تطورات مرض و علاج سادن الكعبة الثامن.. في العهد السعودي

 

على مسافة 50 كلم من البيت العتيق الذي يحمل مفاتيح مقدساته، وبعيدا عن مكة الله والنبي محمد، أحب البلاد إلى قلبه، يرقد كبير سدنة بيت الله العتيق الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي منذ الأحد الماضي في جناح التشريفات رقم (2) في الطابق الأرضي المخصص لكبار الشخصيات، تحفه رعاية الله ولطفه، ومتابعة عيون وقلوب أبنائه وأسرته المُحبّة، ومهارة فريق طبي متخصص، بعد تحسن واضح في وضعه الصحي وتطوراته المطمئنة.


كان كبير السدنة (74 سنة)، وقبيل دخوله الخميس الماضي إلى مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني في ضاحية بحرة (شرق جدة)، يمضي في منزله فترة نقاهة في شكل طبيعي مما ألم به بعد حادث سقوط عارض نتج عنه كسر في عظمة الحوض، وتناول وصفاته الدوائية والعلاجية لمرض الكبد، والسكري بحسب توصيات الأطباء المشرفين على حالته وسجله المرضي.

السديس وسادن الكعبة

على سريره الأبيض، بدا كبير مكة وعين أعيانها، هادئا تكسو ملامح وجهه ومنابت لحيته البيضاء، أنوار القناعة والاحتساب والرضا بقدر الله وألطافه السابغة. يستجيب لزائريه بصوت الحمد والرضا بقضاء الله وقدره، وشكر حاجب البيت العتيق كلّ من قام بعيادته في مرضه، وجميع من شمله في صالح دعائه وكل من تمنى له مخلصا الشفاء العاجل.

وتلقى كبير سدنة بيت الله العتيق صباح أمس الأول، اتصالا هاتفيا من إمام وخطيب المسجد الحرام الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الدكتور عبدالرحمن السديس اطمأن خلاله على صحته وسلامته.

وقال عبدالله بن عبدالقادر الشيبي إن الشيخ السديس أبلغ والده خالص أمنياته ومسؤولي رئاسة الحرمين الشريفين بالشفاء العاجل، داعيا له بأن يمده الله بالصحة والعافية. وأكد أن الرئيس العام حرص على إبلاغ الوالد نيته وكبار مسؤولي الرئاسة بزيارة قريبة لكبير سدنة بيت الله الحرام في المستشفى.

وخلال الوقت المخصص لزيارة المرضى بين السادسة والثامنة مساء، رصدت «مكة« حضور عدد من رجالات وسيدات عائلة آل شيبة، وأصدقاء ومعارف ومحبي كبير السدنة يترقبون فوق كراسي قاعة الانتظار؛ الإذن لهم بزيارة الشيخ لدقائق محدودة في جناحه المخصص له، بحضور زوجاته وأبنائه وبناته الذين يحيطونه بالتناوب بكل عناية ورعاية واهتمام.

السيسي والكعبة
وجريا على أقدم تقليد عائلي في الأرض، احتفظ كبير سدنة بيت الله الحرام وحامل سرّ الولاية الخالدة التالدة في حجبة الكعبة المشرفة، بمفاتيح البيت العتيق ومقصورة مقام إبراهيم عليه السلام، في عهدته وحوزته كما تقضي تقاليد العائلة القرشية منذ أكثر من 16 قرنا مضت في الجاهلية والإسلام.


وخلال زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للمملكة العربية السعودية الأحد 13 شوال الماضي الموافق 10 أغسطس 2014م وعقب صدور التوجيه الملكي الكريم، أصرّ كبير سدنة بيت الله الحرام رغم وضعه الصحيّ القيام بوظيفته الدينية المتوارثة، والوقوف على رتاج الكعبة المشرفة لفتح بابها لضيف الدولة الكبير.


ويؤكد أكبر أبناء السادن أن والده صمم على القيام بمهمته من جهة، ولكي يؤدي الصلاة في جوفها وإخلاص الدعاء لرب البيت العتيق بأن يخفف عنه ما ألم به من العارض الصحي الأخير.


وأضاف عبدالله: رضخنا لطلب السادن، وتم الحجز في فندق مطل على الكعبة المشرفة، وظل طوال الوقت يؤدي الصلاة وهو يشاهد بيت الله العتيق، حتى تم إبلاغنا بقرب وصول موكب الرئيس المصري إلى المسجد الحرام.


