حجاج يسألون عن حواري وأسواق مكة قبل التوسعة!

 

مكة المكرمة، تحقيق- هاني اللحياني

    توجد علاقة روحية رائعة بين حجاج بيت الله الحرام وبين قبلة الدنيا "مكة المكرمة"، وهذه العلاقة ليست مجرد علاقة ترتبط بأداء المناسك والشعائر المرتبطة بالركن الخامس من أركان الإسلام، بل إنَّها علاقة أبعد من ذلك وأعمق، حيث تحولت هذه العلاقة إلى عشق للأمكنة المكية في قلوب الحجاج، فمن خلالها يسترجعون الماضي الجميل والذكريات الخالدة في نفوسهم التي تحتفظ بأسماء أحياء وأزقة مكة المكرمة وأشهر المطاعم والأسواق التجارية فيها، ومنها "سوق الليل"، "الغزة"، "الشامية"، "شعب عامر"، "القشاشية"، "الشبيكة"، "الفلق"؛ ممَّا يجعل أحياء العاصمة المقدسة أشهر أحياء المدن الإسلامية.

واليوم، وفي ظل موجة الإزالة غير المسبوقة للأحياء والحارات المتاخمة لساحات الحرم المكي، ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة الساحات الشمالية، توجد ثمَّة مشاهدات ومفارقات جديدة لحجاج عادوا إلى مكة المكرمة بعد سنوات طويلة، وفي مخيلتهم صورة ذهنية لمكة القديمة، فيما كشف الواقع تحوّل تلك الأحياء لمساحات شاسعة فتحت المزيد من الطرق، وأظهرت مشروعات تنموية عملاقة، فبين الحنين لمكة المكرمة العتيقة وبين فرحة التطور والتغيير لهذه المدينة المقدسة، بدت الدهشة واضحةً على ملامح كثير من الحجاج هذه الأيام.

"الرياض" التقت بعدد من الحجاج العرب، ممن أتوا إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج في سنين مضت، ورصدت مشاعرهم بعد أن رأوا التغيير الذي طال العديد من الأحياء والحارات القريبة من ساحات الحرم المكي، التي تمت إزالتها ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة الساحات الشمالية.

تغيّر كبير

وقالت "حسينة" –حاجة مغربية-:"أبلغ من العمر (50) عاماً، وقد مرت (15) عاماً بالتمام والكمال منذ آخر حجة حججتها وبين حجة هذا العام، لكنني فوجئت بتغيّر كبير في ملامح الخارطة المكية، حتى أنّي لم أستطع أن أحدد مواقع الفنادق، التي كنت أسكنها مع والديّ -رحمهما الله-، كما انَّه لم يعد بمقدوري معرفة كثير من الأزقة والمحال التجارية التي كنت أتردد عليها في أحياء سوق الليل والغزة وشعب عامر والشامية"، مُضيفةً أنَّها أصابتها الدهشة وهي تقف مذهولةً أمام أحياء أُزيلت بفنادقها وشوارعها وأزقتها ومرافقها بالكلية لصالح توسعة الحرم المكي.

وأضافت أنَّ الدهشة أصابت أبناءها في المغرب أيضاً حينما أبلغتهم هاتفياً بما شاهدته، مُشيرةً إلى أنَّها أرسلت إليهم بعض الصور التي تُظهر جانباً من هذا التغيير الذي طال بعض أحياء مكة عبر هاتفها المحمول.

صور إرشيفية

وأشار "ياسين منير" –حاج تونسي- إلى أنَّه يؤدي الحج هذا العام بعد مرور (18) عاماً منذ آخر حجة حجّها، موضحاً أنَّ كثيرا من الحجاج يحتفظون بصور أرشيفية كثيرة لأحياء مكة المكرمة المزالة، مُبيِّناً أنَّه لا يمكن التفريط فيها، إذ إنَّ إحكام قبضتهم عليها سيزيد في ظل تغير طبوغرافية مكة المكرمة من عدة اتجاهات، لافتاً إلى أنَّ هناك روحانية ممزوجة بقدسية المكان تلف الأحياء القديمة، التي أصبحت محفوظة لدى كثير من الحجاج.

وأكَّد أنَّه ما يزال يتذكر مطاعم العزيزية، التي كانت تعج بالحجاج المترددين عليها، وأسواق الجودرية والحلقة القديمة، حيث مشاهير بائعي الفول والخبز والشريك والكباب.

عبق التاريخ

وبيَّن "مناد عمران" -حاج جزائري- أنَّه يعود إلى مكة المكرمة لأداء حج هذا العام بعد مرور (21) عاماً مرت على آخر حجة حجها، مضيفاً :"بحجم الألم الذي اعتصرني وأنا أشاهد أحياء وفنادق قديمة أُزيلت بالكامل، بقدر ما أنا فخور بملامح مكة الجديدة، التي بدأت تظهر من خلال الفنادق الفاخرة والعملاقة، التي تضاهي فنادق العواصم العالمية، وربَّما لا تتوفر فيها"، مُضيفاً أنَّ هناك علاقة حميمة تربطه بأزقة الشامية والفلق، حيث تردد عليها من خلال أداء الحج والعمرة في أعوام سابقة، كان آخرها في العام (1414ه).

وأضاف أنَّ تلك الأماكن كانت عبارة عن فنادق قديمة وأزقة ضيقة ومنازل عتيقة يفوح منها عبق التاريخ، لكنها تقع في منطقة استثمارية تُمثّل واجهة عالمية ينبغي أن تستثمر بشكل جيد يستوعب مزيدا من الأعداد في مساكن حضارية تواكب تطور النزل السياحية.

ماضٍ جميل

ولفت "سامر وعدان" -حاج عراقي- إلى أنَّ هناك العديد من المتغيرات، التي طرأت على المنطقة المركزية، مُوضحاً أنَّها تسيطر على أحاديث الحجاج هذه الأيام وهم يسترجعون الماضي الجميل من أقاصي الذاكرة، مؤكداً أنَّ ما حدث في مكة المكرمة لا يمكن أن يحدث في أيّ مدينة أخرى في العالم، مُشيراً إلى أنَّ ذلك يعزز ثقة أبناء العالم الإسلامي في حكومة المملكة العربية السعودية كحاضنة مقتدرة على خدمة ورعاية المشاعر المقدسة.

وأضاف أنَّه وجد أنَّ هناك أكثر من (13) حارة وحيّا كان يعرفها في السابق من خلال تردده عليها أثناء مجيئه إلى مكة المكرمة لأداء الحج والعمرة في سنين خلت، وقد أصبحت ساحات تسر الناظرين، موضحاً أنَّها تحوّلت إلى ساحات جميلة أراحت الحجاج والمعتمرين من عناء الازدحام في هذا المكان، مُقترحاً أن يتم إحياء ذكرى الأحياء والحارات القديمة عبر إطلاق أسمائها على بعض المنشآت والمجمعات التجارية الجديدة.

المصدر : الرياض 1435/12/7هـ