الراحل عمر المضواحي

 

حزنت وأُخذت على حين غرة بوفاة العزيز عمر المضواحي، أبو محسن، الصحافي العاشق للصحافة حدّ الوله.

فجر أمس، ودع عمر الحياة وهو في مستهل الخمسين، وكعادته رحل دون سابق إنذار، كما كان يفعل حينما يضيق به المقام، وتأبى روحه المتمردة القرار على مكان ما.

عمر المضواحي لمن لا يعرفه، هو صحافي سعودي «محترف» خاصة في فنون الكتابة عن الشخصيات والأمكنة، كما في شعاب العمل الصحافي الأخرى، فهو من أدرى الناس بشعابها.

عرفته قبل أكثر من 15 عاما في جدة، عاصمة البحر الأحمر، بمقر الشركة السعودية للأبحاث والتسويق القديم، عند الكبري المربع على طريق المدينة المنورة، كنّا للتو ننضم لمكتب جدة التحريري لـ«لشرق الأوسط»، وكان الأستاذ طارق الحميد، رئيس تحرير «الشرق الأوسط» الأسبق، هو رئيس المكتب، وكانت مرحلة حماسية في خضم الحرب مع تنظيم «القاعدة» في السعودية، وانفتاح البلد على أفق اجتماعي ومناخ إعلامي جديد. كان عمر زميلنا، الأقدم، في الدور نفسه، ولكنه كان في مجلة «المجلة»، غير أنه بسبب حبّه للعمل الصحافي أيا كان لونه وعنوانه، كان كثيرا ما يمر بنا في مقر المكتب مع الزملاء، موفق النويصر، بدر المطوع، عبد الرحمن المطوع، أحمد عزوز وغيرهم، يشترك في نقاش فكرة صحافية أو مشروع تحقيق صحافي، أو يخبرنا عن قصصه وأعماله الصحافية في «المجلة».

أبو محسن كان شعلة من النشاط، ثم انضم لاحقا لـ«الشرق الأوسط» مديرا لمكتب جدة ثم السعودية، ثم غادر بعدها لجريدة «الوطن» الفتية حديثة الولادة، بكل جموحها ومذاقها الجديد في السعودية في بداية الألفية الجديدة، وأخيرا ألقى عصا التسيار في جريدة «مكة» «آخر العنقود» في الصحف السعودية. لمكة ووديان الطائف ومساجد المدينة مكانة خاصة في قلب عمر، فهو عاشق لتاريخ المدينتين المقدستين، منغمس بشكل روحاني في رموزهما، ترجم ذلك في جملة من أعماله الأخيرة، في الشوط الأخير من ركضه الصحافي في تحقيقات واستقصاءات جمعها بمدونته: (روبابيكيا صحافي). وذيل هذا العنوان بجملة مضواحية تنهل من روحه: مجرد محاولة لاجتراح عالم الصحافة في السعودية.

كتب في الأخير عن شاذروان ابن الزبير بالحرم، وعن المسجد النبوي وزيارة النساء، وعن الحديبية، وغير ذلك من نسائم الحجاز.

لكن عمر لا يحصر فقط بهذه الصفحة، بل هو مشوار صحافي حافل امتد أكثر من ربع قرن، تميز فيه آخر الأمر بكتابة «البروفايل» الصحافي عن الشخصيات، كان ممن تناولهم بريشته في غالبهم من أهل الصحافة.

وداعا عمر.

 

الشرق الاوسط 1437/3/10هـ |