أحمد علي الكاظمي يوثق مكة بيومياته ( 8 )

الاثنين 15/9/1368هـ

الجنود المجهولون:

صالح كاشف

تخرج من مدرسة الفلاح بمكة والتحق بعد تخرجه بمدارس الحكومة، وكنت أسمع به كثيرا أو أعرفه ضمن المدرسين إذا اجتمعوا في مكان ما.
وهذه الاجتماعات هي سبب معرفتي به وكان ـ رحمه الله ـ سريع التآلف، أي أنه إذا اجتمع بإنسان مرتين أو ثلاث اعتبره صديقا يسترسل معه المزاح والأخذ والرد كمن تكون صلته قديمة وصداقته وثيقة.


تقلب في عدة وظائف بالتدريس، أي من مدرسة إلى أخرى، ومن مدرسة أولية إلى مدرسة ابتدائية، ثم انتقل أخيرا في المعهد العلمي ورشح لوظيفة معتمد المعارف بالأحساء إلا أن الترشيح لم يتم.


وقد سمعت عن مرضه، وبعد أيام رأيته في الشارع فإذا هو غير الشخص الذي أعرفه.


كنت أعرفه رجلا بدينا نشيطا ضاحكا فإذا هو هزيل أضناه المرض ممتقع اللون وقف بكل صعوبة ليكلمني، ولم أشأ أن أوقفه فمشيت معه وهو يروي لي شيئا من قصة مرضه، وأن الأطباء نصحوه بالسفر إلى الخارج.


وقد تألمت لحالته وتأثرت بها، وعندما افترقنا طلب مني أن أدعو له بالشفاء قلت له: عافاك الله، ولا أراك مكروها.


ثم علمت بسفره إلى مصر، ولكن لم تطل مدة غيابه في مصر وسمعت بنبأ وفاته، رحمه الله.

 


الاثنين 29/9/1368هـ

الجنود المجهولون:

محمد اللدادي

كان فلسطينيا من أهل اللد جيء به لمدارس مكة مع من استقدمتهم مديرية المعارف من السوريين، وكان مدير المعارف في ذلك العهد هو الشيخ كامل القصاب..وكان من ضمن دروسه التي يعلمها درس التجويد والقرآن، ولاحظت وأنا تلميذه أنه كان يراعي في تلاوة القرآن أشياء دقيقة في التجويد لا يعتني بها المعلمون من قبل.


وكان الأستاذ اللدادي ـ رحمه الله ـ شديدا من حيث حفظ نظام الصف، ولاسيما في درس القرآن، فإذا قرأ تلميذ يقوم بقية زملائه ينظرون في المصحف الآية التي يقرؤها وكأن على رؤوسهم الطير.

 


الخميس 19/1/1368هـ

استعمال ما يشبه القبعة:

لأول مرة استعملت قلنسوة تشبه القبعة والخوذات الفولاذية من قبل رجال المطافئ من قبل العام الماضي، وفي هذه السنة استعمل هذه الخوذات الفولاذية جنود الحرس راكبو الدراجات البخارية الذين يسيرون أمام سيارة الملك وخلفها.


وقد رأيتهم أمس وهو يسيرون حول سيارة سمو الأمير فيصل بعد ما انتهى من زيارته للمستشفى والاحتفال بافتتاح مجلس الشورى، وسيكون هؤلاء الحراس وخوذاتهم الفولاذية فاتحة لتعميم هذا النوع من الخوذات والقبعات في الجيش عامة ثم في الناس الذين يرغبون في استعمالها.


وقد شاهدت هذه السنة كثيرا من الترك وهم يلبسون قبعاتهم في مكة، ولا أحد يستنكر ذلك بخلاف الزمن الماضي الذي كان الإنسان إذا رأى قبعة مع إنسان استفظع وعدها من المنكرات التي لا تغتفر، لأنها كانت شعارا للنصارى.


وقد مرت سنوات وأيام ولبسها نفر منهم، أي من أهل مكة، فرجال المطافئ هم من أصل مكة، وجنود الحرس هم من مكة وقد لبسوا هذه الخوذات وهم مسرورون بذلك.

 

 


الأربعاء 1/3/1368هـ

السيد صالح شطا:

كنا البارحة نستمع إلى الراديو وقد بوغتنا بنعيه فجأة، مع أن الناس كانوا ينتظرون أن يسمعوا منه حديثه «الإسلام والمسلمون» من الراديو.


وقد شق علينا نعيه بصفته كبيرا من كبار أهل مكة، ولأننا لم نسمع بمرضه من قبل، بل رأيته قبل أمس وهو يسير مع صديقه جهة الوادي في الشارع ورآه أحدنا أمس وهو في سيارته بصحة جيدة.


