شموع وقناديل المسجد الحرام في العصر العثماني

يحتوي الإرشيف العثماني في اسطنبول بتركيا على ما يقرب من مئة وخمسين مليوناً من الوثائق ، وتكوّن وثائق الحجاز كمية هائلة من تلك الوثائق حيث تقدّر بعشرات الآلاف ، وذلك لإهتمام العثمانيين بالحرمين الشريفين والحجاز كونه مهبط الوحي وقبلة المسلمين ، وقد بدأ اهتمامهم بالأماكن المقدسة وأهلها في عهد  بايزيد الأول (792-805ه) قبل ضم السلطان سليم الأول الحجاز للدولة العثمانية بأكثر من قرن ونيف حيث أرسلوا مساعدات مالية عرفت فيما بعد باسم ( الصرّة ) لتوزيعها على أهالي الحرمين الشريفين ولم يكن هناك دافع للدولة وسلاطينها سوى الوازع الديني لما لهذه البقاع المقدسة من مكانة في قلب كل مسلم .

وفي إحدى الوثائق في دفاتر المهمة في الإرشيف العثماني ، ( مهمة دفتري 6 ص 46-47 حكم 93) ، بتاريخ 27 محرم 972ه/14 ايلول- سبتمبر 1564م ، في عهد السلطان سليمان القانوني ، تتحدث هذه الوثيقة عن مسألة الإضاءة في الحرم المكي الشريف ، وطبقاً لما ورد في هذه الوثيقة فإنه كان يتم الاستعانة بولاية مصر لتزويد الحرم بخمسين مناً من الشمع لاستخدامها في إضاءة المقامات الأربعة وفي محيط المطاف ، وذلك في أوقات صلوات المغرب والعشاء والصبح وبشكل مستمر ، ويبدو أن هذه الكمية كانت قليلة لا تفي بالغرض المطلوب ، ولهذا كان التنوير يقتصر على الليالي المظلمة دون المقمرة ، حتى ذُكر أن الصلاة كانت تقام أحياناً دون إضاءة ، الأمر الذي كان فيه المسنون والضعفاء وضعاف البصر يلاقون صعوبة في الإقتداء بالإمام عند إقامة الصلاة ، كما لا يتم اشعال الشموع في ليالي رمضان حيث تقام صلاة التراويح ، وكما أنه كان يتم اشعال 387 قنديلاً في الحرم الشريف والمقامات ، وكان يتم إيقادها جميعاً بعد المغرب وحتى صلاة العشاء ، ثم يتم اطفاء 285 قنديلاً منها بعد الصلاة بسبب قلة الزيت ، وتستمر القناديل الباقية 102 قنديلاً مشتعلة حتى الصباح ، وكان في المطاف 212 قنديلاً يبقى منها 40 قنديلاً مشتعلاً حتى الصباح ، وتطفأ القناديل الباقية بعد صلاة العشاء ، وكان في المقام الحنفي والشافعي 13 قنديلاً ، يتم اشعال خمسة في كل منهما حتى الصباح ، أما في المقامين المالكي والحنبلي فكان هناك 8 قناديل ولا يشعل منها إلا قنديل واحد حتى الصباح ، ولم تكن هذه الإضاءة كافية ؛ بل كان يتطلب زيادة القناديل المشتعلة حتى الصباح ، الأمر الذي تطلب زيادة كمية الزيت المستخدمة في إيقاد القناديل ، وفضلاً عن هذا فإن الزيت المستخدم في هذه القناديل غير صافٍ مما يؤثر على ضوء القناديل ، وذلك لعدم توفر زيت الزيتون في المنطقة ، ولهذا طلب المشرف على إيصال قناة المياه إلى مكة زيادة كمية الزيت المستخدمة ب 150 قنطاراً آخر حتى يكون كل ركن من أركان المسجد الحرام مضاء ، وبذلك صدر الأمر السلطاني إلى بكلر بكي مصر بتهيئة عشرة شمعدانات كبيرة مع عشرة شموع من شموع العسل ، كل واحدة منها عشرة أواقي بحساب أوقية الروم ، وتهيئة ستة قناطير من شموع العسل ، كل قنطار50 مناً ، ليتم إيقادها في محيط الكعبة الشريفة و 150 قنطاراً من زيت الزيتون الصافي لإيقاد القناديل ، على أن يتم إرسال كل ذلك سنوياً من مصر .

حيث جاء الأمر السلطاني في الوثيقة وبعد التفاصيل السابق ذكرها إلى بكلر بكي مصر ودفتردارها    (إبراهيم ) ، كما يلي :

"عند وصول حكمي الشريف ، تقوم بتهيئة العشر شموع من شموع العسل البيضاء المخصصة للشمعدانات المذكورة ، والستة قناطير من شموع العسل ومائة وخمسين قنطاراً من زيت الزيتون الصافي في كل سنة وتخصيص الأجور اللازمة لنقلها من خزينة مصر ، وتسجل كل ذلك في الدفتر ليتم ذلك مقرراً ومتواصلاً حتى يواصل مقيمو الحرم الشريف ومجاوروه الدعاء لدوام دولتي وقيام ثبات هيبتي" .


نص الوثيقة

 

 

 

المراجع :

1-  مجلة الوثائق العربية : الوثائق العثمانية في الأرشيفات العربية والتركية ، دارة الملك عبدالعزيز

2-  د. فاضل بيات : البلاد العربية في الوثائق العثمانية ، المجلد الثالث

3-   الإرشيف العثماني : مهمة دفتري 6 ص 46-47 حكم 93

موضوع خاص بموقع قبلة الدنيا | بقلم : منصور مرزوق الدعجاني ( باحث متخصص في التاريخ والحضارة الإسلامية ) | 1437/1/5هـ