عمر المضواحي وُلد يوم وفاته

ذكرني موت الصديق عمر المضواحي بعنوان مقالة كُتبت في رثاء الوالد قبل أكثر من 25 عاما هو (عظيم ولد يوم وفاته) كتبها الأخ الكريم الأستاذ صالح إمام، وكان وقتها موظفا بالغرفة التجارية بمكة المكرمة التي كان الوالد يرحمه الله يرأس مجلس إدارتها..


قال فيها الأستاذ صالح إمام: (صالح محمد جمال ساعة مولده حانت عند وفاته.. حضر حشد كبير من الكرام ساعة مولده.. سجلها التاريخ برتل من الدعوات والدموع والألقاب. ولد يوم وفاته وسيعيش بعدها خالد الذكر بالمعروف.

العظماء وحدهم يولدون يوم وفاتهم.. فالولادة اكتشاف جديد.. ولقد اكتشفنا عنه أشياء أخرى.. حب متدفق.. عرفان بالجميل.. ذكر بالخير.. فقدان لخليل.. أمواج متدفقة.. أناس متفرقة.. جمعها في بوتقة وألف منها واحداً.. له أكثر من بوتقة.. وكل واحدة جماعة وكل جماعة واحد.. هذا هو صالح جمال.. الأب.. الرئيس.. الإنسان.. المسؤول.. المعلم..

فهل أحد يعرف إنسانا مثل هذا.. يرحمك الله رحمة واسعة يا أيها الإنسان..) انتهى.

وفي ظني أن الكثير مما ذكره الأستاذ صالح إمام وعبّر عنه من انطباعات ومشاعر تجاه الوالد ينطبق على مشاعر وانطباعات بعض القراء ممن لا يعرفون أخي الأستاذ عمر قبل وفاته.. فقد اكتشفوا إنسانا عظيما في مهنته الصحافية وفي حبه وتقديسه لمكة المكرمة والمدينة المنورة وما تحتويانه من آثار ومواضع نبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام..

ومر بنا بعد وفاة الوالد يرحمه الله بعض الكرام الذين قالوا لنا بأنهم أحبوا الوالد من خلال ما كتب في رثائه رغم أنهم لم يعرفوه من قبل، وهذا ما قرأته وسمعته من بعض الإخوان بعد قراءتهم لما كُتب عن أخي الأستاذ عمر المضواحي.. فقد أحبوه ودعوا له بالرحمة من خلال ما عرفوه مما كُتب عنه يرحمه الله..

وعمر المضواحي الذي امتدت معرفتي به وصحبتي له على مدى ثلاث سنوات هي سنوات عمر مبادرة معاد لتعزيز الهوية المكية والعناية بالآثار والمعالم التاريخية.. هو صاحب قيم يحبها الإنسان السوي بطبعه..

فهو صاحب مبادئ يلتزمها ويثبت عليها لاعتقاده بصوابها.. لا يتلون بمرور الوقت ولا بتغير المواقف.. تجده دائما ملتزما بما يعتقد أنه الصواب مهما كلفه هذا الالتزام..

وعلى المستوى المهني لا يتنازل عن أصول المهنة وما تفرضه من احتراف ومصداقية وموثوقية.. فهو من القامات الصحافية النادرة في التزامها..

وهو في حبه لمكة المكرمة والمدينة المنورة ولآثار النبوة كذلك صاحب ثبات وصلابة، فهو يقدّسها وينتفض عند المساس بقدسيتها..

وقد شهدته مراراً في لقاءات معاد مع عدد من الجهات الرسمية وهو ينتفض واقفا عند الحديث عن مكة المكرمة مدافعا عن قدسيتها وآثارها وجبالها.. كان يستفزه الحديث عن مكة وآثار النبوة فيها باعتبارها موردا اقتصاديا يجب استغلاله.. يرفض الحديث عنها بمفاهيم الربح والخسارة المادية، ويرى أنها أرفع وأقدس من أن تعامل وفقا لهذه المفاهيم وهذه النظرة.. ترى الحرقة في كلماته وتعبيرات وجهه وجسده..

وبرغم كل عصبيته وانفعاله إلاّ أنه ملتزم وبشكل دائم بأدب الكلمة والاحترام لكل أحد، لا أذكر أنه في كل المواقف خرج عن هذا الالتزام رحمه الله..

صحبته في رحلتين الأولى للمدينة المنورة وينبع والعلا ومدائن صالح، والثانية إلى مدن الأندلس، وكنا نتحاور ونختلف اختلافا حادا حول بعض الأوضاع والأفكار وهو اختلاف شهده بقية أفراد الصحبة وشهدوا أنه اختلاف لم يفسد للود والمحبة والأخوة قضية.. رحم الله عمر المضواحي صاحب القلب النقي والمعدن الصافي..

صحيفة مكة 1437/3/18هـ