عم سرور المهني المكي صاحب دكان السمبوسك الأشهر بمكة المكرمة

في زمنٍ رائعٍ من الأزمان.. وفي مكان يعجز من حسنه البيان، مكة .. حيث الحنين والأمان والإيمان !  للحقبة الزمنية التي عاش فيها الآباء والأجداد وآبائهم والتي كانت كالنسيجِ تماسكًا عبق يفوح ذكراه حتى اليوم.

وعلى الرغم من أن النفوس تواقة لمن يحدثها عن المستقبل، لا من يحدثها عن الماضي إلا أن هناك في البشر من خلدوا ذكراهم بمحاسن أخلاقهم؛ وسلامة مقاصدهم؛  ومن أولئك الأشخاص المكيون؛ شخصية عرفها المجتمع بالصلاح والكرم، والتواضع ومحاسن الشيم، شخصية يتذاكرها الناس في منتدياتهم، شخصية خلدها المؤرخون بين أوراقهم،  إنه ابن مكة، الرجل الصالح  الشيخ محمد سرور بن سعد باسلوم، والمكنى بالعم سرور.. الرجل الطيب التقي المعروف بكرمه وزهده.


نشأته : ولد الشيخ محمد سرور بن سعد باسلوم في مكة المكرمة وبجوار بيت الله الحرام عام 1334 هـ،  ثم توفي والده الشيخ سعد باسلوم بعد ولادته بستة أعوام، وعلى إثر وفاة والده انتقل إلى العيش في مدينة الليث حيث تقطن القبيلة، حتى بلغ الحادية عشر من عمره، ثم عاد إلى مكة حاملا أخيه الأصغر وقد طوقهما الحنين إلى مكة واختلجهما الشوق إليها، فنشأ كغيره من صبيان مكة في ذاك الزمان؛ لا يملكون من مصادر الدخل إلا ما تقوته أيديهم، متكبدين ظروف الحياة الشاقة، فعمل في محلات شهاب للطباخة وهو ابن الحادية عشر من عمره، وفي ذات الوقت كان يتعلم العلوم من حلقات الحرم المكي.


بداية عم سرور مع المهنة

 لسمبوسك عم سرور ودكانه ذكرى جميلة بين أهالي مكة بدأت منذ ١٣٤٥ هـ ، هذه الذكرى الرائعة التي بقيت معلقة في أذهان الناس حتى يومنا هذا، فأخلاقه مع عملائه وتجاوزه عن المعسر والأمانة في العمل والنظافة في المظهر وإكرام اليتامى والأرامل وحسن الترحيب والابتسامة التي لا تفارق محياه، والحزم الممزوج بالرفق والدعابة وسرعة البديهة، كل ذلك كان له وقْع في نفوس أهل مكة، حتى أطلقوا على أطلقوا على دكانه [ دكان الرجل الصالح ].

تعلم عم سرور صناعة السمبوسك التقليدية،  ثم ابتكر صناعتها بطريقة خاصة به وطعم وشكل خاصين، وبعد مرور عدة سنوات افتتح أول فرع له في محلة القشاشية بجوار الحرم المكي مشتركا مع الشيخ عبدالله زعفراني الحلواني، حيث كان المحل يعمل على فترتين، ففي الصباح يقدم العم سرور السمبوسك والمطبق والصوابع أو كما يسميها أهل مكة ( السجاير )، وفي المساء يصنع العم عبدالله الحلويات، واستمرا لأكثر من عشرة أعوام .

 


شهرة سمبوسك عم سرور

عرف الناس سمبوسك عم سرور وذاع صيتها، فانتقل إلى محلة القرارة بجوار المسجد الحرام وافتتح عدة محلات هناك؛ فكان أول فرع له في حارة القرارة تحت منزل عائلة الهرساني، ثم انتقل إلى دكان بمسجد أسرة جمال المعروفة، ومن هناك إلى دكان برباط السمباوة ومنه إلى دكان وقف السمباوة الذي استقر فيه لفترة طويلة، وقد علم أبناءه المهنة فكانوا يعملون معه، بالإضافة إلى العمال أو ( الصبيان ) كما يسميهم أهل مكة، أصبح العم سرور يصنع السمبوسك لأعيان الأسر المكية، ويزوره العلماء والمثقفون والمسؤولون وزوار مكة، إلى أن غدى دكانه رمزًا مكيًا، وبات موروثًا شعبيًا وثقافيًّا.



حياته الاجتماعية

  تزوج العم محمد سرور بابنة الشيخ قاسم كتبي رحمه الله، وله احدى عشر من الأبناء. وكان عم سرور اجتماعيا معروفًا بين الناس بكرمه وأصالته، تجمعه بالناس صداقات وثيقة فمن أبرز تلك الصداقات: صداقته من مقتبل العمر مع الشيخ عبدالله بصنوي عمدة الشامية المعروف، والشيخ محمد وزان التاجر المعروف، والشيخ حسن سراري، والعم عربي مغربي، والشيخ أحمد بابكور تاجر الأغلال المعروف، وقد كان للعم سرور عادة مع الشيخ أحمد بابكور حيث كانا رحمهما الله كل سنة يذهبان لأداء العمرة في اليوم السابع عشر من رمضان ثم يذهبوا إلى جعرانة للإفطار.

وكان له اجتماع سنوي يعقده في منزله يدعو فيه علماء مكة المكرمة والأعيان، وقد كانوا يلبون دعوته في فرحٍ وسرور بقدومهم للعم سرور لما عرفوا من أخلاقه وصدقه وكرمه ومحبته لهم، وكان من أبرز العلماء المكيين الذين يسارعون لتلبيته السيد العلامة علوي بن عباس المالكي بالإضافة إلى المنشدين والمبتهلين ومن أبرزهم الشيخ حسن لبني المبتهل المكي المعروف.

