رحم الله عمر المضواحي

انتقل إلى رحمة الله زميل صحافي جمعتني به ذكريات، وأحلام كان يكدر صفوها أحيانًا سيور الأيام، وقسوة الحقائق، وهو الزميل عمر المضواحي، رحمه الله. عرفته منذ البدايات في صحيفة «الشرق الأوسط»، ومنذ كنت متعاونًا بالقطعة، وكان يومها في مجلة «المجلة»، ثم تدرجت، وتعرجت، العلاقة.

تسلمت منصب مسؤول تحرير الصحيفة بمكتب جدة، ثم مدير التحرير بالسعودية، وكان عمر الجار الودود الذي يمر كل صباح بجوار مكتبي قائلا: «صباح الخير يا مولانا»، وكانت عبارته الشهيرة سواء كان غاضبًا، أو محابيًا. كان عمر أطيب من طيبته التي لم يميزها كونه قلقًا. كان صحافيًا بقلم روائي. انفعاليًا طيب القلب. حادًا، شديد الأدب. قاسيًا يرى أن القسوة حنايا الضلوع. تحسس من تغييرات في مجلة «المجلة»، وأقنعته بالانضمام لـ«الشرق الأوسط»، وكان مترددًا، حيث كان عفيف النفس بعناد، وتلك كانت أصعب سمة في شخصه، وذاك طبع المبدعين. وافق والتحق بالصحيفة، وسال حبر المفردة الجميلة في القصة السعودية.

كان يكتب بلا تكلف، وكأن المفردة إحدى حواسه. أبدع في البروفايل، والحوار، وتدريب المبتدئين في الصحافة بالصحيفة، كان يدافع عنهم بعناد، ثم يقسو قائلا: «لا بد من تعليمهم بحزم». وكان الوسيط، ومطفئ الحرائق، بيني وبينه الزميل موفق النويصر، نائب رئيس تحرير صحيفة «مكة» حاليا، ورفيق الدرب برحلة صحيفة «الشرق الأوسط». علاقتي بعمر كانت أشبه بعلاقة بحار مع بحر. تجادلنا ذات مرة حول تغطية الحوار الوطني بالسعودية، قال: «ليس لدي بطاقة دخول، وإذا كنت مصرًا فتحمل». لم أرد، وغادر. ويالها من مفاجأة.. عاد بحوار مع أحد حراس قاعة الحوار الوطني، استهله بمقدمة لافتة: «بيدين عاريتين وابتسامة معتذرة، يتولى محسن بن حسن العقدي مهمة حراسة ست وثلاثين عتبة تؤدي إلى قاعة جلسات اللقاء الثاني للحوار الوطني»! كان عمر ممن تنطبق عليهم عبارة أحبها حيث تلخص «لمعة» الصحافي اللمّاح، وتقول: «جميع الناس ينظرون إلى ما أنظر، لكنهم لا يرون ما أرى»، هكذا كان رحمه الله، ولا أتذكره إلا صحافيًا.. أحب الصحافة.

ذات يوم حاول محاورة الشيخ صالح الحصين، رحمه الله، رئيس الحوار الوطني حينها، واعتذر الشيخ بأن لديه فوبيا من الصحافة، فكتب المضواحي «بروفايل» لا أنساه، قال فيه: «الناس شهود الله في أرضه. بعد أن فشلت كل المحاولات في إقناع الرجل بالحديث. كان ثابتًا كجبال السروات في رفضه، معتذرا كنخلة عصيّة على جاني الرطب، مكتفيا بابتسامة منكرة. يقول: في علم النفس البشرية هناك حالات تعاني من الخوف غير المبرر، كالوحيد في الصحراء، أو المشرف على جدار عال. أنا واحد من هؤلاء.. فعندي فوبيا صحافة». رحم الله عمر وأسكنه فسيح جنانه.

الشرق الاوسط 1437/3/12هـ | بقلم : طارق الحميد (إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة "الشّرق الأوسط")