أحمد علي الكاظمي يوثق مكة بيومياته ( 12 )

 

 

أحداث ومعلومات تتعلق بمكة المكرمة، وردت في اليوميات التي دونها أحمد علي أسدالله الكاظمي - رحمه الله - والتي تعدها دارة الملك عبدالعزيز للنشر كاملة في إصدار مستقل، وكاتبها من رجالات التعليم الرواد في المملكة العربية السعودية، عمل معاونا لمدير مدرسة الأمراء بالرياض ومعلما فيها خلال الفترة 1357-1373هـ، ثم مفتشا بوزارة المعارف وعميدا لكلية الشريعة بمكة المكرمة.
توفي - رحمه الله - في 1413.

الاثنين 2 /3 /1373هـ

وفاة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود

توفي اليوم الملك عبدالعزيز في الطائف، ووفاته ليست من الأمور الصغيرة التي تحتاج إلى أن أقيدها في يومياتي، فهي حدث جسيم يسجله التاريخ، تاريخ العالم في أبرز صفحاته وسيبقى يوم وفاته يوما معروفا لدى الصغير والكبير، وليست يومياتي هذه بلغت من الأهمية ما يجعلها تسجل حوادث عظيمة كهذه ...

ولذا كله لا أقيد وفاة جلالته كحادثة، بل أقيدها بالنسبة إلى شعوري وذاتي وبصفتي إذ كنت أقوم بتعليم أولاده الأمراء ..لقد كنت في المالية من الساعة الرابعة إلى السادسة، والمالية تجمع الكبير والصغير ولكن لم أسمع شيئا من هذا وكانت الحالة كالمعتاد الناس يركضون في مصالحهم وشؤونهم ثم خرجنا إلى الحرم، وهناك لم أجد شيئا يدل على ذلك، ثم خرجنا من الحرم وفي الشارع سمعنا الراديو يذاع فيه القرآن بصفة غير عادية فلم ألتفت، ثم لما تقدمنا سمعنا كذلك القرآن وعندئذ قال الشيخ عبدالله خياط أما تظن أن قراءة هذا القرآن يكون له سبب؟ قلت لا أظن وعندئذ فتحت الراديو على إذاعة مكة فإذا هي تقول “...

بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة ...” عندئذ أدركنا أن هناك حادثا، ثم لما سمعنا ما بعدها إذا هي إذاعة النبأ بوفاة الملك عبدالعزيز اليوم الساعة الرابعة، وعندئذ شعرنا بهول الخبر والموقف، لقد مات ذلك الرجل الذي كان يحكم الجزيرة من شرقها إلى غربها والذي منحه الله حظا عظيما وبارك في عمره وأولاده وملكه ودولته وأخرج له من كنوز الأرض ما جعله سيدا للجزيرة، بحق لقد استولى علينا التأثر الشديد ولكن ماذا نعمل؟ ثم أخبرنا الأخ عبدالله المزروع أنه صُلي عليه الساعة السادسة في مصلى العيد ونقل جثمانه بالطائرة إلى الرياض ورافقه الأمير فيصل ونودي بالأمير سعود ملكا على البلاد العربية السعودية وبالأمير فيصل وليا للعهد، وهذه، أي المناداة بالأمير فيصل لولاية العهد، جاءت خطة في غاية من الحكمة والفأل الحسن والرأي السديد، وكان الناس يخشون هذه الناحية أنها قد تكون سببا لإثارة فتنة لا سمح الله ولكن هذه السياسة هدأت الأمور وأسكنتها، إن شاء الله، سدد الله خطاهم ووفقهم لما يحب ويرضاه وغفر الله للملك عبدالعزيز وجعل الجنة مثواه.

 الثلاثاء 16 /4 /1373هـ

تاريخ مكة ..
ظهر في السوق كتاب تاريخ مكة للأستاذ أحمد السباعي وكان يشتغل في تأليفه وجمع المعلومات منذ زمن بعيد وقد ساعدته مكتبة الثقافة فقامت بطبعه، وقد خدم التاريخ خدمة كبيرة، لأن التواريخ الموجودة كلها تنتهي إلى زمن خاص ولا يوجد شيء منها تستمر حوادثه إلى هذا العصر، والكتاب كبير الحجم كثير الصفحات جم المعلومات.

اجتمعت بالأستاذ السباعي اليوم فقلت له نقص في كتابك شيء وهو الفهارس المطولة في آخره على عادة الكتب الجديدةـ والفهارس تجعل من الكتاب كتبا كثيرة.

قال إن الكتاب طبع على عجل وحدثت فيه غلطات كثيرة، إذا أعيد طبعه يمكننا أن نتداركها.

الثلاثاء 3 /3 /1373هـ

لا تزال الإذاعات الخارجية العربية والإذاعة الداخلية توالي قراءة القرآن لاسيما إذاعة مصر التي قررت الحداد على وفاة الفقيد أسبوعين وترفع البرقيات بالتعازي والتهاني تعزية في الراحل وتهنئة بالملك سعود، وهذه حال الدنيا رجل يموت ورجل يحيى، وعمار الكون لا يتم إلا بهذه الصورة وبهذه الطريقة، فسبحان من يدبر الملك وله الحكم يؤتيه من يشاء، رضينا بحكمك يارب وقضائك، رحمة الله عليك أيها الملك الراحل ووفقك الله أيها الملك الجديد لكل ما فيه صلاح البلاد وخيرها وجعل الخير رائدك والتوفيق حليفك.