ويعتبر المرحوم آخر رجل من أهل الحجاز من رجال الحكومة البارزين الذين اشتهروا بالصلاح والدين والبعد عن فساد أهل هذا الوقت، وكان يجمع مع مركزه العالي في الحكومة بين العلم والصلاح والدين..رحمه الله رحمة واسعة، وألهم أهله وذويه الصبر وجبرهم في مصابهم هذا.

 


الثلاثاء 17/4/1368هـ

الأفكار إذا تغيرت (بمناسبة هدم دار باناجة):

قصر فخم وعمارة كبيرة قديمة ولكنها بقوتها ومتانة بنائها أقوى من كثير من القصور الحديثة التي يراعى فيها الأناقة والاقتصاد والاختصار في المحلات.


موقعه من أجمل المواقع التي يرغب القادم إلى مكة النزول فيها وفي أمثاله، وألوف من هؤلاء القادمين يرغبون ويجتهدون ويودون أن يجدوا في هذا القصر حجرة ولو كانت بأجر باهظ غير معقول لقضاء أيام الحج فلا يجدون.


يقع أمام باب علي، تطل نوافذه على الحرم والكعبة والمصلين، وكان معدا لنزول الملوك والأمراء والشخصيات البارزة، وقد نزل فيه جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود بعد وصوله مكة المكرمة لأول مرة، ونزل فيه الملك أمان الله خان وأمراء من اليمن.


ومنذ ثلاث سنوات كانت وزارة المالية تأخذه باسم «الأوتيل» وينزل فيه الضيوف من الشخصيات البارزة من الحجاج.


هذا القصر هو الذي يعرف بدار (آل باناجة)، وهو من القصور المشهورة في مكة عند الخاصة والعامة وعند الحجاج، ولا يحتاج إلى أي وصف أو توضيح أكثر من تسميته ببيت باناجة.


أما غيره من البيوت المشهورة فأكثرها يحتاج إلى ذكر اسمه مع ذكر المحلة التي هو فيها، فيقال بيت القطان بالشامية، أو قصر الحكم بالغزة، أو بيت القرارة للأشراف، أما هذا القصر فلا يحتاج إلى شيء من هذا التعريف لأن اسمه أشهر وأعرف من كل إيضاح.


ومما لا شك فيه أن آل باناجة قد بذلوا في تشييده آلافا من الجنيهات، وكان الجيل الذي شاهد بناءه وعمارته ابتدأت أمام أعينهم متبجلا بهذه العمارة الفخمة والقصر الشامخ ولم يكن أحد يفكر أو يتصور أن هذا القصر قد ضيق على الأهالي والحجاج في مردهم وفي طلوعهم إلى الحج، بل كانوا يرون الطريق على ضيقه واسعا يسع لمرور قطارين من الجمال المحملة ومرور أكبر شيء عندهم وهو المحمل المصري والشامي، ومرور الشقادف بكل راحة واطمئنان.


هذا أعظم شيء كانوا يرونه في موسم الحج، أما في غير الحج فليس عندهم غير الدواب على اختلاف أنواعها والعربات التي تجرها البغل والخيل.


وكل هذا يمر بكل سهولة من أضيق شارع، ولذلك لم يكونوا ينظرون إلى هذا الشارع وأمثاله إلا كما ينظرون إلى طريق واسع.


مرت السنون والأيام ومرت أجيال تلو أجيال لم يفكر منهم أحد في توسيع شارع أو إصلاح طريق حتى جاء عهد الشريف حسين وفكر في آخر أيامه في توسيع الطرق وإزالة نواتئ الشوارع، ولم يشعر الناس ذات يوم من أيام عهده إلا ورجال البلدية أخذوا يزيلون كل شيء بارز في الشوارع من الأخشاب (والدكك).


ثم استمر الأمر على هذا المنوال وأزيلت بعض البيوت الصغيرة في المعابدة، لأنها كانت بارزة إلى منتصف الشارع العام.


وفي عهد هذه الدولة أي المملكة العربية السعودية كثر استعمال السيارات فاضطرت البلدية إلى توسيع الشارع العام مرارا وتكرارا حتى صار كما نراه الآن.


وهذه العمليات التوسيعية التي تقوم بها البلدية هي وإن كانت تثير غضب أهل الدكاكين وأهل السوق إلا أن الأهالي والرؤساء والطبقة المتعلمة كانوا يفرحون ويبتهجون لها ويودون أن تزيد البلدية نشاطها في هذه الناحية لتبدو الأسواق في أشكال منظمة وفي صورة واسعة تسع سير السيارات والمشاة والعربات في وقت واحد.


لقد تغيرت الأفكار وصار أصحاب هذه الأفكار الجديدة ينظرون إلى ذلك القصر – قصر آل باناجة – بالرغم من امتيازاته التي تقدم ذكرها نظرهم إلى شيء ثقيل أو كابوس يضغط على نفوسهم وأفكارهم.


