«الطوافة».. مهنة بدأت منذ قرون وما زالت مستمرة

 

"الطوافة" مهنة اختص بها أبناء مكة المكرمة منذ مئات السنين، والمطوفون أفراد توارثوا المهنة جيلاً بعد جيل، لكن بداية الطوافة، وأعمال المطوفين لازالت غائبة عن أذهان الكثيرين، ومع مرور الأيام والسنين، وبروز مؤسسات وشركات حجاج الداخل، أصبح البعض يرى أن أصحاب هذه المؤسسات هم مطوفون ينتمون لمهنة الطوافة فاختلطت الأمور وتعددت.

ولإيضاح تاريخ الطوافة وبدايتها الأولى ومراحل تطورها عبر العصور والأزمان، استضفنا المطوف والكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الطوافة وخدمات المطوفين أحمد صالح حلبي، ووقفنا معه أمام تاريخ هذه المهنة العريقة التي نالت من اهتمام الدولة الكثير.

 

 

مرشد الحجاج إلى مناسكهم

في البداية يقول أحمد حلبي لابد أن نعرف من هو المطوف، فهو من يرشد الحجاج إلى مناسك حجهم، ويعمل على توفير الخدمات لهم منذ وصولهم إلى مكة المكرمة حتى مغادرتهم لها، أما الطوافة فهي مهنة متوارثة يقوم بها أشخاص معروفون بمكة المكرمة.

وعن بداياتها يقول الحلبي: تشير الكثير من المصادر التاريخية إلى أن الطوافة أول ما ظهرت عام 884ه على يد القاضي إبراهيم بن ظهيرة حينما كلف بتطويف السلطان قايتباي أحد سلاطين الشراكسة، وظلت داخل قطاع القضاة حتى عام 923ه حيث خرجت إلى الوجهاء، وقد أشار إلى ذلك أحمد السباعي عن محمد المياس الذي كان من أعيان مكة المكرمة وأحد وجهائها، والذي قام بتطويف أمير الترك " قانصوه باشا" الذي حج عام 1039ه، وكان أمراء مكة المكرمة يصدرون ما يعرف بالتقارير والتي يخصصون فيها مدناً محددة لحجاج معروفين، وقد شهدت التقارير عمليات إلغاء وإعادة على مر السنين.

الطوافة في العهد السعودي

ويوضح الحلبي أنه في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -يرحمه الله- وبعد دخوله مكة المكرمة في ربيع الأول عام 1343ه، نظر إلى تأمين كافة الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، فكانت البداية العمل على تأمين دروب الحجاج وطرقهم، والعمل على بسط الأمن ليصل الحجاج إلى الأراضي المقدسة منعمين بالأمن والأمان، أعقبها العمل على وضع تنظيمات جيدة تمكن قاصدي بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم من أداء فريضتهم بيسر وسهولة، فاصدر -يرحمه الله- أمره بالإبقاء على الطوافة كمهنة منحصرة لأبناء مكة المكرمة.

وتابع الحلبي: شكل المرسوم الملكي المنشور بجريدة أم القرى بعددها الأول الصادر يوم الجمعة الموافق 15 جمادى الأولى 1343ه تحت عنوان (هذا بلاغ) من لدن الملك المؤسس -رحمه الله- الضامن لمهنة الطوافة واستمراريتها، فقد نصت المادة الرابعة منه على: «كل من كان من العلماء في هذه الديار أو موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذو راتب معين فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئاً، إلا رجلاً أقام الناس عليه الحجة انه لا يصلح لما هو قائم عليه، فذلك ممنوع مما كان له من قبل، وكذلك كل من كان له حق ثابت سابق في بيت مال المسلمين أعطيناه منه ولم ننقصه منه شيئاً».

الخطوة الأولى لتنظيم الطوافة

ويواصل الحلبي: جاءت الخطوة الأولى لتنظيم الطوافة وتعريف مهامها في العهد السعودي بصدور نظام إدارة الحج في العشرين من ربيع الأول عام 1345ه، الذي حدد مهام وواجبات المطوفين والزمازمة والمخرجين والمقومين ووكلاء المطوفين بجدة ونقباء جدة ووكلاء المدينة المنورة، إضافة إلى وظائف إدارة الصحة العامة وواجبات الحجاج، وللوصول إلى المزيد من التنظيم والتطوير لخدمات الحجاج صدر المرسوم الملكي رقم 54/1/39 وتاريخ 23/2/1355ه بتنظيم أعمال المطوفين وتحديد مهامهم ومسؤولياتهم.

