الشيخ العلامة المحدث عبد الحفيظ ملك عبد الحق الحنفي المكي

انتقل الى رحمة الله تعالى، اليوم الإثنين ١٤٣٨/٤/١٨ عقب صلاة المغرب ، فضيلة الشيخ : عبد الحفيظ ملك عبدالحق المكي الحنفي ، في جنوب آفريقيا ، وسيحدد بمشيئة الله تعالى موعد ومكان الدفن ، حال وصول جثمانه الشريف ، رحم الله شيخنا رحمة الأبرار وبارك في نسله وطلابه الأخيار وجمعنا به في دار القرار في جنات تجري من تحتها الأنهار مع النبي المختار وآله الأطهار وصحبه الأخيار صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم ، بعد طول أعمار وحسن أعمال في خير ولطف وعافيه. إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

الشيخ عبد الحفيظ ملك عبد الحق المكي رحمت الله تعالى عليه
بقلم الشيخ الجليل أسعد محمود مكي

الولادة والحياة الاجتماعية
جامع الشريعة والطريقة الشيخ الجليل عبد الحفيظ المكي , هو من أوائل الخلفاء في الطريقة ومن رواد طلباء العلم لدى مجدد الشريعة قطب الأقطاب شيخ الحديث والطريقة محمد زكريا الكاندهلوي المهاجر المدني (رحمة الله عليه رحمة واسعة). ولد الشيخ عبد الحفيظ في الهند (ما قبل انقسام بلاد الهند إلى عدة دول وما قبل تكوين دولة باكستان وبنجلاديش) في عام 1946م في مدينة أمريتسار بإقليم بنجاب. عائلته من أصول كشميرية كانو قد استقرو في تلك المنطقة من إقليم بنجاب منذ ما يزيد عن الخمسين عامًا.

وعروقه تصل إلى واحد من أئمة وحكام القبائل في زمانه، وكانو يسمونهم بالـ (راجا – أي الحاكم باللغة الأردية)، جده الأكبر وكان اسمه ‘راجا عبد السلام ملك’ والذي كان يحكم منطقة ‘كوليقم’ المحيطة بإسلام آباد الكشميرية آنذاك. وقد أسلم ‘راجا عبد السلام ملك’ على يد السيد الكبير علي الهمداني – الشيخ الكبير أحد الزهاد والعباد والعلماء من الصوفية من القرن الرابع عشر الميلادي، والذي كان قد قدم إلى بلاد كشمير للدعوة إلى الدين الإسلامي الحنيف.

عند انقسام دولة الهند إلى عدة دول (اثناء الفتنة والحروب الدينية) انضمت عائلة الشيخ مع جموع المسلمين المهاجرين إلى باكستان لتكوين دولة إسلامية هناك، وكانو قد اختارو مدينة ‘لايلبور’ مقرًا لهم – والتي سميت فيما بعد باسم ‘فيصل آباد’ على اسم الملك فيصل آل سعود اقتداءًا بمسجده الذي بناه هناك. وهناك بدأ الشيخ بالتعلم وذلك بقراءة القرآن في البداية على يد جدته (رحمها الله) والتي كانت تدرس القرآن لأطفال المسلمين في تلك المدينة. ونظرا للظروف شديدة الاضطراب ووجود الآثار الغير محمودة من نتائج الحروب في تلك المنطقة القريبة من الحدود الهندية أخذ والد الشيخ زمام الأمور وسافر بأهله إلى مكة المكرمة ناويًا بذلك الهجرة وجعل بلد الله الحرام مقرًا ومستقرًا له ولأهله وأولاده، وذلك في عام 1953م – 1373هـ. وتحصل والد الشيخ على الجنسية السعودية بفضل من الله تعالى ثم الحكومة السعودية الكريمة في عام 1960م – 1380هـ.

في مكة المكرمة وعلى يد الشيخ القارئ عبد الرؤوف والذي كان مدرسا في المدرسة الصولتية في مكة المكرمة بدأ الشيخ تعليمه الأساسي والابتدائي وذلك بإعادة دراسة القرآن الكريم بالتجويد. وفي عام 1374هـ التحق الشيخ بالمدرسة السعدية ومدارس أخرى (ابتدائية ومتوسطة وثانوية) بمكة المكرمة للحصول على التعليم الشرعي والعلوم العامة تحت نظام وزارة المعارف وعلى مناهج السعودية.

