أحمد علي الكاظمي يوثق مكة بيومياته ( 9 )

السبت 6 ربيع الأول 1370هـ

كنت عند جماعة ذهبت لزيارة صاحب الدار وهو السيد بكر حمدي بجوار الصفا وسمعت بأن اختلافا حدث بين شركة الزيت وبين الحكومة أراد وزير المالية عبدالله السليمان أن يتصلب في الموضوع مع الحكومة وهناك محام مصري وهو سابا حبشي وزير التجارة في مصر في عهد من العهود وقد استقدمته الحكومة العربية السعودية ليكون محاميا عنها ضد الشركة واستقدمته قبل هذا كذلك للغرض نفسه.

 


الأحد 7 ربيع الأول 1370هـ

مررت بمركز شركة السيارات في طريق باب العمرة لأراجعهم في السيارات التي أمر لنا بها ولكن فراشا من الفراشين أخبرني أن المأمورين والرئيس نقلوا مركزهم ومكاتبهم إلى جرول حيث "الكراج" أي لا بد أن المراجع يركب سيارة ويذهب إليه، ولذلك عدلت عن مراجعتهم وأتممت مسائل الأدوات والكتب.


واشتريت كتاب الحيوان للجاحظ بـ 70 ريالا ونفح الطيب ووفيات الأعيان و مرآة الحرمين، الكتب الأربعة بـ 208 ريالات مع المراعاة حسب دعوى الكتبي وهو أحمد حلواني، ثم صليت الظهر في الحرم.

 


الجمعة 13 رجب 1370هـ

الشيخ أبو السمح: هو عبدالظاهر أبو السمح كان مصريا، من المدارس التي تعلم فيها الأزهر ومدرسة دار الدعوة والإرشاد وكانت للسيد رشيد رضا، ثم عينه السيد رشيد معلما للخط والإملاء، وقد كان رحمه الله خطاطا ماهرا في خط النسخ والرقعة.


ثم بدأ في دعوة الناس إلى التوحيد ونبذ التقليد والشرك ولقي في ذلك عنتا شديدا من مخالفيه ومناوئيه وفي النهاية كان الله يكتب له النصر والانتصار عليهم.


وصحب السيد رشيد رضا في رحلته إلى مكة في السنة التي انعقد فيها المؤتمر في موسم الحج واشترك في المؤتمر، وقد عرفه السيد رشيد رضا بجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود فاختاره جلالته إماما وخطيبا للحرم ومدرسا فيه.


وبعد أن عاد الشيخ إلى مصر استعد للهجرة إلى بلد الله مع أهله وعياله وصهره الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة.
عاد إلى مكة فتعين أي عينه إماما وخطيبا للحرم ومدرسا فيه فأتقن رحمه الله عمله بكل نشاط وقوة.


وأنزل في دار فخمة وكنت في تلك الأيام صغيرا وكنا أي أنا وإخواني وزملائي لنا ولع بقراءة ودراسة كتب الحديث فطلبنا منه أن يخصص لنا وقتا نقرأ عليه في الحديث فخصص لنا بعد المغرب، وكنا نقرأ عليه كتاب مشكاة المصابيح، وكان درسنا أول درس من نوعه في الحرم وأول من يدرس في الحرم هذا الكتاب.


ثم عين مدرسا في المعهد فتتلمذت على يده مرة أخرى، وكان يدرسنا الإملاء والخط والإنشاء تبرعا منه ثم طلبنا ونحن عدة زملاء أن نتعلم عنده الإنشاء في الحرم.


وقد تعين بعد سنوات من اشتغاله بالإمامة والخطابة رئيسا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإمامة والخطابة فقام بالهيئة خير قيام.


وكان إذا جلس في الحرم انتظارا للصلاة أو بين الظهر والعصر أو بين العشاءين أو بعد الفجر إلى طلوع الشمس ولم يكن عنده درس أو وعظ جلس يقرأ القرآن بصوت جميل غيبا وإذا جلس في الدار وانتهى من أمر الأكل والشرب والجلوس مع أولاده وأهله عاد إلى مجلس الاستقبال ويقضي وقته في المطالعة أو كتابة مقال ردا على أحد المخرفين والمبتدعين أو في إنشاد وعمل قصيدة في الدفاع عن العقيدة أو بيان زيغ أحد الزائفين، ويستمر حتى يسمع الأذان فيقوم ويتوضأ وينزل إلى الحرم.
وظل على هذا البرنامج سنوات طويلة.


وفي الاثنين 9 رجب 1370هـ و16 أبريل 1951 قبل الفجر توفي الشيخ وقد قام صديقه من الصغر وصهره ورفيقه في مصر والحجاز وزميله في أيام التلمذة وبعد التخرج وفي الإمامة والخطابة الشيخ محمد عبدالرزاق بوصية منه بغسله وكفنه والصلاة عليه ودفنه بجانب قبر عمه وأمه، رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه الجنة.