لقد كنت نائما أو مضطجعا في فراش البارحة وكنت أسمع من راديو عند جارنا البرقيات التي تبودلت بين العاهل الجديد والملوك ورؤساء الحكومات ولم أنم إلا على تلك الإذاعات وأن الأميرين مساعد ومتعب، ابني عبدالعزيز، كانا في الخارج وقد وصلا أمس إلى جدة ومعهما وزير المالية عبدالله بن سليمان.

الأحد 29 /3 /1373هـ

كهرباء مكة ..
! لقد تم نصب الأعمدة وتم مد الأسلاك الكبيرة تحت الأرض وتمت إنارة قسم من الحرم وأخذ أهل بعض الدكاكين النور ولكنها لم تنتشر بصورة عامة كما هي الحالة في الطائف، وذلك لأسباب غلو سعر الإدخال، ولأن الشركة تشترط أن يكون التسليك عن طريق عمالها، وهكذا كانوا في أول الأمر في الطائف ولما كثر الطلب والعمل سمحت الشركة للناس بأن يسلّكوا بيوتهم بأنفسهم.

السبت 18 /5 /1373هـ

حفلة الفلاح للأميرين فهد وسلطان أقامت مدارس الفلاح حفلة شاي للأميرين في حديقة الزاهر ودعت إليها عددا كبيرا من أهل مكة وأهل جدة وبعثة الجامعة المصرية ..

وقد أعدوا في البرنامج تمثيليتين وشيدوا لها مسرحا جميلا ووضعوا فيها أنوارا مناسبة والتمثيلية الأولى النجاشي والمسلمون والأخرى المروءة المقنعة، وكانت الخطب والقصائد كلها فيها تمجيد لمدرسة الفلاح ومؤسسها محمد علي زينل.

وقال أحدهم في خطبته وهو يقول للأمير فهد: انظر حيثما تشاء تجد الموظفين والذين يشغلون الإدارات هم من أهل الفلاح ..وقد استعانت المدرسة بجميع متخرجيها من مكة وجدة في طلب الإعانات، كما قال لي رجل في الحفلة، وقد أرادوا أن تكون حفلتهم أحسن الحفلات التي أقيمت وقد نجحوا في عمل المسرح للروايتين، أما الخطب والقصائد فهي عادية وكان الأكل والشرب وقوفا.

الأحد 19 /5 /1373هـ

في السوق أو في الأسواق

بدأت شركة الكهرباء التابعة للجفالي وشركاه في مدّ التيار إلى البيوت والدكاكين، وطريقتهم في مده أن القلص أو الكابلو (السلك المتين) يُمدّ في الأرض، ولذلك كلما طلب إنسان، سواء في بيته أو دكانه، لا بد أن يحفر الشارع ويمد السلك الضخم إلى العداد، ولذلك كثيرا ما نجد في الأسواق أخاديد وخنادق محفورة والعمال يشتغلون في نقطة منها ويشتكي الناس من غلاء قيمة الإدخال، مع هذا فالناس لم يتوقفوا عن أخذ التيار ..لقد خسرت البلدية قبل سنوات آلاف الريالات في عمل مجار عامة للبلدة من أول المعابدة إلى آخر المسفلة كمقدمة لمشروع إصلاح المجاري وجعلها على الطريقة الحديثة بحيث لا يبقى في البيوت شيء ولاسيما البيوت التي تشيد على الطريقة الحديثة، وبعد أن حفرت الشوارع وظلت متعطلة من المرور أياما وعملت فتحات وسط الشوارع، بعد هذا كله وبعد هذه الخسارات أهمل المشروع.

الثلاثاء 21 /5 /1373هـ

الرخام في الحرم

بعد أن انتهى العمال من رصف المساحة التي خلف المقام الحنفي إلى الأروقة بدؤوا في المساحة التي بين المقام الحنفي والمالكي، أي شمال غرب الكعبة ورصفها بالرخام الأبيض، وهو، أي الرخام، بقطع من جبل في طريق جدة، ولو يتم رصف المساحات الكبيرة في الحرم المعروفة بالحصاوى بهذا الحجر الأبيض لكان خيرا وكان سببا في توسعة الحرم وسيكون الحرم بهذا الرخام الأبيض وبنوره الكهربائي الجميل (فلورسنت) الذي وضع في الأروقة والصحن..بهذين الشيئين الجديدين سيزداد جمال الحرم وروعته.

الأربعاء 22/5 /1373هـ

صور ..!

خرجت من الدار وداري أو الدار التي أسكنها في محلة الباب، خرجت إلى ناحية السوق وأمرّ في طريقي على بئر كانت منذ سنوات مهجورة يسميها أهل المحلة البئر المالحة وقد أحالتها عين زبيدة من سنتين موردا للعين يستقي منه السقاؤون ويصل إليه الماء بواسطة الأنابيب وبجانبه دار مدير مدرسة الصولتية الشيخ سليم، رحمه الله، والمدرسة كذلك على مسافة قصيرة من هذا المورد ثم أتقدم فأصل إلى طرف مقبرة الشبيكة المهجورة.

