنت تراهم يتسنمون المناصب القيادية في الجامعة؟
- ما زلت أقول إن من أعظم الإنجازات التي تشرفت بتحقيقها هي تعيين وتدريب خيرة من شبابنا، فالمثل يقول: (القائد يصنع قادة). وأذكر أني عند توظيف مجموعة منهم، كنت حريصاً أن أعلمهم حتى أساليب الإدارة والعمل، وكنت أحاول إقحامهم بمهام كانت غريبة وغير مستحبة بالنسبة لهم، كي يتعلموا خبايا وأصول العمل، فكنت أرسلهم للمتابعة مع إدارة المشاريع، أو شؤون الموظفين، أو متابعة الصيانة، ففي نظري التجربة العملية لا تنفصل عن التجربة العلمية أبداً، وكنت أنظر للمستقبل بأن أحدهم يوماً من الأيام سيكون مكاني. واليوم عادت مجموعة منهم، وقد تبوأوا مناصب قيادية بالكلية، وغداً بإذن الله لمناصب أعلى وأعلى، وكلي فخر واعتزاز بهم، وأتمنى من الله أن يوفقهم ويسدد خطاهم. وأحمد الله كثيراً أن جميع وكلائي بالكلية تبوأوا مناصب عليا، فثلاثة منهم أصبحوا عمداء، وواحد أصبح مديراً لمدينة طبية كبرى.
* نجاح كلية طب الأسنان بجامعة أم القرى في الحصول على الاعتماد الأكاديمي، وفي إنجاز كلية ومستشفى تعليمي خلال عامين ونصف، جعلك نجم شباك «مواقع التواصل الاجتماعي».. بماذا تصف هذا المنجز؟، ومن هم شركاؤك فيه؟
- أولاً: الحمد لله رب العالمين، أن وفقني إلى ذلك، وأتمنى من الله أن يكرمنا ويجعلها في صحائف أعمالنا عملاً خالصاً لوجهه الكريم.
ثانياً: كانت لهذه الإنجازات والإيجابيات، سلبيات كثيرة، تمثلت في محاربتها من قبل البعض، وكما يقال: (للمطر محب، وهناك كاره)، خاصة أن إنجازات كلية طب الأسنان بجامعة أم القرى وأقولها وبكل فخر، كانت سريعة ومتسارعة بشكل غير تقليدي. بالنسبة لشركائي في النجاح، هم كل من عمل معي بالكلية من إداريين وأعضاء هيئة تدريس وفنيين وعمال وكل المخلصين، وأخص بالذكر وكلاء الكلية الأوائل: د.فيصل علاف، د.سهيل باجمال، د.رائد جستنية، د.فارس ألطف، د.محمد النقيب. ولا أنسى أن أوجه شكري وتقديري لمعالي مدير الجامعة د.بكري عساس، الذي لم يدخر وسعاً في دعم الكلية مادياً وبشرياً رغم المعوقات الكثيرة.
* وصفك معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى ب (الأنموذج الذي يحتذى به)، نظير ما اكتسبته من طغيان وجود بمؤشر التأثير الاجتماعي لشبكات التواصل الاجتماعي (كلاوت)، نتيجة للدور الذي لعبته في كلية طب الأسنان بجامعة أم القرى، الأمر الذي دعاه ليطالب الجامعات السعودية لأن تحذو حذوك.. ماذا أصبغ عليك هذا الوصف؟، وهل للوجود في هذه الوسائل سمات خاصة تكفل للموجود فيها سبل النجاح والرشاد؟
- كل الشكر والتقدير لحكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي العهد، التي وفرت لنا كل الإمكانات والوسائل لنبتكر ونتميز. والشكر موصول لوزير التعليم الدكتور أحمد العيسى على هذه الإشادة التي سوف تزيدنا حماساً وإصراراً على التميز واقتحام كل ما هو جديد في مجال تطوير التعليم. لقد أدركنا من البداية، قدر الشبكات الاجتماعية وأهميتها بنشر الخبر، والتواصل المباشر مع مختلف شرائح المجتمع، ومعرفة آرائهم وملاحظاتهم، وفي الوقت نفسه سهولة إيصال المعلومة إليهم وزيادة مستوى قياس الرضا لديهم، ومع ذلك أقول إن الوجود بالشبكات الاجتماعية سلاح ذو حدين، لذا يجب على الشخص والمسؤول أن يتحرى الصدق والأمانة بنقل المعلومة، فالمتلقي أصبح على درجة عالية جداً من الوعي، والشبكات الاجتماعية وسيلة ممتازة لاستقبال النقد الهادف، ومن ثم الارتقاء بالخدمات.