وفي لقاء سابق أوضح الشيخ عبدالملك بن طه الشيبي وهو أخ للسادن، أن كبير السدنة من آل بني شيبة يتولى عملية فتح باب الكعبة المشرفة باستمرار، وعند طلب كبار الضيوف من الملوك والرؤساء والأمراء، وكانت كذلك تفتح سنويا للمشاركين في مسابقة تحفيظ القرآن الكريم. أما الآن (منذ عهد الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله) فلا تفتح الكعبة رسميا إلا مرتين فقط في العام وهي الأول من شعبان، ومنتصف المحرم للقيام بمراسم غسيل الكعبة وتعطيرها، أو عند التوجيه السامي لفتحها لكبار ضيوف الدولة، وفي حالات استثنائية.


اختيار السادن
بحسب الأعراف التقليدية في أسرة حجاب البيت العتيق في مكة المكرمة، يتولى منصب كبير السدنة الأكبر سنا، خلفا لسلف. ثم يحصل السادن الجديد على مباركة المقام السامي بهذا التكليف.

وقال الشيخ عبدالقادر الشيبي في حوار سابق (بتاريخ27 سبتمبر 2013) إن «عائلة آل الشيبي تتوارث السدانة كابرا عن كابر منذ الجاهلية وحتى اليوم. ونحن نتبع في تداول مهام السدانة على العرف الذي أمضاه النبي صلى الله عليه وسلم بتسليمها كابرا عن كابر من آل ابن أبي طلحة، كما كان يتم الأمر قبل الإسلام«.


مفتاحان للكعبة
شهد عهد سدانة الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي عدة تغيرات مهمة في عناية القيادة الرشيدة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، بالكعبة المشرفة أسوة بمشروع توسعة وعمارة المسجد الحرام التاريخية وغير المسبوقة.


ففي منتصف محرم 1434هـ، وجه خادم الحرمين الشريفين أمرا ساميا بصنع قفل جديد ومفتاح خاص، من الذهب الخالص وعلى نفقته الخاصة لباب الكعبة الداخلي. وهو باب صغير يعرف بـ«باب التوبة« في جوف الكعبة (خلف الركن العراقي) باتجاه حجر إسماعيل عليه السلام، حجم مقاساته واحد إلى ثمانية مقارنة بحجم باب الكعبة الرئيس، يفتح على درج كالمعراج صنع من زجاج خاص وسميك يؤدي صعودا إلى سطحي الكعبة المشرفة الداخلي والخارجي.


وكان قد تم تركيب باب التوبة بعد الانتهاء من الترميم الشامل لبناء الكعبة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله. (كان محله ستارة من الحرير الأحمر تخفي وراءها سلّم معراج إلى سطح الكعبة).


وبعد عمل المفتاح والقفل الجديد وجه الملك عبدالله أمير منطقة مكة المكرمة السابق الأمير خالد الفيصل بتركيب القفل الجديد للباب الداخلي في منتصف محرم 1434هـ الموافق (29 نوفمبر 2012م) بعد انتهاء موسم الحج، وتسليم مفتاحه الجديد لكبير سدنة البيت الحرام الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي. وبهذا يكون المفتاح الثالث في حوزة سادن الكعبة إلى جانب مفتاح الباب الرئيس لها ومفتاح خاص بمقام إبراهيم عليه السلام.


وفي العام الماضي أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بصناعة وتركيب مفتاح وقفل جديد من الذهب الخالص وعلى نفقته الخاصة للباب الرئيس للكعبة المشرفة، وأناب أيضا الأمير خالد الفيصل بتركيب القفل الجديد على الباب في 15 محرم 1435هـ الموافق 19 نوفمبر 2013م نيابة عنه حفظه الله، في مراسم غسيل الكعبة المشرفة، وتسليم المفتاح الجديد لكبير السدنة الحالي الشيخ عبدالقادر الشيبي.


وثالث لمقام إبراهيم
وكان الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله في عام 1387هـ قام بتوسعة المسجد الحرام وصحن الطواف ليتسع لأعداد أكبر بعد تطور وسائل النقل والمواصلات وزيادة أعداد الحجاج والمعتمرين من ضيوف الرحمن. وقضت التوسعة بضرورة إزالة مباني مقامات المذاهب الأربعة في المطاف، إلى جانب المبنى القديم لمقام إبراهيم عليه السلام.


وحافظ الملك الشهيد على المقام في مكانه ووضع عليه الغطاء البلوري والمقصورة المطلية بالذهب في شكله الحالي، واستدعى كبير السدنة آنذاك الشيخ أمين بن عبدالله الشيبي، رحمه الله، وسلمه مفتاح غطاء المقام، ليكون ثالث مفاتيح المقدسات الإسلامية في البيت العتيق، والتي تكون في حوزة كبير السدنة حصرا.