وأترك المقبرة على يمناي وأميل إلى اليسار وهنا على اليمين “كلية المعلمين” التي أحدثت هذه السنة ومديرها الشيخ عبدالله الساسي وداخل البناية كلية المعلمين وقسم آخر باسم معهد المعلمين وكلية المعلمين يدخلها الطالب بعد الثانوي، وومعهد المعلمين يدخله من الابتدائي وبعد سنتين يتخرج معلما ابتدائيا، ثم أتقدم من هذه النقطة إلى الشارع العام، وبعد مسافة أمرّ بمدرسة الفلاح الأهلية وهي بناية كبيرة ذات واجهتين على الشارع العام والشارع الخلفي ناحية مقبرة الشبيكة، ومن ثم سرت مع الشارع العام إلى سوق الصغير، حيث دكاكين الخبز والفول والحبوب والسمن والعطارة وهي الحاجيات المختلفة إلى باب إبراهيم، ومن بعدها على اليد اليمنى دكاكين أهل القماش إلى باب الوداع ثم دكاكين مختلفة، وبعد وصلت إلى المعارف وهي في البناية التي أمام باب علي وكانت ملكا للشريف علي، أحد أشراف مكة، ثم اشتراها الأمير منصور وهي الآن من عقاره.

الخميس 23 /5 /1373هـ

في مكتبة الحرم ..

ذهبت إليها أراجع بعض النقاط في تاريخ البخاري النسخة الخطية، والمكتبة وإن كان محلها ضيقا ولكن لقلة روادها تبدو كبيرة ويعجبني جوها الهادئ الساكن الذي يصور للإنسان جوّا علميا محصنا بعيدا عن صخب الحياة المادية وحركتها، فالكتب كلها علمية وقديمة وأمينها الشيخ يحيى المعلمي رجل لطيف كبير السن هادئ ولا تسمع للموجودين فيها من المراجعين أو المستخدمين أحداثا ولا كلاما، بل تجد كل واحد منهم والكتاب معه ينظر فيه، وإذا أخذت الكتاب وجلست على الكرسي مع الكتاب الذي أخذته من المأمور شعرت بأنك في عالم غير العالم الذي تجده في الدار أو في الشارع أو في الحرم أو في أي محل آخر أو في المكاتب العامة.

الأحد 26/ 5/ 1373هـ

الشيخ عمر عبدالجبار صاحب المؤلفات المدرسية الابتدائية في كل علم، أستاذ قديم وتقلب في وظائف عدة منها إدارة مدرسة تحضير البعثات ومدير شرطة الأخلاق في الأمن العام ومراقب الدروس في الحرم وفي البلدية، وقد رزقه الله نشاطا في جمع مواد المقررات المدرسية وطبعها وإظهارها إلى الوجود وإنزالها إلى السوق والمدارس، وقد عرفته بعد عودته من بلاد جاوا لأنه كان هاجر إليها وقضى زمنا طويلا هناك.

الاثنين 27/ 5/ 1373هـ

الشيخ أحمد السباعي

أستاذ قديم اشتغل بالأدب والأدباء وصار يكتب في الجريدة حتى عد من الأدباء لهذا الجيل، له مؤلفات صغيرة وكان آخر هذه المؤلفات تاريخ مكة وهو خير مؤلف له وفي التآليف التي ظهرت في مكة منذ النهضة الحديثة، لأن تاريخ مكة شبه مغمور.
وبرغم كبر سنه فهو محافظ على مرحه ودعاباته.
وقد التفت في الأيام الأخيرة إلى حياة العمل فأنشأ لنفسه مطبعة سماها مطبعة الحرم للأعمال التجارية، ولديه فكرة إصدار جريدة أو مجلة ولكن لم يسمح له بعد.

الاثنين 1 /4 /1373هـ

حدث أدبي جديد:

لأول مرة في تاريخ هذه البلاد تصدر جريدة يومية ويبتدئ صدورها من اليوم.

الجريدة هي الجريدة الأولى “البلاد السعودية” وقد صدرت في أول أمرها باسم صوت الحجاز مرة في الأسبوع ثم صارت بعد سنوات مرتين في الأسبوع ثم بعدها ثلاث مرات في الأسبوع ومن اليوم صارت يومية إلا يوم السبت فهي تحتجب لأن يوم الجمعة عطلة عند الناس ومنهم عمال المطبعة.

وهي في الحقيقة خطوة جيدة من الشباب القائمين بأمرها وهم الأدباء عبدالله عريف مديرها والأديب عبدالعزيز الرفاعي والأديب أحمد جمال والأديب صالح جمال والأديب عبدالرزاق بليلة وكلهم أصحاب وظائف كبيرة ومع هذا فقد نشطوا لهذا المشروع الأدبي الكبير، سدد الله خطاهم.

المصدر : صحيفة مكة 1436/1/14هـ