مسيرة التعليم والتعلم
والد الشيخ كان الحاج الشيخ ملك عبد الحق - رحمه الله تعالى رحمة واسعة – رجل صناعة معروف، وصاحب مصانع المعادن العمومية والتي هي من أولى المصانع في الدولة السعودية، كانت له خدمات جليلة في الدعوة إلى الله في بلاد الكفر حول العالم وكذلك في عدة دعوات لإصلاح أعمال وأنفس المسلمين في الدول الإسلامية وكان قد حصل له شرف الحصول على الخلافة في الطريقة على يد شيخ الحديث الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي لاحقًا. واتبع الشيخ تعليمات والده بعد أن أكمل الدراسة الثانوية في عام 1384هـ بأن يخصص من وقته عاما كاملا ليقضيه في صحبة أمير جماعة التبليغ في الدعوة والتربية الشيخ يوسف الكاندهلوي (مؤلف كتاب حياة الصحابة) وأن يتربى على يديه على الطريقة. وفي خلال هذا العام حظى الشيخ بصحبة الشيخ إنعام الحسن والذي أصبح أميرا للجماعة بعد وفاة الشيخ يوسف الكاندهلوي وظل كذلك لمدة تناهض الثلاثون عامًا.

في عام 1385هـ وبعد الحصول على الإذن من والده والتوجيهات الحكيمة من أمير جماعة التبليغ في الدعوة والتربية الشيخ إنعام الحسن بايع الشيخ شيخه شيخ الحديث محمد زكريا الكاندهلوي ليصبح تلميذه في التربية والسلوك في التصوف وتزكية القلب والنفس. وعند عودته إلى مكة المكرمة ظل الشيخ يمارس نشاط الجماعة داخل حدود السعودية مع قراءته ودراسته للكتب الشرعية (أو ما يسمى بالدرس النظامي في المدارس الديوبندية حول العالم أجمع) وهي دراسة الشريعة الإسلامية في الفقه على المذاهب الأربع كلهم وعقائد أهل السنة والجماعة في علم الكلام والتوحيد وما إلى ذلك.

وبعد عدة سنوات – عام 1387هـ – سافر الشيخ إلى جامعة ‘مظاهر العلوم’ الواقعة في شمال الهند في مدينة ‘سهارنبور’ (منبع المشائخ والعلماء والفقهاء ورواد العلم والتربية والدعوة في العالم كله) لتكملة الدراسة الشرعية وهي مرحلة الموقوف عليه (كما تسمى في المدارس الديوبندية حول العالم)، وبعد تكملة ‘الموقوف عليه’ عاد الشيخ إلى مكة ومارس التدريس فترة، ثم عاد مرة أخرى إلى ‘سهارنبور’ وأكمل دور الحديث (دراسة الصحاح الستة دراسة منمقة منقحة ومعرفة جميع العلوم المتعلقة بالحديث – وهي سنة التخرج في الدرس النظامي)، وكان ذلك في عام 1388هـ وهي السنة الأخيرة لشيخ الحديث الشيخ محمد زكريا لتدريس الصحيح البخاري في الجامعة. وقد حصل الشرف للشيخ بأن حصل على المرتبة الأولى في اختبارات سنة التخرج في جامعة ‘مظاهر العلوم, بسهارنبور.

الطريقة والسلوك – التصوف الشرعي
في عنفوان شبابه وفي عمر يناهض العشرين سنة حصل الشرف للشيخ بأن عين خليفةً في الطريقة والسلوك من قبل شيخ الحديث الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي وذلك في عام 1386هـ خلال فترة الإعتكاف في شهر رمضان من تلك السنة في مسجد الدار الجديد التابع لجامعة مظاهر العلوم. وقد حدث أن أمسك شيخ الحديث عمامته التي كانت على رأسه ووضعها على رأس الشيخ عبد الحفيظ المكي وأعلنه خليفة له في السلوك والتصوف في الطرق الأربعة (التشتية، النقشبندية، السهروردية، القادرية). وقد لازم الشيخ عبد الحفيظ المكي شيخه شيخ الحديث محمد زكريا الكاندهلوي منذ حصولة على إذن التربية والسلوك وحتى وفاته رحمه الله تعالى رحمةً واسعة، وكان متواجدا في خدمته تابعًا لتوجيهاته تاركًا وراءه كل مايشلغه من أمور الدنيا (التجارة، ونحو ذلك).

