تغيير طبوغرافية منى

 

25 عاما، كانت كفيلة بتغيير ملامح مشعر منى جذريا، لا المكان يشبه المكان ولا الإمكانات أيضا، إذ تحولت من العشوائية إلى مدينة حضارية ذات طابع إسلامي متفرد، خيام مطورة، أنهت فصول حرائق طالت المشعر في مواسم حج ماضية، حيث كانت تمتد الحرائق في الخيام المصنوعة من الأقمشة وهددت سلامة وأمن الحجاج، بالإضافة إلى التدافع عند الجمرات، كل ذلك أسهم في تغيير طوبوغرافية منى لتتحول إلى منطقة محمية بأحدث الوسائل المضادة للحرائق والخطط التنظيمية لحركة المشاة.

استدعى ذلك ضرورة التفكير في سكن للحجاج مقاوم للحريق والعواصف والأمطار والسيول وتتوفر فيه كل وسائل السلامة والأمن والراحة، وتحولت منى إلى منطقة تستحوذ محوري الإسكان والحركة المرورية، حيث أصبحت الآن عبارة عن مخيمات وطرقات، بعدما كانت قديما تتميز باحتضانها للعديد من المساكن والقهاوي.

عندما نعود بذاكرة منى إلى عشرات الأعوام السابقة وهي المنطقة التي تشهد أعلى كثافة سكانية في العالم، كانت تحتضن عددا من مساكن أهالي مكة من ضمن قبيلة قريش التي كان لها نصيب الأسد، إضافة إلى عدد من المقاهي والأسواق الشهيرة والحارات المرتبطة بها مثل: ريع البابو، الشعيبين، دحلة قريش، طلعت الحضارم، ريع الكبش، ربوة الجاوة.

ولا يمكن أن ترى مكانا في العالم يقوم مقام مدينة متكاملة لأيام معدودة، لكن »منى« حققت هذا وهي مدينة الثلاثة أيام التي تفتح أبوابها وجبالها منذ أكثر من 1000عام تستقبل على أرضها ملايين الحجاج، وتحقق لهم شرط اكتمال المشاعر، وتعيش هذه الملايين وسط أجواء روحانية تعبدية ويتحقق خلالها التعارف ما بين الأسود والأبيض وما بين العربي وغيره، وتحصل بينهم العديد من الذكريات، وفي اليوم الثاني أو الثالث عشر يودع هؤلاء الحجاج منى بالدموع على أمل اللقاء في الأعوام المقبلة.

قديما وحديثا

كان لأغلب عوائل مكة عقار في منى وكذلك فئة المطوفين، إذ اتخذت الشخصيات المكية الجهة الجنوبية من منى ابتداء من جمرة العقبة إلى الجمرة الصغرى، وكان مجموع العقارات نحو 130، وتمتلك أسرة آل حسنين أكبر عقار، وهو آخر عقار تم إزالته قبل نحو 12 سنة، في عهد المهندس عبدالقادر كوشك أمين العاصمة آنذاك، وهو ممتد من الناحية الشمالية على سوق العرب وتقدر مساحته بنحو 1500 متر، وكان عقارا مسلحا، بينما كانت أغلب العقارات مبنية بالحجر والرواشين.كما كان هناك مبنى للإذاعة السعودية عند جمرة العقبة الصغرى، بداخلها استديوهات القناة، وتحتوي على ضيافة للوفود الإعلامية، وبجانبها مخيم كبير لضيوف وزارة الإعلام وهو مبنى كبير بالحجر والرواشين، وكل تلك المباني أزيلت لتوسعتها للحاج.ومن أكثر ما يميز منى، شارع سوق العرب وسوق الجوهرة، وما انتشر فيها مثل قهوة محمد علي القرشي، وكانت هناك مقاه لمعلمي القهاوي، ومقاه لأحمد شعيب، كما أن أبرز شيوخ المقاهي الموجودين في مكة كان لهم مقاه في منى تفتح أيام المواسم، وتقدم الشاي فقط والماء البارد، والذي كان يعد عملة نادرة في ذلك الوقت، حيث كان الماء البارد والثلج من الأشياء النادرة.كان هناك حوش عند جمرة العقبة الكبرى مساحته 400 متر ويؤجر قبل 35 سنة بـ600 ألف ريال لموسم الحج فقط، وهذه كانت تؤجر للشخصيات المهمة، حيث إن بعض أصحاب البيوت يؤجرون عددا من الغرف للحجاج، فكانت تؤجر الغرفة على حسب مساحتها ويتراوح سعرها بين 10 – 20 ألف ريال، مع أنها بيوت شعبية، ولكن كان الحاج يرتاح فيها أكثر من المخيم.إصلاحات منى وتوسعتها بدأها الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله وقاد هذا التوجه أمين العاصمة المقدسة آنذاك عبدالله عريف، ومن الأماكن التي شهدت توسعات هي ريع البابور حيث شق الجبل الموجود من الناحية الجنوبية لمنى وفتحه على حي العزيزية، ونشأ أضخم كوبري في ذلك التاريخ ودخل فيه على منى، وكذلك كباري مزدلفة.كما تم فتح المنطقة على حي المعيصم وفتح بعض الطرق على حي الششة من الناحية الخلفية بشارع الحج، وفتح جبل طلعة صدقي فتح الجبل من الناحية الجنوبية للعزيزية.

