مكة تستضيف فقراء الحجاج بمنى القشلة

في اليوم الخامس من رمضان 1311، خرج أمير مكة الشريف عون الرفيق، والوالي أحمد راتب باشا، والقائد العسكري آصف باشا، وكبار العلماء والوجهاء والأعيان برفقة المهندسين المرسلين من السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، لاختيار المكان ووضع حجر الأساس لمبنى الضيافة لفقراء الحجاج الذي أراد السلطان إنشاءه في مكة ضمن المشاريع الإصلاحية التي كان يقوم بها من ماله الخاص.

وفعلا وضع حجر الأساس في منطقة جرول، حيث أنشئ المبنى الضخم الذي عرف في البداية بالمسافرخانة ثم عرف بالقشلة وإليه نسب حي القشلة التاريخي في مكة.

بني بأيد مكية، وروعي فيه أن يكون كثير النوافذ مرتفع الأسقف، حتى يتلاءم مع جو مكة وحرارتها.

وكان طول واجهته 150م تقريبا في 90 مترا، واستغرق بناؤه نحو سبع سنوات، حيث تم افتتاح هذا المبنى في 15 ذي الحجة 1318، بحضور الشريف عون الرفيق والوالي، وأمراء المحملين الشامي والمصري، والفرقة الموسيقية التي عزفت السلام السلطاني. وتكلف ما مقداره 90 ألف جنيه مجيدي ذهبي.

وقد وصف أمير الحج المصري إبراهيم رفعت في كتابه مرآة الحرمين هذا المبنى بقوله «بناء فخم، محكم البناء، يحتوي على طبقتين مسقوفتين بالحديد، تتخلله عقود الآجر الأحمر، والبياض متقن جدا في نعومة، وهو من مسحوق الرخام (النورة) والأرض مرصوفة بالبلاط، والجهتان البحرية والشرقية تم بناؤهما وبياضهما ورصف أرضهما، وللمضيفة بناء واسع، ونوافذها مصنوعة من الخشب المتين المطلي، ومفاصل الأبواب والنوافذ ومقابضها مصنوعة من النحاس صنعا متقنا، وبيوت الخلاء بعيدة عن مباني الحجرات حتى لا تؤثر في الجدران بالترشيح، ولا تشم روائحها الكريهة، وبها ناظر وخدم وطباخون».

وضع حجر الأساس لمبنى المسافر خانة الذي أراد السلطان عبدالحميد العثماني أن يكون نزلا لفقراء الحجاج في يوم 5/9/1311هـ، وتم افتتاحه رسميا في 15/12/1318هـ.

ويبدو أن هذا الموقع لم يستخدم كدار ضيافة كما رغب السلطان عبدالحميد، بل تحول بعد إنشائه إلى ثكنة عسكرية أو قشلة، حتى عرف الحي الذي قام حوله بحي القشلة نسبة إليها، وقد أشار محمد عمر رفيع في كتابه "مكة في القرن الرابع عشر الهجري" إلى أن السلطان عبدالحميد عندما علم ببعد هذا المبنى عن الحرم، والمشقة التي يعانيها الحجاج في الوصول إليه، أوكل إلى الشريف عون الرفيق شراء أراض قريبة من الحرم ليبني نزلا آخرا للحجاج، وفعلا تم شراء هذه الأراضي، وإزالة ما فيها من مبان، إلا أن وفاة الشريف عون وإعلان الدستور العثماني وخلع السلطان عبدالحميد حالت دون ذلك.

وبعد أن تحولت مسافر خانة أو مضيفة جرول إلى قشلة عسكرية، سكنها الجنود الأتراك النظاميين، قبيل سقوط الخلافة العثمانية، وكانوا يقيمون فيها احتفالاتهم، كما كانوا يقيمون حولها مناوراتهم العسكرية وتدريباتهم، وقد استضافت هذه الثكنة في 1318هـ، مجموعة من أهالي المدينة المنورة، ممن حكم عليهم بالنفي منها لوقوفهم أمام ظلم الوالي العثماني، فنزلها السيد أنور عشقي وعبدالسلام داغستاني مفتي المدينة والشيخ عبدالقادر بري ومحمد دشيشية وغيرهم.

وقد سقطت الثكنة بمن فيها من جنود في يد جيش الشريف الحسين بتاريخ 9/9/1334هـ، أي بعد شهر من إعلان الشريف حسين ثورته على الأتراك، وبعد سقوطها تحولت إلى مدرسة عسكرية علي يد البكباشي محمود القيسوني، إلا أن بعدها عن العمران جعلهم ينقلون المدرسة من الثكنة العسكرية بجرول إلى الثكنة العسكرية في أجياد.

المصدر : صصحيفة مكة 1436/10/25هـ - حسام عبدالعزيز مكاوي