عمر المضواحي.. الحياة تسامح!
كنتُ إذا سألت السيد عمر المضواحي ممازحاً لماذا لا تكتب عن أصحابك بقلمك الآخاذ؟ قال لي: أنا لا أكتب عن أصحابي، ليس لأنني لا أريد، بل لأنني لا أستطيع أن أوفيهم حقهم، لقد كان مؤمناً إيماناً حاداً بحيادية الصحافي، وعدم خلط مشاعره أو آرائه الشخصية في ما يكتب أو عمن يكتب.
وعلى رغم أن عمر الصحافي الباذخ في مهنيته، الوارف في مشاعره، كتب حتى عمن يختلف معهم، إلا أنه كان يؤكد دائماً: «خلافي مع الناس لا يمنعني من إنصافهم»، وقد كان.
بقي وما زال حتى بعد واراه الثرى أبرع من كتب في فن البروفايل الصحافي على الإطلاق، وتناول في ذلك الفن النادر والصعب الكثير من الشخصيات الإعلامية والعامة، إلا أنه تردد كثيراً في الكتابة عن أصدقائه ومحبيه، تعففاً وورعاً من الوقوع في فخ المجاملة أو الكتابة بعين المحب.
اليوم أجد نفسي يا عمر مدفوعاً للكتابة عنك، واليوم أعرف على وجه الدقة لماذا كنت ترفض الكتابة عن أصحابك، وأعرف يقيناً أنني لن أوفيك حقك مهما بذلت.
التقيت عمر قبل ما يزيد على 20 عاماً، رفقة صديقنا الثالث «مجدي وعدو»، في أروقة الشركة السعودية للأبحاث، عندما كان عمر المضواحي صحافياً عاملاً في مجلة المجلة، لم أكن أعرفه بعد، إلا أن مجدي أصر على تعريفي على السيد عمر، مؤكداً أننا نتقاطع جميعاً في كثير من الأحلام والطموحات والقيم الصحافية والإنسانية، منذ تلك اللحظات التي تمضي كما النور، وتسيل كماء الأحداق، بقي عمر في النفس واستوى على القلب.
بقي حبه العميق لمكة حجراً وتراباً وكعبةً وماءً مقدساً، لغز الألغاز لمن لا يعرف هذا المكي الذي اشتعلت روحه بالمكان الذي خطت منه الرسالة، وتصاعدت في طرقاته أنفاس الصحابة وتجول في بطحائها الرسول وأهله.
استحالت مكة حباً جارفاً عاصفاً، حمل جسده الرقيق ما لا طاقة له به، كان هياماً لا يضاهيه شيء، كان يقسو على نفسه متنقلاً بين أوديتها وجبالها، يصور ويوثق البقية الباقية من تلك الآثار حينا، وشيئاً من بطحائها وأشجارها ومساجدها المعمورة منها والمهملة حيناً آخر، ولن أنسى شكواه من طبيبه الذي حاول منعه من العمل الصحافي قبل أربعة أعوام، قائلاً له: إما أن تترك الصحافة يا عمر أو ستقتلك.
لم يستمع لطبيبه ولا لمحبيه، فهل تسمع الأذن والقلب صوتاً غير صوت من لازم غار حراء، واتكأ في جبل ثور، وغفى في تُربات الأبواء.
خاض معارك صحافية، أو لنقل مدافعات عن قدس الأقداس كما كان يسميها، عن مائها المقدس، عن أسطوانات وأعمدة حرمها العتيق، وعن قبابها الأموية ورواقها العباسي، لكنه أبداً لم يكره أحداً، ولم يضر أحداً، إيماناً منه أن خلافه لا يتعدى صفحات الورق الذي يكتب عليه، ألم تكن أشهر عباراته «الحياة تسامح».
بالأمس، كنت مع صديقنا المشترك كميل حوا، الرسام والمثقف العربي الكبير، نتلمس آخر ذكرياتنا معك، هل تذكر أيها السيد عندما قلت لي في آخر لقاء لنا جمعنا قبل أيام في مقهى في جدة: «الصاحب عديل الروح».
لعلي وأنا في غمار هذا الحزن الكبير عليك، لا يطيب خاطري قليلاً إلا عندما أعرف أنك ستلتقي أخيراً بوالدتك التي لم تعرفها بعد يُتم دام 49 عاماً، والدتك الفاضلة ابنة الكرام وابنة البادية، متيقناً فرحة لقائك بها، وارتمائك بين أحضانها التي افتقدتها طوال عمرك، في الوقت الذي كان حضنك وصدرك ملاذاً الكثير من أحبابك.
الحياة | بقلم : محمد الساعد 1437/3/12هـ
0 تعليقات