وبهذا يكون السادن الحالي الشيخ عبدالقادر هو خامس من حمل مفتاح مقام إبراهيم عليه السلام عن أسلافه السدنة أمين بن عبدالله، ووالده محمد طه بن عبدالله، وعاصم بن عبدالله، وطلحة بن حسن ـ رحمهم الله.

 

سيرة ذاتية لكبير سدنة بيت الله العتيق

ولد الشيخ عبدالقادر بن محمد طه بن عبدالله بن عبدالقادر من بني عبدالدار بن قصي الشيبي القرشي العبدري الحَجبي المكي في العام 1361. وتولى مشيخة سدانة وحجابة بيت الله العتيق يوم الأحد غرة شهر ذي الحجة من عام 1431 إلى اليوم.


وبحسب كتاب طبقات حجاب الكعبة لمؤلفه السيد حسين الهاشمي (الطبعة الأولى 2013 عن مؤسسة الريان للنشر ــ بيروت) والذي كتب تقديما له سادن بيت الله الحرام الشيخ عبدالقادر الشيبي، التحق بعدة مدارس في مدينة الطائف في مراحل التعليم العام الثلاثة، قبل أن يلتحق بالخطوط السعودية حيث عمل بمطار الطائف، وحصل على عدة دورات في مجال عمله، ثم انتقل للعمل مديرا لمطار مدينة سكاكا والجوف (شمال السعودية) لمدة 20 عاما حتى تقاعد واستقر في مدينة مكة ومدينة جدة.


والشيخ عبدالقادر متزوج من عدة زوجات. وله ستة أولاد ذكور هم؛ عبدالله، وطه، وعبدالكريم، وإبراهيم، والحسن، والحسين. وله من البنات عشر. كما له خمسة إخوة ذكور على قيد الحياة هم حسين وعبدالملك ومحمد وعادل وممدوح. وتسع أخوات.


حجابة الكعبة
وحجابة الكعبة وسدانتها بمعنى خدمتها والقيام على بابها فتحا وإغلاقا. وولايتهم على بيت الله قررتها لهم الشريعة، وظيفة مؤبدة، وولاية خالدة تالدة، لأكثر من ألف وستمئة عام.


أقرت الشريعة بني عبدالدار بن قصي القرشي كما كانوا هم الحجبة في الجاهلية.


كان المفتاح يوم الفتح عند شيبة بن عثمان الأوقص بن أبي طلحة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم طلبه من عثمان بن طلحة بن أبي طلحة لأنه كان مسلما يوم الفتح فجاء به من عند ابن عمه شيبة، ففتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكعبة بيده ودخلها، ثم أمر عثمان أن يغلق الباب بعد ما صحب معه إلى جوفها بلال بن رباح، وأسامة بن زيد (رضي الله عنهم)، ثم إن النبي لما خرج من الكعبة ردّ المفتاح إلى عثمان، وقَصَرَ النبي عليه الصلاة والسلام الحجابة على بني طلحة عبدالله بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار القرشي العبدري.


وقع خلط كبير بين شيبة بن عثمان الأوقص، وابن عمه عثمان بن طلحة، كما وقعت أوهام كثيرة في الروايات منذ العصور الإسلامية الأولى.


شيبة بن عثمان الأوقص هو الذي فتح الكعبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إبّان حجته، وليس في يوم فتح مكة.


نسب الحجبة الحاليين موصول بشيبة بن عثمان الأوقص العبدري، ولا انقطاع فيه؛ ولا شبهة تعتريه، ولا عبرة بقول المغرضين الذين يزعمون أنهم موالٍ أو أدعياء.


وظائف كبير السدنة في بيت الله الحرام

حمل مفاتيح أبواب الكعبة المشرفة وتولي مسؤولية العناية بها من غسيل وتعطير وعناية بكل أجزائها، مع الإشراف على تنظيم دخول وخروج الرجال والنساء من جوف الكعبة في جميع المناسبات الرسمية.


تولي مسؤولية تركيب كسوة الكعبة المشرفة والإشراف على صيانتها بمعاونة من الأغوات (موظفين لمساعدة السادن سابقا) قبل أن تتولى رئاسة الحرمين عملية الإشراف على تغيير وصيانة كسوة الكعبة المشرفة.


صيانة ونظافة مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام وقبته المصنوعة من الكريستال الخالص وسياجه المطلي بماء الذهب عند الحاجة إلى ذلك.

المصدر : صحيفة مكة 1435/11/15هـ / من اعداد : عمر المضواحي