روح مكة وريحانها


قبر الفقيد
  • طارق الثقفي - مكة المكرمة

ربما تكون الكتابة عن قامة صحفية بحجم عمر المضواحي، حتى ولو تأبينا، مغامرة صحفية محفوفة بالمخاطر، فهو سليل العملقة الصحفية، والربان المبحر في كل الدنيا، وواحد من ألمع الصحفيين.. ذكاء ودهاء واستثناء. هو نقطة آخر السطر وانتهت، لا تعقب بحاشية أو توضيح.

ذلك المعلم ـ كما يطلق عليه المقربون ـ والجهبذ الذي يسرقك تأنقا بمفرداته وسقياه للمعرفة والثقافة، عمر المضواحي الذي تشبث بحب مكة، هام واستأسد في حبها، واختال جذلا وهو يفتش بين ركام آثارها، تسبق أحرفه أدمعه وخطواته حشرجة صوته وهو يلتف بعباءة المحب، وينسدل في أتون هيامه بأقصى التجليات مع مكة.. تلك المدينة التي بادلته شعور المحب، فلم يتوان وهو يشحذ قلمه ويروم في خلجاتها من دون خداج أو مواربة، حتى وافته المنية، ودفن في مقبرة المعلاة، وسط تاريخ وآثار الديار المقدسة التي طالما دافع بضراوة وببسالة عن جميع معالمها.

المضواحي الذي اشتهر بكتابة البروفايل الصحفي، والقصة الصحفية المصنوعة، قدم نمذجته الخاصة وهو يغوص ويتحلل في كينونة الشخوص ويبعثها من مرقدها بطريقته المتفردة، فأتعب من بعده في امتشاق الحرف واستنطاق المفردة، إذ به ينقلك من حيث تدري ولا تدري إلى آفاق لا تنتهي من سحر.

التقط عمر المضواحي أول صورة في تاريخ الصحافة من جوف الكعبة ونشرت بصحيفة المسلمون إبان عمله فيها قبل نحو 20 عاما

ما إن نما للوسط الصحفي نبأ موته حتى أضرمت وسائل التواصل الاجتماعي خبر الوداع، لتنبلج الأدمع من أحداقها، مفارقة روحا أتعبت جسدها بالفكروالإيمان الكامل بالمادة الصحفية، التي أصبحت في عصره غدقا مجللا، ونماء معرفيا قل نظيره، فهو صاحب الصنعة في يديه.. بضاعته لا تراها إلا في دكانه الصحفي، تنظرها فقط على أرففه وعند عتبة الجادة التي يقطنها.