قصتي مع عمر المضواحي والفول وخفايا الصحافة و10 ساعات من النقاش

الصحافي هو الأسلوب، وعمر كان الأسلوب.

تفضل علي عمر المضواحي ـ رحمه الله ـ وهو قامة وخبرة صحافة مكثفة امتدت لأكثر من 25 سنة بإفطار وجلسة صباحية مطولة في جدة مطلع العام 2012، المضواحي كان بالنسبة لي ترمومتر الصحافة الورقية التقليدية، كيف أصبح حالها وماذا يمكن أن نفعل بها. حين خرج من الوطن عام 2011 جلس عمر المضواحي في منزله بلا راتب، هكذا هي الصحافة الورقية فجة خطرة وعصية. كان عمر مستقلاً، فهو الوحيد من جيله ممن تمسكوا بالولاء للصحافة المكتوبة، كان يحاول أن يقول أن الصحافة المكتوبة ـ ليس الإعلام أو العلاقات العامة أو التلفزيون ـ هي أم الإعلام، أو كما تعلم جامعة الملك عبدالعزيز في قسم الصحافة، والتي يتحدث عن أساتذته فيها وحتى اليوم بانبهار شديد. كل تقاليد الصحفي الورقي كانت متجسدة فيه، بكل بريقها ودقتها وعزتها، وحين عاد إلى صحيفة مكة كمراسل صحفي عاد براتب رئيس تحرير.

تناولنا فطورنا في محل فول شعبي اسمه “فول عباس”، في حي بني مالك، كانت الساعة السابعة صباحاً وبعدها ذهبنا إلى أحد المقاهي بجوار مبنى تهامة في حي الحمرا حيث يسكن عمر، دفعت حساب الفول ودفع هو حساب المقهى، وجلسنا نتحدث. وطال حديثنا حتى منتصف النهار.

علمني عمر تاريخ الصحافة السعودية الحديث، الأشخاص، أساليب الكتابة ومصطلحات الصحافة الورقية، الحيل والمماحكات، حكايات الصعود في السلم المهني، والأحداث التاريخية، أخلاقيات المهنة وشرفها، علمني بدايات داود الشريان وتغيراته مثلاً، وتفاصيل حكاية إقالة جمال خاشقجي من صحيفة الوطن عام 2010، حكايا كل الجيل الذي خرج من مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث، والمدهش عن تحولات الشركة السعودية للأبحاث والنشر ..لاحقاً للأبحاث والتسويق من الصحافة إلى شيء آخر.

كانت خلطة عمر الصحفية هي ببساطة أن يدهش القارئ، أن يجعل من القصة الصحفية العادية شيئاً رائعاً له صورة ورائحة تخلب الألباب، كان يحارب الإنشائية ويرفع كعب صاحبة الجلالة باللغة الرفيعة والمصادر والصور ثم يتمدد ليمتعك بتاريخية القصة الصحافية التي يكتبها واخيراً يطبع القصة بلمسة الأنسنة في كل ما يكتب.

لم يكن عمر المضواحي متواضعاً، كان معتداً بكل هوياته المتداخلة، فهو المسلم المكي، السعودي الحجازي، وهو الصحافي والصحافي فقط، كان يعلم جيداً أن اسمه يوزن بالذهب في سوق الصحافة، وأن قصصه تعرف طريقها إلى الصفحة الأولى، لكنه كآخر الصحفيين الورقيين المحترمين يعلم أن هناك ما يستحق أن يتعلمه من جديد.

حين عدت قبل عام إلى السعودية كلمت عمر، هللوو إتز مي.. كيف السبيل إلى وصالك دلني. اخبرته عن جلستنا السابقة والتي استمرت خمس ساعات متواصلة، على أمل أن تتكرر، اخبرني وكما هي عادة المكاوي الأصيل أنه ينتظر لقائي بكل الأحاديث والقصص التي نحتفظ بها خلال ثلاث سنوات منذ لقائنا الأول، وكما هي تقاليدنا افطرنا سوياً ثم ذهبنا إلى المقهى في الحمراء، كان حديثنا الأخير عن صحيفة مكة الناشئة، عن شغفه المتجدد بالمشاعر المقدسة، عن القضايا التي اثارت الجدل والتي كان شاهد عيان عليها ووثقها صحفياً مثل مفتاح باب الكعبة ومكان المولد النبوي في مكة، وعن مقاله الطويل والأخاذ عن عبدالرحمن الراشد رئيس قناة العربية. ولكن أمراً جديداً طرأ على أفكار عمر هذه المرة، وهو إلحاحه الشديد لمعرفة تفاصيل الصحافة الغربية، ماهو الجديد ومن هو المستهدف؟ كيف يفكر المبتعثين؟ كان يتطلع نحو المستقبل ويريد أن يصل محتواه الغني إلى شرائح مختلفة وبطرق مختلفة.

لطالما تخيلت عمر دائما كصفحة أولى، بمانشيت عريض “سامحونا. ولكنني سأبقى في ذاكرتكم”..

 

عين اليوم | بقلم : سعيد الوهابي 1437/3/13هـ