رحلة قصيرة من دار الأرقم إلى مكتبة مكة

دار الأرقم تاريخ مشهود ومكان مشهور، وموقع صبر وتحمل وثبوت، ونقطة انطلاق للدعوة الإسلامية شرقا وغربا، دار إسلام وسلام، أسلم فيها على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم عدد غير قليل من المسلمين، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي جهر بالقرآن والدين بقوة دون خوف أو جلل حتى هاجر المسلمون إلى المدينة المنورة بأمان وسلام.

فإن جمعية تحفيظ القرآن الكريم المكية قد اختارت هذا المكان المبارك بعد تأن وتفكر معهدا أسمته معهد دار الأرقم للتجويد، يتعلم فيه حفظة كتاب الله أحكام التجويد ويجودون القرآن الكريم بأصوات ندية من أفواه مشايخهم الفضلاء.

وفي بداية الأمر التحقت بالدار الدفعة الأولى بعد أن أتمت حفظ القرآن كاملا، ونجحت في اختباره بكل طموح وشوق لتحقيق قول الإمام الجزري رحمه الله:

الأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم
فهذه المجموعة كانت متجانسة متساوية في أعمارها، يدخلون سواء ويخرجون سواء، ويجلسون أمام أساتذتهم كأن على رؤوسهم الطير، وقدوتهم في ذلك أصحاب الفضيلة أمثال: محمد عيسى وعبدالصمد جنبي وعبدالله زواوي وغيرهم الذين شربوا من القرآن الكريم والسنة المطهرة، والنظر إلى الكعبة المشرفة، والشرب من زمزم شربة هنيئة مباركة، ولا تزال الدار تؤدي رسالتها ولكن من داخل الحرم المكي الشريف.

ومن حسن حظ تلك المجموعة وجود المكتبات العلمية بقرب الدار التي كانت مليئة بالكتب القيمة، فكانوا يذهبون بعد خروجهم من الدار إلى تلك المكتبات ويقرؤون كل بمجاله، والبعض الآخر يستعير الكتب لأيام معدودة ثم
يعيدها إلى المكتبة نظرا للظروف المادية آنذاك حتى إن كثيرا منهم كان لا يملك قيمة المواصلات.. الحمد لله الآن على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى قال تعالى «وأما بنعمة بك فحدث».

ومن حسن الطالع أيضا وجود مكتبة الحرم المكي الشريف في ذلك المكان، فكنا نهرول وندخل المكتبة للاطلاع على الصحف والمجلات والكتب المفيدة، وبالمناسبة كنت أشاهد الأديب عبدالقدوس الأنصاري صاحب كتاب الكعبة المشرفة وغيره من مثقفي مكة المكرمة.

والشيء بالشيء يذكر، فبعد أن أودع زملائي كنت أذهب لمجلس الشيخ محمد صالح قزاز رحمه الله في مشروع الحرم المكي فأقرأ هناك جزءا أو جزءين بوجود الشيخ وضيوفه في الإذاعة الداخلية، وبين الفينة والأخرى أخطف نفسي فأدخل مكتبة مكة المكرمة المليئة بالكتب والآثار والشعر والأدب، وقد علمت أن من رواد تلك المكتبة بعض الشخصيات العلمية المكية المعروفة أمثال الدكاترة عبدالوهاب أبو سليمان، ومعراج مرزا، وعبدالله شاويش، والزميل القدير عبدالكريم خراشي «رحمه الله تعالى».

وقفة
الأماكن التي ذكرتها آنفا دخلت الآن في توسعة الحرم المكي الشريف ما عدا مكتبة مكة المكرمة، فلا زالت باقية شامخة كالطود في مكانها، وهي مكان مولد رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.

المصدر : صحيفة مكة 1437/11/17هـ | عبدالغفور عبدالكريم عبيد