«الشعيبة» حكايات «الكنز» و«الجن» و«المقبرة»

 

يمتلك شاطئ الشعيبة الواقع على بعد أكثرمن 90 كم جنوب مكة والمعروف ببحر(مكة)، تاريخا موغلا في القدم، فقد كانت الشعيبة الميناء الرئيس للجزيرة العربية قبيل العصرالإسلامي وفي سنة 26هـ/ 616م طلب أهل مكة من الخليفة عثمان بن عفان ـ رضي اللَّه عنه ـ أن يحول الساحل من الشُعَيْبة إلى جُدَّة لقربها من مكة‏، فخرج عثمان إلى جدة ورأى موضعها، وأمر بتحويل الساحل إليها.

ودخل عثمان البحر واغتسل فيه، وقال‏‏ إنه مبارك، وقال لمن معه‏:‏ ادخلوا البحر للاغتسال، ولا يدخل أحد إلا بمئزر، ثم خرج من جدة على طريق عسفان إلى المدينة، وترك الناس ساحل الشعيبة في ذلك الزمان واستمرت جدة بندرًا إلى الآن لمكة المشرفة‏.‏

معرض للسفن
واشتهر ميناء الشعيبة التاريخي بأنه مقبرة السفن، حيث ترسو فيه السفن التي خرجت من الخدمة في البحار، وتشكل معرضا مفتوحا لأقدم السفن بالمملكة.



أرض الكنز
وتعتبر الشعيبة مرفأ للصيادين وعشاق الغوص، وفي مياهها اكتشفت بعض الكنوز التاريخية، التي أعطت ملامح حول أهميتها السابقة، ولعلَّ أهم تلك الكنوزهو كنز الشعيبة، والذي قامت وكالة الآثار والمتاحف بإنتاج فيلم خاص به باسم «عودة الكنز» قام بإخراجه المخرج محمد القاضي. وذكر مؤرخ جدة عبدالقدوس الأنصاري – رحمه الله – أن جدة كانت قديمًا ميناء مكة الوحيد حتى طرأت ظروف لم تدم طويلًا جعلت من الشعيبة ميناء مؤقتًا لمكة بدلًا عن جدة، قائلا:»قبل سكنى قضاعة جدة، كانت هذه القبيلة قد اتخذت جدة كميناء لمكة المكرمة تنزح منها السفن إلى الحبشة وإلى الشمال والجنوب ومن ثم تذهب إلى الشرق إلى ديار فارس وترد منها». وأضاف: وإذا تذكرنا أن قضاعة – إلى رأي – هو الابن الثاني لمعد بن عدنان، والأول هو نزار، وبملاحظة أن معدًا هو الجد التاسع عشر لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، حينئذ ندرك قدم اتخاذ قضاعة جدة منزلًا له ولابنائه.

 

وناقش الأنصاري موقع ساحل مكة في فصل مستقل في موسوعته عن تاريخ مدينة جدة عنونه (بين الشعيبة وجدة) يقول فيه ما ننقله منه هنا بتصرف: «ما دونه التاريخ الإسلامي في متوالي القرون من أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، هو الذي أمر بنقل مرفأ مكة من الشعيبة إلى جدة في منتصف العقد الثالث من القرن الهجري الأول».

وأضاف أن المؤرخين ذكروا إن الشعيبة ظلت ميناء مكة حتى صدر الإسلام، وأنها كانت قبل جدة مرفأ لمكة، وأن قريشًا هم الذين طلبوا من الخليفة الثالث عثمان بن عفان أن ينقل مرفأ مكة إلى جدة، لقربها من مكة المكرمة ولمزايا أخرى، وقد استجاب الخليفة لطلب سكان مكة النابع من مصلحتهم الاقتصادية، فقام بتحويل مرفئهم من الشعيبة إلى جدة في سنة 26هـ.

وينقل الحضراوي في (الجواهر المعدة في فضائل جدة) ما جاء في «معالم التنزيل» في (سورة الفتح) بعد أن ساق قصة الفتح يوم فتح مكة: “قال عروة بن الزبير: خرج صفوان بن أميّة يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب الجمحي: يا نبي اللّه، إن صفوان بن أميّة سيد قومه، وقد خرج هاربًا منك ليقذف نفسه في البحر فأمنه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال هو آمن، قال: يا رسول الله أعطني شيئًا يعرف به أمانك فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمامته التي دخل فيها مكة، فخرج بها عمير، حتى أدركه بجدة، وهو يريد أن يركب البحر».

وأضاف أن كل هذه دلائل على قدم استخدام أهل مكة جدة ميناء لهم، ميناء وحيدًا في البدايات ثم ميناء رديفًا لمكة مع الشعيبة حتى عام 26هـ عندما عادت جدة ميناءً وحيدًا لمكة المكرمة.

ونقل البكري الأندلسي من شعر كثير في تريم قوله: كأن حمولها بملا تريم سفين بالشعيبة ما تسير، كما قال في نفس المصدر، (شعيبة): بضم أوله، على لفظ تصغير شعبة: قرية مذكورة محددة في رسم بيدخ. وجاء في كتاب (الأمكنة والجبال والمياه) لصاحبه أبوالقاسم الزمخشري، المتوفي (سنة 583هـ) أن «الشعيبة: موضع»، وفي معجم البلدان يقول ياقوت الحموي المتوفي سنة (626هـ) عن الشعيبة أن الشعيبة: تصغير شعبة.. وادٍ أعلاه من أرض كلاب ويصب في سد قناة وهو وادٍ.

وفي حديث بناء الكعبة عن وهب بن منبه أن سفينة حجتها الريح إلى الشعيبة، وهو مرفأ مكة ومرسى سفنها قبل جدة ومعنى حجتها الريح أي دفعتها فاستعانت قريش في تجديد عمارة الكعبة بخشب تلك السفينة.

وقال ابن السميت: الشعيبة قرية على شاطئ البحر على طريق اليمن، وقال في موضع آخر الشعيبة من بطن الرمة.