دراسة تاريخية عن سقفي الكعبة المشرّفة

تؤكد لنا المصادر التاريخية وجود سقفين للكعبة المشرفة بعد عمارة عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما وجاء ذكر ذلك في كتاب تاريخ مكة وما جاء فيها من الآثار للأزرقي ففي حديثه عن ذرع الكعبة من الداخل ذكر الأزرقي : " أن للكعبة سقفان أحدهما فوق الآخر وذرع طول الكعبة في السماء من داخلها إلى السقف الأسفل مما يلي باب الكعبة ١٨,٥ ذراعاً وطول الكعبة في السماء إلى السقف الأعلى عشرون ذراعاً ، "أي ان ما بين السقفين ١.٥ ذراعاً وهو ما يعادل ٧٢ سنتمتراً" .

وفي سقفي الكعبة أربعة روازن نافذة من السقف الأعلى إلى السقف الأسفل للضوء أي فتحات مربعة لإدخال النور إلى داخل الكعبة" ، وهذه الروازن موزعة منها روزنة جهة الركن الغربي والثانية جهة الركن اليماني والثاني جهة الركن الأسود والرابعة جهة الأسطوانة الوسطى ثم يذكر الأزرقي : "أن بين السقفين فرجة" ، ولكنه لم يحدد متى ومن الذي عمل هذين السقفين في الكعبة المعظمة .

لكن نجد محمد طاهر الكردي في التاريخ القويم يعلّق على هذا الموضوع ويرى أن السقفين من عمل ابن الزبير رضي الله عنهما لأن قريش لم يجعلوا للكعبة سقفين حين بنائها ولكنه يرى في ذلك إشكال وهو أن ابن الزبير جعل في سطح الكعبة أربعة روارزن "فتحات" لدخول الضوء والنور في جوف الكعبة فعمل السقف الثاني في داخل الكعبة يمنع دخول الضوء لجوفها ويذكر أنه يمكن أن ندفع بهذا الإشكال بأن ابن الزبير جعل في السقف الثاني أيضاً روازن مقابل الروازن التي في السقف الأعلى لينفذ الضوء منهما إلى جوف الكعبة .

أما فائدة السقف الثاني كان لوضع بعض أمانات الكعبة وهداياها وبعض الأشياء المتعلقة بها ، ولتعلق فيه القناديل وكذلك لتزيين وجه السقف الثاني المقابل لأرض الكعبة بالذهب والفضة والألوان والزخارف .

وفي آخر بناء للكعبة المشرفة سنة ١٠٤٠هـ في عهد السلطان مراد الرابع الذي هو بنائها الحالي يؤكد لنا المؤرخ والعلّامة ابن علان الصديقي وجود سقفين للكعبة المشرفة وذلك أثناء مباشرته وحضوره أعمال بناء الكعبة ويتحدث عن التجديد الكامل الذي حدث لسقفي الكعبة وإصلاح خشب السقف الأول وخشب السقف الثاني ودك سطح الكعبة الأول والثاني بالآجر ، ويذكر أنه بعد النصف من شعبان من سنة ١٠٤٠هـ شرعوا في تركيب السقف الأول فتم ، ثم شرعوا في تركيب السقف الثاني فتم في السادس والعشرين من شعبان .

ومما يؤكد لنا أيضاً وجود سقفين للكعبة ما ذكره محمد طاهر الكردي في كتابه التاريخ القويم الذي كان ضمن اللجنة التنفيذية لعمارة الكعبة وتوسعة المسجد الحرام بمكة المكرمة في عهد الملك سعود يرحمه الله سنة ١٣٧٧هـ/١٩٥٨م حيث يذكر الكردي أن سقفا الكعبة الأعلى والأدنى جددا في هذا الترميم بعد حصول تصدع في سقفي الكعبة المشرفة وخلل في أعواد السقفين

ويذكر الكردي الأمر الملكي الصادر في أواخر شهر المحرم سنة ١٣٧٧هـ القاضي بعمارة سقفي الكعبة المشرفة وترميمها وإصلاحها ومن ذلك :
١- رفع "السقف الأعلى" للكعبة المشرفة بتاتاً وتجديد عمارته 
٢- تجديد "السقف الأدنى" لقدم أخشابه وتآكلها
٣- عمل "ميدة" بين "السقفين" تحيط بجدرانها

ولا تزال الكعبة بسقفين إلى يومنا هذا ففي سنة ١٤١٧هـ في عهد الملك فهد يرحمه الله تؤكد لنا الترميمات التي حدثت في الكعبة المشرفة وجود السقفين وأظهرت لنا عمليات الترميم والتي يذكرها لنا الشريف محمد بن مساعد الحسني في كتابه درر الجامع الثمين والذي ينقل لنا بتصرف عن مذكرة صادرة عن رئاسة الحرمين الشريفين تصف مجريات الأعمال التي نفذت لترميم الكعبة عام ١٤١٧هـ حيث جاء فيها أن ترميم الكعبة استغرق أكثر من أربعة أشهر شمل الآتي : 
 ⁃ إزالة خشب "سقفي الكعبة" المشرفة وذلك بسبب تآكلها
 ⁃ إحضار ٤٩ قطعة من خشب التيك من بورما الذي يعتبر من أفضل الأخشاب المقاومة للأحمال والتغيرات في الأجواء الحارة الجافة ومقاومة للأرضة
 ⁃ تجديد خشب "سقف الكعبة العلوي والسفلي والأعمدة الثلاثة"
 ⁃ تم توزيع القطع الخشبية على مسافات متساوية بحيث تتوزع أعمال السقف بشكل متوازن على جميع الجدران والأعمدة الداخلية
 ⁃ تم وضع طبقة من مواد العزل فوق السقف الخشبي
 ⁃ تم تغطية السطح بالخرسانة الخفيفة لحمايته وتأمين الميول لتصريف مياه الأمطار 
 ⁃ تم تجديد رخام السطح بكامل مساحته وجوانبه

 ⁃ تم وضع ألواح من الحديد غير قابل للصدأ فوق الألواح الخشبية "للسقف الثاني لمنع أي تسرب من السقف العلوي" .

تم النشر بتاريخ 1437/10/6هـ | بقلم : الباحث في تاريخ مكة المكرمة الاستاذ منصور مرزوق الدعجاني .