 


الخميس 26 رجب 1370هـ

وفاة الأمير منصور:

فوجئنا أمس بنعيه – رحمه الله.
منذ أسابيع جيئ به من الحجاز مريضا وكأنه في الأيام الأخيرة قد تماثل للشفاء فطلب من جلالة الملك السفر إلى الخارج فسمح له لكن الدكاترة الذين قاموا بالكشف عليه لاحظوا خطورة المرض وأخبروا جلالة والده بذلك وبعضهم منعه من السفر في هذه الحالة ولكنه تجالد وسافر قبل أيام إلى جدة فمصر فباريس وقد وردت برقيات من مصر بصحته ولكن بعد ما توجه إلى باريس كأن المرض ازداد وجاءت برقية قبل أمس بعد العصر بوفاته.
إنا لله وإنا إليه راجعون.


وكان جلالة والده شعر بخطورة الحالة فقال له عند سفره للخارج سوف نجلب أهلك وعيالك ليكونوا هنا مع بعض ويقال إنه وصاه على تنظيم شؤون وزارة الدفاع بيد أخيه مشعل وقد عرض ابن دغيثر برقية النعي على الأمير سعود قبل أمس بعد العصر فاستحسن الأمير سعود تأجيل عرضها على الملك إلى فرصة أخرى فلم يعرضوها إلا أمس في الضحى.


وكأن الملك حفظه الله كان منتظرا وقوع أمر كهذا لا سيما والدكاترة أخبروه بذلك.
واستفتى جلالته المشائخ في جلب الجثمان فوافقوا، وعليه ينقل الجثمان غدا أو بعده إلى المملكة العربية السعودية.
رحمه الله وغفر له لقد كان رجلا شهما شجاعا.

 


الجمعة 27 رجب 1370هـ

المرحوم منصور:

لقد كان المقرر أن يدفن في الرياض ولكن الأمير فيصل أشار على والده بأن يدفن في مكة حرصا على أن والده إذا رأى الجثمان واشترك يزداد تألمه وتأثره، وقد وافق جلالة الملك وبناء عليه تقرر أن يتوجه الأمراء على رأسهم الأمير سعود إلى جدة لاستقبال الجثمان ثم الاشتراك في تشييع جنازته.


وبالفعل طار الجميع من بعد العصر وسمعنا من إذاعة جدة بوصولهم سالمين.


ويصل الجثمان اليوم إلى جدة ويدفن اليوم، وقد أذاعت محطات العالم التي تذيع باللغة العربية نعي سموه ونبذة عن حياته وأذاعت محطة باريس تسجيلا لحفلة تشييع جنازته والصلاة عليها.


ثم نقل الجثمان إلى المطار ومنه إلى جدة وألقى في المطار الوزير السعودي المفوض رشاد فرعون كلمة مؤثرة.


وأذاعت محطة جدة قصائد وكلمات في تأبين الفقيد ونبذة عن حياته.
وقد ذكر بعض الأمراء الصغار الذين حضروا إلى المدرسة أمس أن جلالة والدهم حفظه الله تأثر تأثرا كبيرا.
ولد الأمير منصور سنة 1340هـ في الرياض وقد قرأ مبادئ القراءة والكتابة على أستاذ اسمه محمد السناري وكان يعلم إخوانه الكبار وبعدما تذوق طعم تلك المبادئ الأولية أحب أن يدخل إحدى المدارس الأميرية فطلب من جلالة والده أن يدخله وإخوانه في مدرسة من مدارس الحجاز وكانوا في الحجاز فدخلوا أي دخل منصور مع إخوانه مدرسة من المدارس ثم انتظموا في سلك مدرسة الطائف الابتدائية لأن جلالة والدهم كان بها.


وقد أتقن سواقة السيارات وهو ما زال صغيرا وقد أصيب من جراء السيارات بكسر في ساقه أو فخذه في إحدى رحلات الملك من الحجاز إلى الرياض وقد شفي بعد أيام.


وأخيرا ولما رأى والده من جرأته وقوة نشاطه ما دفعه إلى تعيينه وزيرا للدفاع، وقد قام بالعمل خير قيام واستطاع أن يكّون للدفاع صفة واعتبارا لم يكن له من قبل وزاد في ميزانيته وفي رواتب الموظفين، ولذلك رغب الناس في الالتحاق بالدفاع وارتبط الطيران وشؤونه بالدفاع فنظم أمره وسعى في توسيع العمل فيه بإرسال بعثات إلى الخارج لدراسة الطيران وما ينفع الطيران.


وكانت أعماله لا تخلو من أعمال خيرية ولا سيما في الأيام الأخيرة كطبع كتب علمية ومساعدات وبناء مدرسة في رنية ومسجد، وكان يصلي الفجر كل يوم في الحرم إذا كان في مكة ويطوف بالبيت وحده ويساعد الفقراء دون أن يدري أحد به.


وقد أذاعت البارحة محطة جدة وصف نقل الجثمان من جدة إلى مكة إلى داره التي كان يقطنها بأجياد ثم نقل إلى الحرم ثم بعد الصلاة عليه نقل إلى باب السلام على الأكتاف ومن ثم وضع في سيارة ونقل إلى قبره بالمعابدة ونصبت عند قبره خيام وقف فيها الأمراء لاستقبال المعزين.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

المصدر: صحيفة مكة 1435/12/22هـ