تأملات المفكر الإسلامي محمد أسد
وقفت أتأمل الـبـيـت الذي أقامه إبراهيم " عليه السلام " و أتدبر عظمته من دون قدرة على التفكير ( الأفكار و الانعكاسات تأتي إلى المرء بعدها بزمن طويل ) ، من نواة فرح داخلي انبثقت بهجة و ازدادت و عَلَت مثل الصوت الشجي
كان بلاط الرخام يغطي الأرض في دوائر حول الكعبة تعكس ضوء الشمس ، يسير عليها بشر كثيرون ، رجال و نساء ، يدورون حول بيت الله .. كان من بينهم من يبكون ، و آخرون يدعون الله جهرة في الصلاة ، و غيرهم ممن لم يجد كلاماً ولا دمعاً ، راح يطوف و رأسه منكس إلى الأرض
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
من شعائر الحج أن تطوف سبع مرات حـول الكعبة لا لتظهر تبجيلك للكعبة ، و لكن لتذكير المسلمين بأساسيات الحياة
فـ « الـكـعـبـة » رمز لوحدانية الله و « طـواف الـنـاس حـولـهـا » رمز لأنشطة الحياة يتضمن أن عبادة الله لا تكون بـالفكر و المشاعر وحدهما - و كل ما يمكن تسميته [ الحياة الداخلية ] - بل بـالفعل البدني و الجسدي ، أي بالمسعى و الفعل
و بذلك يكون ( الوجود الإلهي ) محور الوعي الذهني و الفعل البدني
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
طفت أنا أيضاً ببطء و أصبحت جزءاً من التدفق الدائر حـول الكعبة
يظهر و يختفي رجل أو امرأة بالقرب مني ؛ صور منفصلة تظهر أمام بصري و تختفي ، رجل أسود عملاق بملابس الإحرام ، و سبحة خشبية ضخمة يلفها حول معصمه ، ظهر ثم اختفى بين الزحام ، و رجل مالاوي عجوز ، حاذاني فترة يحرك يديه كأنه في حيرة ، ثم اختفى
عينان خضراوان تحت حواجب شعثاء - إلى من تنتمي ؟ ضاعت في الزحام . ضمن زحام الناس أمام الحجر الأسود ، كانت هناك امرأة هندية شابة ، و من الواضح أنها عليلة على وجهها الرقيق توق و اشتياق ، واضح وضح قاع الماء الشفاف ، كفاها مرفوعتين في ضراعة باتجاه الكعبة ، أصابعها ترتجف كأنها في صلاة صامتة
طفت و طفت ، مرت الدقائق لا أعرف لها عداً اختفى ما كان بقلبي من مرار و مشاعل ، أصبحت جزءاً من تيار يدور .. آه! هل كان ذلك هو معنى ما نفعله ؛ أن نعي أن المرء جزء يدور في فلك ؟ هل يصبح إدراك ذلك نهاية كل حيرة ؟ ذابت الدقائق ، و توقف الزمن ، و كأن الكعبة مركز الكون
•~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~•
العلامة الأستاذ محمد أسد | المفكر الإسلامي الكبير " طيب الله ثراه "
المصدر : الطريق إلى مكة | الموضوع مشاركة من الفضل قطان | نشر بموقع قبلة الدنيا في 1436/5/14هـ .
0 تعليقات