أسرة نائب الحرم 395 عاما من العطاء لمكة

 

عائلة نائب الحرم، من العوائل المكية القديمة والعريقة، بدأ تألقها في التاريخ المكي بداية القرن الـ11، ومع وصول السيد محمد نائب الحرم إلى مكة المكرمة متوليا عمارة ما انهدم من الكعبة الشريفة 1040هـ.


كتب عنه المؤرخان السنجاري وابن علان في تدوينهم أحداث انهيار جدار الكعبة «وصل نائب عن السلطان الأعظم مراد في العمارة، نقيب الأشراف ببعض بلدان الروم السيد محمد بن السيد محمود الأنقوري، وهو قاضي المدينة المنورة».


ترجم له ابن علان بعد أن التقى به خلال إقامته في مكة المكرمة، حيث يقول «نعم الرجل علما وعملا، ودينا وتواضعا، وأخبرني أن عمره حينئذ 72 عاما، أي أنه من مواليد سنة 968هـ، كان بمكة المكرمة نائب الحكم من عام 994 إلى منتصف 996، صاغ ألفاظ الحجر التذكاري الذي أرخت به عمارة السلطان مراد ونقر في رخام الكعبة».


سماه ابن علان في مواضع نائب السلطان وفي أخرى ناظر العمارة، ومن هنا نستطيع القول، إن الأنقوري هو نفسه ناظر الحرم ونائب السلطان وناظر العمارة، وهو ذاته السيد محمد نائب الحرم الذي ذكره السنجاري نقلا عن الطبري.


أول من حمل لقب نائب الحرم في تاريخ مكة المكرمة، وكان قبل ذلك يطلق على المختص بشؤون الحرم المكي شيخ الحرم، وفي نفس العام 1040هـ الذي وصل فيه السيد محمد إلى مكة نائبا عن السلطان العثماني في بناء الكعبة، كان يلازمه ويقوم معه شمس الدين عتاقي بمسمى شيخ الحرم.


نيابة الحرم المكي

وقد ظلت هذه الأسرة تتوارث منصب نيابة الحرم عدة قرون، لذلك نجد في الوثيقة الصادرة من الشريف مساعد بن سعيد سنة 1180هـ، والمحفوظة لدى السيد أمين بن عبدالقادر نائب الحرم، إقرار السيد أحمد أفندي نائب الحرم مكان والده وجاء ضمن نص الوثيقة «على ما سبقت به العادة والقانون من أسلافنا»، مما يعني أن هذه الأسرة ظلت تتوارث منصب نيابة الحرم الشريف، إلا أن المؤرخ الحضراوي ينقل لنا خبر عزل السيد محمد نائب الحرم سنة 1272هـ، وتولي الشيخ أحمد أفندي بن صالح البكائي.


ويظهر أن الشريف مساعد بن سعيد أعاد لهم هذا المنصب بعد عزلهم منه، وكان نائب الحرم في سنة 1198هـ، عثمان نائب الحرم، ثم عزل من منصبه في هذا التاريخ، وتولاه من بعده الشيخ أحمد الحلبي.


شأن هذه الوظيفة كبير في الوظائف المكية، كانت تتأرجح بين آل نائب الحرم وبين غيرهم، حتى استقرت لديهم بعد ذلك، ونجد أن عددا كبير منهم تولى هذا المنصب، كما جاء في الوثيقة الصادرة سنة 1267هـ من الشريف عبدالمطلب بن غالب والمحفوظة لدى السيد أمين بن عبدالقادر نائب الحرم، تقرير السيد عبدالوهاب نائب الحرم، مكان والده السيد أحمد نائب الحرم.


ينقل لنا الشيخ أحمد أمين بيت المال كثيرا من أخبار هذه الأسرة بداية من عام 1279هـ، من خلال تدوينه لحوادث مكة المكرمة، أي أنه ومن هذا التاريخ استقرت هذه الأسرة في نيابة الحرم الشريف المكي، بعد عزل السيد إبراهيم بن علي من المنصب في فترة الشريف عون، ولي مكانه ابن عمه السيد محمد نائب الحرم، وسافر السيد إبراهيم نائب الحرم إلى الهند، وظل فيها حتى وفاة الشريف عون، وولاية الشريف علي باشا.


مهام نائب الحرم

تعدّ وظيفة إدارية لا وظيفة دينية، يتصل فيها النائب بالسلطان العثماني مباشرة فهو نائب عنه، ويتولاها في العادة أكبر الأسرة سنا، ويليه في المنصب من يليه في السن.


مهامهم المحافظة على نظام الحرم، والإشراف على موظفيه من خطباء وأئمة ومؤذنين وبوابين وشادين وكناسين ووقادين وغيرهم، وصرف مخصصات الموظفين الواصلة من السلطنة، إضافة إلى إبلاغ السلطان بما يحتاج إليه الحرم من عمارة أو ترميم، والإشراف على عمارته إن وجدت، والإشراف على الصدقات والأوقاف السلطانية، واستلام وتوزيع الصرر – أي المخصصات النقدية أو العينية – الواصلة إلى الأهالي.


كما كان يوكل إليهم إدارة جميع الأوقاف الخيرية والسلطانية القديمة، من مبانٍ وإضاءتها وتكايا ومساجد، وتعميرها وترميمها، وصرف مخصصاتها لمن يستحقها حسب شروط الواقفين وتعيين من ينوب عنهم في نظارتها.


واستمر ارتباط التعيين في وظيفة نيابة الحرم بالسلطان حتى أواخر أيام الدولة العثمانية، وإن كان يوكل للوالي في مكة أو الحاكم أمر التعيين، ثم تأتي الموافقة من السلطنة.


ويؤيد ذلك ما ذكره الدكتور سهيل صابان في مراسلات الباب العالي «بناء على إشعار سيادتكم الذي بعثتموه إلى نظارة الداخلية الجليلة بشأن وفاة السيد علي نائب الحرم المكي الشريف، ووكيل السلطان لخدمة الفراشة الشريفة، والذي بقيت بوفاته وظيفة النيابة والوكالة المذكورتين اللتين كانتا في عهدته شاغرتين، ونظرا لكون ابنه السيد إبراهيم أفندي صغير السن، فقد رأيتم توجيه وظيفة النيابة المذكورة مع مخصصاتها لأكبر أفراد هذه الأسرة، وهو السيد عثمان أفندي، كما رأيتم توجيه وكالة الفراشة الشريفة لعبدالوهاب أفندي، عم إبراهيم أفندي، وذلك إلى حين بلوغه – أي إبراهيم بن علي – سن التكليف».


ظهر عدد من رجالات هذه العائلة، ومن هؤلاء السيد حسين بن محمد بن عثمان نائب الحرم، الذي كان ضمن الأربعة الذين سلموا مكة سلميا للملك عبدالعزيز رحمه الله، وبايعوه ملكا على الحجاز، وهم السيد حسين نائب الحرم، والشيخ عبدالقادر الشيبي، والشريف حسين عدنان، والسيد صالح شطا، كما تعين عضوا في مجلس الملك فيصل بن عبدالعزيز عندما كان رئيسا للحكومة في مكة المكرمة في 28 جمادى الآخرة 1344، وتعين نائبا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند تأسيسها في أواخر صفر 1345.

المصدر : صحيفة مكة - حسام مكاوي