الأعمال والأنشطة المصاحبة والمناصرة للإسلام
خلال فترة حياة شيخ الحديث جميع أنشطة الشيخ من تدريس للحديث في المدرسة الصولتية بمكة المكرمة والسفر مع الجماعة حول العالم (أمريكا، يابان، الهند، أفريقيا، باكستان، دول أخرى في الشرق الأوسط والأقصى) كانت تحت إشرافه رحمة الله عليه. وكذلك كان عمل إنشاء وتأسيس ‘المكتبة الإمدادية’ في مكة المكرمة بتوجيه خاص من شيخ الحديث، وكذلك إنشاء وتشغيل مطابع الرشيد في المدينة المنورة – على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

كان الشيخ يتبع تعليمات شيخ الحديث وتوجيهاته والتي تقتضي قضاء فترات متقطعة في أمصار ودول مختلفة لأغراض النشر والطباعة ومتابعة أهم الأعمال القائمة في حاية شيخ الحديث. مثل حياة الشيخ فترة من الزمن في دولة مصر العربية لإنهاء نشر كتاب شيخ الحديث الفريد من نوعه والعظيم بمحتواه بعنوان ‘أوجز المسالك في شرح موطأ الإمام مالك’ وكذلك مؤلف الشيخ خليل أحمد سهارنبوري في شرح سنن أبو داود بعنوان ‘بذل الجهود في شرح سنن أبي داود’. وقد حظت تلك المجهودات والعمل الدؤوب والدقيق على استحسان شيخ الحديث وقد ذكر شيخ الحديث ذلك في عدة مجالس عامة وكذلك في عدة تصانيف وكتب له ومن أهمها كتابه عن سيرته الذاتية وحياته والمسمى بـ ‘آب بيتي’. وقد ذكر ذلك علماء آخرون ايضا بحيث أنها كانت أعمال جليلة في خدمة طلبة العلم الشرعي والمسلمين عامة فمن ذلك ما ذكره مفكر الإسلام الشيخ أبو الحسن علي الندوي في كتابته للسيرة الذاتية لشيخ الحديث الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي.

حتى بعد وفاة شيخ الحديث استمر الشيخ في تكملة المسيرة العلمية والعملية والروحية لشيخه بنشر كل ما هو مفيد ونافع للإسلام والمسلمين وخصوصا طلبة العلم الشرعي الصحيح باللغتين العربية والأوردوية، فمن أهم إنجازاته – دامت بركاتهم وبارك الله في عمره – الكتاب العظيم في شرح البخاري والمعنون باسم ‘الكنز المتواري في شرح صحيح البخاري’ الذي يحتوي على شروحات لأحاديث الصحيح البخاري بواسطة أئمة العلم أقطاب المسلمين مثل الإمام الرباني الشيخ رشيد أحمد القنقوهي رحمه الله رحمة واسعة، وآخرون من أفاضل علماء ديوبند.

بالرغم من حياة الشيخ في أرض الحجاز إلا أنه كان له الأثر الكبير في توضيح معالم التصوف الشرعي المطابق لمذهب أهل السنة والجماعة المطابق لما جاء في كتاب الله سبحانه وسنة نبيه على أفضل الصلاة وأتم التسليم والخالي من البدع والإدخالات الغير شرعية والتي ليس لها أصل في التصوف الشرعي الصحيح. وهذه الجهود لم تكن محصورة في أهل السعودية فقط ولكنه استمر في الأسفار يحمل رسالة التربية والسلوك والتصوف في ظل القرآن والسنة إلى مشارق الأرض (باكستان، الهند، بنجلاديش، ماليزيا، إندونيسيا، يابان، الخ) ومغربها (جنوب أفريقيا، زامبيا، زمبابوي، أمريكا، أوروبا، الخ).

الشيخ عبد الحفيظ مع الدكتور عبدالوهاب ابوسليمان و السيد حسن شعيب و الاستاذ محمد علي يماني بندوة الحج الكبرى عام 1437هـ

وكان للشيخ يد عليا في تقديم الدعم المعنوي والمادي لإعلاء كلمة الحق والدين في أمصار عدة حول العالم بإنشاء المدارس والإدارات والمعاهد وتجهيز المدرسين والأئمة والخطباء وأهل العلم والذكر والتربية والسلوك والتصوف والدعوة والتبليغ والدفاع عن الصحابة (من الشيعة والروافض ونحوهم) والدفاع عن ختم النبوة (من القاديانية وغيرهم) فقد رأس عدة حركات فعّالة لها تلك الأهداف وغيرها ما يكون تحت مظلة القرآن والسنة النبوية الشريفة.

المصدر : صفحة عبدالباسط الحافظ على الفيس بوك