وجاء المرسوم الملكي رقم 14518 وتاريخ 21/10/1365ه بالموافقة على نظام وكلاء المطوفين ومشايخ الجاوا ليضيف اهتماماً آخر لمهنة الطوافة في العهد السعودي، ويدخلها مرحلة التطوير العملي والتنظيم الجيد للخدمات بعد أن تم إنشاء المديرية العامة للحج في نفس العام لتكون عملية خدمات الحجاج أكثر تنظيماً، إذ تضمنت مهامها استقبال الحجاج وتيسير إجراءات إقامتهم وسكنهم وتنقلاتهم، وقامت بإنشاء مخيمات لاستراحة الحجاج في المدينة المنورة وجدة، وقد بلغت ميزانيتها خلال ذلك العام 387 ألفاً و570 ريالاً ولم يكن مثل هذا الأمر مألوفاً لدى الحجاج من قبل.

تقسيم المطوفين إلى ثلاث طوائف

ويذكر الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الطوافة وخدمات المطوفين أن المرسوم الملكي رقم 7267 وتاريخ 3/11/1367ه جاء ليصادق على نظام المطوفين العام، معتبراً الطوافة «عبارة عن وظائف معينة يؤديها كل مطوف ثبتت معلمانيته بمقتضى تعليماتها المخصوصة، وهو دليل الحاج في مناسكه وجميع ما يتعلق بالحج، وهو المسؤول عنه ضمن اختصاصه بموجب هذا النظام»، واستبقى النظام على تقسيم المطوفين إلى ثلاث طوائف هي: طائفة المطوفين وتشمل مطوفي العرب والفرس والأتراك والأفارقة، وطائفة مطوفي الهند والباكستان، وطائفة مشايخ الجاوا.

وعد النظام «كل نسل المعلمين لظهورهم معلمون وما كان لآبائهم يكون لهم»، وبذلك يكون الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- قد أبقى الطوافة داخل أبنائها وأكد استمراريتها وعمل على تطويرها، وأعطيت الطوافة صفة المهنة في طلبات السفر إلى الخارج عام 1368ه أي بعد صدور نظام المطوفين بعام واحد، وشهد عام 1371ه صدور المرسوم الملكي بإلغاء الرسوم التي تؤخذ على الحجاج باسم رسوم الحج والإبقاء على عوائد أرباب الطوائف (المطوفون والوكلاء والادلاء والزمازمة).

تطورات متلاحقة للأنظمة والقوانين

ويتابع الحلبي سرد تفاصيل الأنظمة والقوانين المنظمة لمهنة الطوافة: في غرة صفر من عام 1372ه صدر الأمر السامي الكريم رقم 150 متضمناً المزيد من التنظيم والتطوير للمديرية العامة للحج، وشهد عام 1383ه صدور قرار مجلس الوزراء رقم 54 وتاريخ 27/12/1385ه بإصلاح وتطوير هيئات الطوائف وخدمات الحجاج، فيما شهد عام 1385ه صدور المرسوم الملكي رقم 12/م وتاريخ 9/5/1385ه بحل التقارير وإلغاء هيئات المطوفين الثلاث، ومنح الحاج الحرية في السؤال عن المطوف الذي يريده، وأحقية المطوف في خدمة الحجاج الذين يسالون عنه، فظهر على اثر ذلك ما عرف بنظام السؤال.