منصور أبو رياشر - ئيس اللجنة العقارية بغرفة مكة المكرمة

 

أسماء قديمة

كانت تسكنها قبيلة قريش وما زالوا يترددون إليها منذ عهد قريب، حتى إن الأهالي كانوا يسمونهم «قريش منى»، ومن الأسماء القديمة التي كانت موجودة في منى هو مكان يقال له «المحصب» ويقال إنه المكان الذي ترمى منه الجمرات.كانت منى تحتضن العديد من المساجد التي أزيلت لغرض أعمال التوسعة والتحول من أسلوب الحج العشوائي إلى المنظم، وبقي منها مسجدان وهما مسجد الخيف ومسجد العقبة اللذان يلقيان اهتماما بالغا ومتواصلا من الحكومة السعودية، خاصة أن مسجد البيعة بني منذ عهد الخليفة العباسي الثاني أبي جعفر المنصور، حين بايع الأنصار «الأوس والخزرج» رسول الله على النصرة وكان ذلك سببا في الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وقيام الدولة الإسلامية وانتشار الإسلام.


الدكتور عبدالله الشنبري - أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى

 

نشاط عقاري

بيت في منى من تمام الغنى، مثل شهير كان يقال قديما ويدل على أن منى كانت من المناطق الملتهبة عقاريا، ومن يسكنها عادة ما يكون لديه وفرة في المال، وكان شيخ قبيلة قريش محمد علي القرشي، من أبرز الساكنين فيها، وورثه ذلك من بعده أبناؤه، وكان هناك بيوت وأحواش لمشايخ الجاوة، وهي منطقة عرفت باسم ربوة الجاوة.ومن أشهر الساكنين هناك إبراهيم الحلواني الذي كان معلما معروفا في منى وكان يعلم الناس الخط والإملاء والحساب، وكان يؤتى إليه بموظفي البنك الأهلي «الحضارم» ليعلمهم الحساب، وتوفي في يوم عرفة وهو عندما نوى أداء فريضة الحج.ومن أهم المعالم الرئيسية بالنسبة التي نفذت في العهد السعودي تتلخص في ثلاث نقاط أولها تجاوز إشكاليات الزحام في جسر الجمرات، والتخلص من أزمة المواصلات والنقل والتي تم حلها من خلال إنشاء قطار المشاعر المقدسة، والمواصلة الآن في اكتمال منظومة النقل من خلال إنشاء قطار الحرمين الشريفين والذي سيساعد بشكل كبير إلى حل جزء كبير من المشكلة، والأخيرة هي قضية الحرائق المتوالية التي كانت تشهدها الخيام بسبب خروج بعض الحجاج عن اشتراطات السلامة، حيث تم القضاء عليها.

عبدالرحمن خياط - أحد وجهاء مكة

 

أسواق ومحلات

كان هناك محلات وأسواق معروفة، وكان عمدة منى إبراهيم بن محيا القرشي، وكانت قريش آنذاك تستعد لموسم الحج منذ وقت مبكر، حيث تملأ الخزانات بالسقيا، قبل ثلاثة أشهر من بدء موسم الحج، وأشهر حارات منى كانت دحلة قريش وربوة الحضارم ومجر الكبش وربوة الجاوة، و سكانها من قريش.ومن أبرز المظاهر التي تحصل قديما، كانت قبيلة «حرب» تضرب الدف في أيام الأعياد، وكان المصريون يقيمون الاحتفالات و»زغاريد» العيد.كما أن هناك منطقة تسمى الشعيبين وهي من جهة حي المعيصم، وسميت بهذا الاسم لأنه كانت تصب فيها السيول ويسكنها بعض أفراد قبيلة قريش.

سعد القرشي - رئيس لجنة النقل بغرفة مكة المكرمة

وزارة الشؤون البلدية توصلت بعد دراسة إلى حل متكامل لمشكلة الخيام يهدف إلى:

 تطوير سكن للحجاج في خيام مقاومة للحريق.
 الجمع بين الأصالة والمعاصرة في شكل الخيام.
 استغلال كل متر من المساحة المتوفرة لزيادة الطاقة الاستيعابية.
 إنشاء مربعات تخييم تتخللها طرق طولية وعرضية لتسهيل الحركة.
 سهولة المراقبة الأمنية على مدار العام.

الأنسجة الزجاجية المغطاة بمادة التفلون (PTFE) غير القابلة للاشتعال:

1- لا تشتعل فيها النيران مطلقا.
2-لا تنبعث منها غازات سامة إلا في درجات حرارة فوق 750 درجة مئوية.
3- سهلة التنظيف بالهواء والماء.
5- مرنة التشكيل وتساعد على سهولة التهوية.
4- سهلة الصيانة.
6- لديها مرونة كافية لمقاومة الرياح والعواصف والأمطار.
7- معمرة إذ يمكن استخدامها مع الصيانة الصحيحة لأكثر من 50 عاما.
 

معايير لتنفيذ المشروع:
1 - مراعاة اشتراطات السلامة العالمية كمواجهة أخطار الحرائق والعواصف والأمطار وتساقط الصخور.
2 - مراعاة سهولة الدخول والخروج للخيام وإمكانية الهروب في حالات الطوارئ والحوادث.
3 - زيادة الطاقة الاستيعابية للخيام بالاستفادة من كل متر في مشعر منى.
4 - توفير الخدمات لسكن صحي، نظيف،ومتكامل.
5 - زيادة الرحابة والراحة للحجاج وسهولة تشكيل الوحدات السكنية للخصوصيات.
6 - مراعاة الاعتبارات المناخية في المنطقة وتزويد الخيام بالمكيفات المركزية الصحراوية.

المصدر : صحيفة مكة 1435/12/10هـ