الحطيم

 

هل الحطيم الذي يجتمع فيه أمير مكة بالعلماء والأعيان هو حِجْر الكعبة والمعروف بحِجْر إسماعيل عليه السلام؟


أقول وبالله التوفيق : الحطيم: هو الحِجْر، ولهذا المكان عدة أسماء، منها: حِجْر الكعبة، والجَدْار، وحِجْر إسماعيل عليه السلام، والحطيم. وهو المكان المعروف المشهور بجانب الكعبة المشرفة، مما يلي الميزاب شمال الكعبة المعظمة، وهو محوط مدور على صورة نصف دائرة، وله فتحتان من طرفيه الشرقي والغربي، للدخول إليه، والخروج منه .

صورة للحِجْر. «حجر الكعبة المشرفة»

وكل هذه الأسماء للحِجْر محفوظة في كتب الحديث والفقه والتاريخ وغيرها، ودونك بيان ذلك :

فحِجْر الكعبة : ورد بهذا الأسم في عدة مصادر، منها: «صحيح البخاري» (5/46)، «تاريخ دمشق» (48/448)، «شفاء الغرام» (1/263).

والجَدْار: ورد بهذا الأسم على لسان ابن عباس رضي الله عنه: «الحطيم الجدار». «شفاء الغرام» (1/263). 

وحِجْر إسماعيل : ورد ذكره بهذا الإسم في «تاريخ دمشق» (8/411) ، «شفاء الغرام» (1/20). ويحسن التنبيه على رواية وردت في تواريخ مكة بأن في الحِجْر قبر إسماعيل عليه السلام، ولا تصح، فقد حقق هذه الرواية وبيَّن ضعفها ونكارتها شيخنا العلامة الدكتور وصي الله عباس في كتابه: (المسجد الحرام تاريخه وأحكامه).

والحطيم: ورد بهذا الأسم على لسان ابن عباس رضي الله عنه: «من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر، ولا تقولوا الحطيم». «صحيح البخاري» (5/44)، وغيره من كتب الحديث والتاريخ.

 

وبعد هذا التعريف الموجز نأتي لتحديد مكان الحطيم : فأقول : اختلف العلماء في تحديد موضعه اختلافًا يسيرًا، وفي سبب تسميته أيضًا، والمشهور من هذه الأقول أربعة:

القول الأول : أن موضعه ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وزمزم وحِجْر إسماعيل، وبه قال الأزرقي عن ابن جريج. «شفاء الغرام» (1/263).

قال المؤرخ محمد طاهر الكردي المكي(ت١٤٠٠هـ): الصحيح المعتمد في موقع الحطيم هو كلام الإمام الأزرقي المذكور، من أن الحطيم هو ما بين ركن الحجر الأسود وحِجْر إسماعيل والمقام وزمزم، فهذا الموضع هو الذي كانوا يطلقون عليه الحطيم من زمن الجاهلية قبل بناء قريش الكعبة وقبل أن يحطم من البيت الحرام شيء كما هو صريح كلام الإمام الأزرقي وكفى به حجة. «التاريخ القويم» (4/117).

 

القول الثاني: أن مكان الحطيم هو حِجْر إسماعيل عليه السلام الذي فيه الميزاب، وبه قالت كتب الأحناف، والشافعية، وهذا هو الراجح. 

قال العلامة الخليل الفراهيدي(ت170هـ): «الحجر: حطيم مكة، وهو المدار بالبيت كأنه حجرة»، وكذا قال الإمام الليث، والعلامة ابن فارس الرازي(ت395هـ). ينظر: «العين» (3/74)، «تهذيب اللغة» (4/81)، «مجمل اللغة» (1/265).

وقال العلامة الجوهري(ت393هـ): «الحجر حجر الكعبة، وهو ما حواه الحطيم المدار بالبيت جانب الشمال». «الصحاح تاج اللغة» (2/623).

وقال العلامة الفيومي الحموي(ت770هـ): «الحجر: بالكسر العقل والحجر حطيم مكة وهو المدار بالبيت من جهة الميزاب». «المصباح المنير» (1/121).

وقال العلامة جار الله بن ظهيرة القرشي المكي(ت986هـ): «الحطيم عندنا هو الحِجر -بكسر الحاء وسكون الجيم- وهو الموضع الذي نصب فيه ميزاب البيت، وإنما سمي بالحطيم؛ لأنه حُطم من البيت، أي: كسر. كذا في كتبنا».«الجامع اللطيف»(ص46).

ووافق العلماء المتقدمين: العلامة محمد علي بن محمد عَلَّان المكي(ت1057هـ)، فقال: «الحجر بكسر الحاء: أي المحجور لأنه كان عليه حظيرة وزريبة لغنم إسماعيل عليه السلام ويسمى بالحطيم، أخرج أبو داود عن ابن عباس قال: «الحطيم الجدار» يعني جدار الكعبة، قال في «البحر العميق»: والمشهور عند الأصحاب أن الحطيم اسم للموضع الذي فيه الميزاب بينه وبين البيت فرجة سمي حطيمًا لأنه حطيم من البيت أي: مكسور منه فعيل بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول، وقيل بمعنى فاعل لأنه جاء في الحديث: «من دعا على من ظلمه فيه حطمه الله»، قال: وسمي حجرًا؛ لأنه حُجر من البيت أي: منع منه ويسمى حظيرة إسماعيل عليه السلام؛ لأن الحجر قبل الكعبة كان زربًا لغنم إسماعيل عليه السلام. «الفتوحات الربانية على الأذكار النووية» (3/63). 

القول الثالث : ما ذكره المحب الطبري عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: الحطيم هو الجدار، يعني جدار الكعبة، وقد تقدمت الإشارة إليه تحت القول الثاني.

والقول الرابع : أن الحطيم هو الشاذروان، سمي بذلك؛ لأن البيت رفع وترك هو محطومًا، وهو أضعف الأقوال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبها: إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
25 ربيع الأول 1437هـ