وكانت تجمعه مع جيرانه علاقات مميزة ومن أبرز جيرانه أسرة آل خوندنه المكية الشيخ محمد سعيد خوندنه تاجر الأقمشة المعروف وأبنائه الشيخ عمر وعبدالوهاب خوندنه رحمهم الله جميعا، وأسرة الخضري وغيرهم.

عم سرور المؤذن وخبير المقامات

كان رحمه الله متعلقًا بالحرم وعلمائه والحلقات العلمية فيه ، فعمل مؤذنًا مناوبًا في الحرم على المنائر لفترة طويلة وذلك قبل استخدام المكبرات.

في دار كوشك بحضور وزير البترول أحمد زكي يماني  وكان مجلس خاص لتعليم المقامات والاذان والتبليغ  برفقة الشيخ عبد الله بصنوي

كان جميل الصوت وشغوفًا بعلم الأصوات والمقامات، فقد كان عالمًا بالمقامات الصوتية، وقد كانت له جلسات مع صديقه المؤذن الشيخ عبدالله بصنوي رحمه لتعليم الناس الأذان والتبليغ خلف الإمام والفنون الصوتية في ذلك.

يظهر بالصورة  أصدقائه الشيخ عبدالله بصنوي و و الشيخ عربي مغربي و الشيخ السندي

وكان له ابتهال معروف يردده دومًا ، ابتهال في حسن الظن بالله، يقول فيه :

إليك بسطت الكف أسألك الرضى .... أنت الذي تعفو وتغفر ما مضى
أنت الذي ترجى لكل مهمة ... إذا ضاقت الأحوال او اتسع الفضا
يعذب تطهيرا ويعفو تكرما ... وليس لمخلوق أن يتعرضا
كن عن همومك معرضا ... وسلم امورك للقضا
وابشر بخير عاجل ... تنسى به ما قد مضى

لحظات مع العم سرور

كان عم سرور يرفض أن يقدم للزبون الذي يأكل في دكانه طلبه دفعة واحدة، وذلك خوفًا عليه من العين. وكان عندما يرى يتيمًا أو صبيا يسرع إلى إطعامه أو إعطائه مصروفًا قبل أن يأتي إليه، مراعاة لمشاعرهم وجبرًا لخواطرهم.

صورة مع أحد أحفاده في منزله

وفاته


ولرب اتسع المضيق ... ولربما ضاق الفضا  
ولرب أمر متعب ... لك في عواقبه رضا

بهذه الكلمات والعبارات المملوءة بالثقة بالله ابتدأ عم سرور حياته واختتمها ،وفي صيف عام ١٤٠٨ سافر إلى تركيا ليطمئن على صحته، ثم ذهب في جولة  سياحية إلى أوروبا مبتدئا بألمانيا ثم ذهب إلى سويسرا وفرنسا متأملا في بديع صنع الله، مناجيا ومتضرعا إلى مولاه ، وبعد أن عاد لمكة ألمت به وعكة صحية، شعر فيها الرجل الصالح بدنو أجله، فكان يأبى مغادرة مكة، خشية أن تفيض الروح لبارئها خارج البلد الحرام. وفي يوم الجمعة الرابع عشر من شهر جماد الأول من العام الهجري ألف وأربع مائة وتسعة وعند الساعة السادسة والنصف مساء فاضت روحه إلى بارئها، فالتحق إلى جوار ربه عن عمر يناهز الأربعة والسبعين عاما ودفن في مقابر المعلاة .

الله عودك الجميل ... فقس على ما مضى
الله يفعل ما يشاء ... فلا تكن متعرضا

عاش عم سرور رغم أميته مدرسة في أخلاقه وتعاملاته، يطعم الطعام، ويكفل الأيتام، عاش جابرًا للخواطر، يردد على لسانه ( يالله يا جابر ) ، صنع من دكانه وأخلاقه موروثًا حمل جميل اللحظات ولطيف الذكريات توارثته الأجيال بحب وعشق لم تستطع الأيام محوه رغم طول الزمان، ومازالت سمبوسك عم مسرور إلى يومنا هذا وأهالي مكة يكنون لها الحب والعشق ، لمحبتهم لعم سرور الذي كان يردد دوما قولته ( السيرة الطيبة هي الباقية للإنسان )  صدقت ياعم .. وبقيت يا عم سرور حيا فينا .. وستبقى ذكراك عالقة  
في الأذهان

 



خاتمة

يردد الناس: ذاك زمن جميل ! ومكان ليس له مثيل؛ وما ذاك إلا أن الناس فيه التزموا بالقيم والآداب المنبثقة من صدق إيمانهم وتوكلهم على الله، فأضافوا للزمان والمكان جمالا بأرواحهم الطاهرة؛ إنها أراوح الصادقين، أرواح المتسامحين، أرواح الصابرين؛ لا يمحوها تعاقب الأزمنة، ولا إتلاف الأمكنة،  وما أجمل من قال: و يَبقى عَبق الماضي عالقٌ بنا رُغم الزَمن .. !!
‎ تَعجز يَد النسيان أن تطاله.

رحم الله الشيخ محمد سرور باسلوم رحمة الأبرار، ورحم رجالات مكة، وألحقهم بالصالحين الأخيار، وبارك في أعقابهم، وحفظ الله مكة وزادها هيبة وتشريفا وتكريما وتعظيما، إنه بر رحيم .

موضوع خاص بموقع قبلة الدنيا | من اعداد : د. عبدالوهاب سرور باسلوم  , د. مجدي سرور باسلوم  | معالجة الصور : حسن عبدالعزيز مكاوي | تم النشر في 1438/4/4هـ .