أعقب ذلك صدور قرار مجلس الوزراء رقم 347 وتاريخ 26/6/1385ه، والقرار الوزاري رقم 30/ق وتاريخ 27/10/1385ه، بتحديد اختصاصات مكاتب الطوائف وهيئاتها، من خلال إنشاء الهيئة العليا للطوائف والهيئات الابتدائية للمطوفين والوكلاء والزمازمة والادلاء، وفي عام 1395ه الغي نظام السؤال وأبدل بنظام التوزيع، حيث صنف المطوفون إلى فئات هي: مطوفو الدول العربية، ومطوفو تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا، ومطوفو الهند والباكستان، ومطوفو إيران، ومطوفو إفريقيا غير العربية، ومطوفو جنوب شرق آسيا، ووزع لكل مطوف متوسط يمثل عدد من يخدمهم من الحجاج، وحدد سقف أعلى ب 3000 حاج وحد أدنى ب 100 حاج.

إقامة مؤسسات طوافة تجريبية

في عام 1398ه طبق نظام الجمع بين السؤال والتوزيع، والذي منح الحاج حرية السؤال عن المطوف الذي يريده وحدد للمطوف خدمة عدد من الحجاج، كما صدر في نفس العام المرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/1398ه المتضمن الترخيص لوزير الحج والأوقاف بوضع اللوائح التنظيمية التي يتم بموجبها منح الرخص الجديدة، متضمنة شروط قيام مؤسسات الطوافة الجديدة طبقاً للأنظمة التجارية وفتح باب الانفصال.

وفي عام 1399ه صدر المرسوم الملكي رقم 4/ص/13162 وتاريخ 13/6/1399ه بالموافقة على فكرة إقامة مؤسسات تجريبية لرفع مستوى مهنة الطوافة وخدمات الحجاج، وتنفيذاً للمرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/1398ه صدر القرار الوزاري رقم 423/ق/م وتاريخ 3/11/1402ه متضمناً اللائحة التنظيمية للانفصال بين الشركاء في الطوافة، على أن ينطبق في طالب الانفصال ما تضمنه قرار مجلس الوزراء رقم 284 وتاريخ 27/2/1398ه، وكذا ما تضمنه المرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/1398ه.كما صدر القرار الوزاري رقم 19/ق/م وتاريخ 13/2/1403ه بإجازة انفصال الأنثى الشريكة في الطوافة عن شركائها إذا توافرت فيها الشروط المطلوبة في طالب الانفصال، وبشرط أن يكون لها ولد أو زوج قادر على العمل ومتمرس على شؤون الحجاج وبتوكيل شرعي معتمد.

بداية إنشاء مؤسسات للطوافة

وينوه الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الطوافة وخدمات المطوفين إلى أن المرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/3/1398ه المبني على قرار مجلس الوزراء رقم 284 وتاريخ 27/2/1398ه، قد أشار إلى قيام مؤسسات للطوافة، فان فكرة بروز المؤسسات استهدفت الانتقال من العمل الفردي الذي ألفه المطوفون إلى عمل جماعي منظم يستخدم الأسلوب العلمي، وهذا ما سعت إليه وزارة الحج والأوقاف منذ بروز مؤسسة مسلمي أوروبا وأمريكا عام 1399ه كأول مؤسسة للطوافة، غير انه لم يكتب لها النجاح لعدة أسباب، لعل أبرزها أن عدد مطوفيها لايتجاوز الخمسة مطوفين، كما وان مجموع حجاجها لا يزيد على خمسة آلاف حاج.

ولتدعيم فكرة المؤسسات عملياً، عمدت الوزارة إلى إدخال مطوفي حجاج تركيا في نطاق المؤسسة، فصدر القرار الوزاري رقم 444/ق/م وتاريخ 18/11/1402ه بإنشاء المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا، تلا ذلك صدور موافقة الوزير على إضافة اسم قارة (استراليا) لاسمها لتصبح المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا واستراليا، وشكلت هذه المؤسسة خطوة مشجعة للسير في تطبيق نظام المؤسسات، فظهرت في عام 1403ه المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج إيران، والمؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج جنوب آسيا.

وفي عام 1404ه برزت مؤسستان الأولى المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول الإفريقية غير العربية والثانية المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج جنوب شرق آسيا، واكتمل عقد إنشاء مؤسسات الطوافة بإنشاء المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية عام 1405ه، لتدخل بذلك خدمات الحجاج داخل منظومة العمل المؤسساتي.

المصدر : صحيفة الرياض 1436/11/28هـ