وكانت النتيجة أن وافق أهل الحل والعقد على دفع ثمن ملائم للوقت الحاضر إلى أصحابه من آل باناجة وقرروا هدمه وإزالته عن محله توسيعا للشارع العام.
وبالفعل بدئ في هدمه من يوم السبت 14 ربيع الثاني سنة 1368هـ واشتغل العمال نهارا في هدمه فانتشر الغبار في المسعى والقشاشية بصورة فظيعة.


وبناء عليه قررت البلدية أن يشتغل العمال في هدمه ليلا وبالنهار وتعمل السيارات في نقل الأتربة والأحجار والأخشاب التي يرميها العمال، وما زالوا جادين في هدمه.


وقد استعملوا تخفيفا للغبار مضخة الإطفاء الكبيرة لرش كميات عظيمة من الماء قبل البدء في الهدم ثم يبدأ العمال في عمليات نقض الحجارة والأخشاب.

 

 


الجمعة 29/4/1369هـ

احتفال جدة بالعرض العسكري:

بمناسبة رجوع الجند من مصر، وهم الذين أرسلوا إلى فلسطين واشتركوا في أول الأمر في الجهاد ضد اليهود تحت القيادة المصرية، وبقي قسم منهم بعد انتهاء الحرب وتكوين الدولة اليهودية، في مصر، ولما رجعوا الآن شاء الأمير منصور وزير الدفاع أن يقيم بهم عرضا عسكريا في احتفال كبير في جدة، ووزعت البطاقات وخصصت السيارات لنقل الناس.
وكان ميعاد الحفلة أمس يوم الخميس من الساعة التاسعة والنصف.
وأخذ الناس من مكة يتوجهون إلى جدة لمشاهدة هذا العرض في شكل غريب، وذلك لسهولة المواصلات وكثرة السيارات، فالذي استطاع أن ينزل مع إنسان عنده سيارة نزل معه، والذي لم يجد كهذا استأجر في سيارة كبيرة بريال واحد أو بخمسة أو ستة ريالات في سيارات صغيرة وتوجه، وقد عطلت أكثر المصالح لنزول الموظفين إلى جدة.
ولم أكن أسمع أمس إلا والناس إما يتكلمون في هذا الاحتفال، أو في البحث عن سيارة ينزلون فيها، أو في انتظار «الأتوبيسات» السيارات الكبيرة التي نقلت مئات بل ألوفا من الناس إلى جدة.
وكان المكتوب في برنامج الحفلة «مراعاة النظام» بأدق معانيه، ولكن مع الأسف لم نجد للنظام أثرا.
وقد وصلت متأخرا وكانت الحفلة قد ابتدأت وانتهى القارئ من قراءة القرآن، وبدأ من بعد قراءة القرآن في قراءة خطبته، وبعد الخطبة ابتدأ العرض، وكان بجانب السرادق أدوات للتسجيل، أي تسجيل الحفلة ليلا من محطة الإذاعة.
وإذا وقف الجندي والتفت إلى ناحية العرض تقدموا حتى وصلوا إليه أو تقدموا عنه، وهكذا حتى ابتدأ العرض ووقفت الموسيقى وفرقتها تصدح بأنغامها وطبولها ومزاميرها مدة استمرار العرض، والعرض لم يختلف عن مثل الذي كان يقام في منى أيام الحج، وكانت سبع طائرات تحلق من وقت لآخر فوق الجميع.

 

 


الأحد 2/5/1369هـ

يقال إن الأمير سعود سيقدم إلى الحجاز لاستقبال شاه أفغان.
رأيت جنودا محرمين وهم الذين قدموا من مصر وفلسطين والذين ذهبوا للجهاد ضد اليهود.
رأيت عمالا يعملون في إنجاز عمليات إيصال الماء إلى خزان الماء الذي شيدته هيئة عين زبيدة من العام الماضي في محلة الخندريسة، والخزان كان بئرا مالحة مهجورة فاستفادت بها هيئة عين زبيدة أن جعلتها خزانا للماء.
رأيت في طريق جدة سيارات ضخمة تجر وراءها عربة كبيرة في حجم السيارة لم أر مثلها من قبل.

 

 


الجمعة 29/5/1369هـ

وصول ملك الأفغان:

حضرت أمس حفلة الاستقبال التي أقيمت لجلالة الملك محمد ظاهر شاه ملك الأفغان.


بعد باب مكة وبين الكيلو (1) و (2) نصبت سرادقات، ووزعت تذاكر وحضر المدعوون وكلهم بالسيارات، لأن المحل بعيد.


أما المتفرجون فقد وصلوا إلى المحل رغم بعده زرافات زرافات وأقيم قوس نصر أمام السرادقات وعلقت أعلام عربية وأفغانية.


وجيء بعلمين عربي وأفغاني في آخر الأمر والناس جالسون في انتظار قدوم الملك، ورأى مدير الأمن العام أن يعلقهما خلف الأريكة المعدة لجلوس الملك، وجاء الخياط الذي عمل البيارق «بمطرقة» وثبت العلمين.

المصدر : صحيفة مكة