* أنت عضو فاعل ومؤثر بحكم تخصصك العلمي في الجمعية السعودية لطب الفم والأسنان، وفي الجمعية البريطانية لأمراض الفم والأسنان، وعضو الجمعية الأوروبية لطب الفم والأسنان، وعضو في الجمعية البريطانية للأحياء الدقيقة.. تعدد عضوياتك ماذا أكسبك؟
- أكسبتني قبل كل شيء، معرفة الناس، والمتخصصين المتميزين، ومعرفة أحدث ما توصلت إليه العلوم في تخصصنا، إضافة لذلك الحضور من خلالها لورش العمل والمؤتمرات المنظمة من خلالها.
* حصولك على أعلى المناصب القيادية في مجال تخصصك العلمي، عميداً لكلية طب الأسنان بجامعة أم القرى.. هل يعني أنك توقفت عن أعمالك البحثية، وعن أداء رسالتك العلمية تجاه طلابك؟
- الإنسان يحيا ويموت وهو يعمل ويتعلم، وهذا مبدئي في الحياة. أفتخر وأتشرف بمهنتي كطبيب أسنان أكاديمي، وما زلت أدرس وأشرف على أطباء المستقبل إكلينيكياً.
أما بخصوص البحث العلمي، فالآن أجدها فرصة مؤاتية، للتفرغ ولاستئناف العمل به، بعيداً عن هموم الإدارة.
تجربة ثرة
* كيف تقيم تجربتك الأكاديمية من خلال المواقع التي عملت بها؟
- تجربتي كانت ثرية وطيبة لحد ما، تعلمت من خلالها الكثير، ومررت بصعوبات وتجارب عديدة، ومن الصعب على الإنسان تقييم نفسه، ولكني أشعر بنوع من الرضا، خاصة مع تأسيس وبناء وتشغيل كلية طب أسنان بمستشفاها الجامعية، وتخريج ثلاث دفعات متميزة تنافس على مقاعد الدراسات العليا، وتحصل على أعلى الدرجات لامتحانات هيئة التخصصات الطبية، إنه لشيء يدعو إلى الفخر، والحمد لله أولاً وآخراً.
* من واقع ما تتمتع به من خبرات أكاديمية وإدارية.. كيف لنا أن نطور برامج الدراسات العليا في جامعاتنا السعودية؟
- برامج الدراسات العليا بصفة عامة، تحتاج إلى التحديث بما يتلاءم مع ما يحتاجه سوق العمل، وأن تكون البرامج مواكبة للتقدم العلمي والعالمي الموجود، وما زلنا بحاجة لأن ندعم هذه البرامج بالكوادر الممتازة والتجهيزات العالية المستوى، لأن الدراسات العليا تمثل بوابة للابتكار وريادة الأعمال ولا ننسى أن للقطاع الخاص دوراً كبيراً بذلك ويجب أن يؤديه.
* وماذا عن كلية طب الأسنان بجامعة أم القرى تحديداً؟
- في كلية طب الأسنان، كانت لنا فلسفة خاصة، فقد كنا مؤمنين من البدايات بأهمية دعم برامج ما بعد البكالوريوس حتى قبل تخريج الدفعات، فأنشأنا كأول كلية طبية بجامعة أم القرى 3 برامج للبورد السعودي في تخصصات نادرة ويحتاجها المجتمع بالتنسيق مع الهيئة السعودية للتخصصّات الطبية التي اعتمدت مستشفى الأسنان التعليمي كمركز متميز ومؤهل لاستقبال المتدربين على البورد السعودي.
* أخيراً.. ماذا عن عملك بمهنة الطوافة والعمل الخيري؟
- حقيقة، أفتخر بعملي بمهنة الآباء والأجداد في خدمة ضيوف الرحمن، وأستمتع بتطوير المهنة فأنا أشغل حالياً عضو مجلس الإدارة بالمؤسسة الأهلية لمطوفي الدول العربية معيناً من مقام وزارة الحج. وأشعر بالسعادة البالغة بالعمل الخيري وخدمته لأنه هو الباقي عند الله فقدر الله لي العمل كعضو مجلس إدارة منذ أكثر من تسع سنوات بأول وأقدم جمعية خيرية بالمملكة وهي جمعية البر بمكة وأسأل الله تعالى أن يتقبل أعمالنا قبولاً حسناً.
المصدر : مجلة اليمامة إعداد: سامي التتر |
2017/04/13
0 تعليقات