أحمد علي الكاظمي يوثق مكة بيومياته ( 6 )

نواصل نشر أحداث ومعلومات تتعلق بمكة المكرمة وردت في اليوميات التي دونها أحمد علي أسدالله الكاظمي - رحمه الله- والتي تعدها دارة الملك عبدالعزيز للنشر كاملة في إصدار مستقل، وكاتبها من رجالات التعليم الرواد في المملكة العربية السعودية، عمل معاونا لمدير مدرسة الأمراء بالرياض ومعلما فيها خلال الفترة 1357-1373هـ، ثم مفتشا بوزارة المعارف وعميدا لكلية الشريعة بمكة المكرمة، توفي، رحمه الله، في 1413.

السبت 22/9/1366 هـ


العمرة - عمرة التنعيم:

قبل خمس وعشرين سنة أتذكر وأنا صغير حركة الاعتمار في مكة من جانب الأهالي، أي أهل مكة الحجاج الذين كانوا يقدمون إليها فقد كانت حركة عظيمة، حركة مستمرة من بعد المغرب إلى المغرب الثاني.


وقبل أن توجد السيارات في الحجاز كانت حركة الاعتمار مقتصرة على التنعيم، وما كان يذهب إلى جعرانة إلا القليل..يستأجرون لذلك جمالا وشقادف.


وأما إلى التنعيم فكما قلت يخرج إليه الناس باستمرار وكثير من الحجاج يبالغ فيذهب ليلا ويعود ويخرج في النهار مرة أخرى، ويفتخر أنه يعتمر مرتين في 24 ساعة، والجهل إذا ساد في الناس أفسد أفكارهم وعقولهم، ولم يكن أحد في تلك الأيام يفكر سواء كان عالما أم طالب علم أم جاهلا أن يبحث عن أصل هذه العمرة وما حكمها في الشرع، وهل كان الأولون يقومون بها، وما حكم الشرع فيها.


لم يكن أحد أبدا يفكر في شيء كهذا، بل كان العامة وكثير من الخاصة ممن يطلبون العلم إذا قرؤوا في القرآن "وأتموا الحج والعمرة لله"، وكلما وردت كلمة العمرة في القرآن فهموا منها هذه العمرة وهي الخروج إلى التنعيم.


وكنت كذلك أعتبرها من أعظم العبادات والقرب، فكثيرا ما خرجت مع جماعتي وإخواني مشيا على الأقدام إلى التنعيم وتحملت مشقة السير والتعب إيمانا واحتسابا، ولم أكن أحرص على صلاة الجماعة في الحرم الشريف كحرصي للعمرة، فإذا خرجت للعمرة ورجعت منها متعبا وانتهيت من الطواف والسعي جئت إلى محلي ورقدت وأقوم في السحور بكل صعوبة ومشقة، وبمجرد انتهائي من الأكل وشرب الشاي أرجع إلى فراشي وأنام وربما فاتتني صلاة الفجر وأصليها بعد الإسفار أو عند طلوع الشمس أو بعده، وألوف أمثالي يفعلون فعلي..يرجع من العمرة بعد صلاة الفجر فيصلي وحده ثم يبدأ في الطوف والسعي.


وبقيت بأفكاري هذه نحو العمرة والاعتمار حتى دخلت الحكومة السعودية الحجاز وكان يقدم عدد كبير من جماعة أهل الحديث الهنود في السنوات الأولى من هذه الحكومة، وهم أول من أثار موضوع الاعتمار من التنعيم والخروج له من مكة، وبحثوا عن أصله وتاريخه فلم يجدوا غير ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر زوجته عائشة رضي الله عنها بالخروج إلى التنعيم والدخول منه معتمرة تطييبا لنفسها وذلك بعد الحج، ولم يفعله الرسول نفسه ولا أمر أحدا من أصحابه بفعله.


وباستقراء الحوادث ثبت أن عبدالله بن الزبير نذر وهو يبني الكعبة بأنها إذا انتهت وكمل بناؤها أن يخرج إلى التنعيم ويعتمر منها وقد فعل.


وعلى كل حال إذا اعتبرنا خروج عائشة رضي الله عنها وخروج ابن الزبير إلى التنعيم دليلا شرعيا لجواز الخروج إليه فليس معنى ذلك أننا نترك صلاة الجماعة في الحرم والطواف حول بيته ونترك أعمالا أخرى وننصرف إلى العمرة ونخرج لها مرة في كل يوم أو مرتين كل يوم وأن نعتبرها من عبادات شهر رمضان الوحيدة.

الخميس 16/12/1366 هـ

من الأشياء المستحدثة هذه السنة وضع ماسورة طويلة من العين إلى مسافة بعيدة، وفي هذه المأسورة توجد مواسير قائمة طولها تقريبا متر ونصف منتهية بصنبور لأخذ الماء، ورأيت في بعض المحلات ازدحاما على هذه الصنابير لأخذ الماء.


رجع الشيخ محمد عبدالرزاق بعد الظهر من مسجد نمرة، وأخبرنا عن وضع ميكروفون "مكبر الصوت" في المسجد، وكان يقرأ فيه قارئ القرآن قبل الصلاة، ثم ألقيت خطبة الشيخ عبدالله بن حسن بواسطته، وهذه أول مرة يستعمل فيها المكبر للصوت في عرفات ويستعمله الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ.


وصلنا مزدلفة وأوقفنا السيارة بجانب الطريق وصلينا المغرب والعشاء، ثم مكثنا برهة قصيرة وبعدها تحركنا إلى منى.
وكانت السيارات متقاطرة كأنها سكة حديد من كثرتها.
وقد قالوا إن الذي كان يقف على تطبيق نظام السير في تلك الليلة هناك هم الأمراء منصور وعبدالله بن فيصل.


في العرض العسكري الذي يقام في يوم 12 في منى لم يجد شيء فيه، بل كان صورة طبق الأصل أو أقل عن الأصل لأن الجند كانوا قليلين والشيء الجديد هو عرض فرقة الإطفاء بسياراتهم الجديدة ذات السلالم الطويلة وأدوات أخرى ورجال الفرقة كانوا بألبستهم الرسمية وخوذاتهم الفولاذية التي يستعملها رجال الإطفاء في أمريكا وإنجلترا ومصر وغيرها من البلدان المتقدمة وهي تابعة لبلدية مكة.
استعمل الميكروفون في حفلة العرض العسكري وما قيل فيها قبل العرض من خطب وقصائد.


يقولون إن نظام سير السيارات كان هذه السنة أحسن من الأعوام السابقة، ولم يسمح في يوم 12 بنزول الجمال والشقادف مع السيارات، ولذلك نزل أكثر الحجاج الذين حجوا في الشقادف إما على أقدامهم أو في السيارات..استأجروها من منى إلى مكة وبقيت الشقادف هناك أنزلها الجمالون على جمالهم خالية يوم 13 و 14.
ومن الأشياء المستحدثة هذه السنة بناية بالقرب من الجمرة الوسطى على يسار المتوجه إلى مكة سماها صاحبها وهو "عطا الياس" أحد الأغنياء "فندق التيسير".


دخلت فيها يوم 13 وسألت أحد القائمين بأمره عن الأجور فقال: أجرة السرير ليوم وليلة في الدرجة الأولى 60 ريالا، والدرجة الثانية 50 ريالا مع الأكل والشرب.


وقد امتلأت الحجر كلها بالنازلين من الحجاج الأغنياء، وهذا أول فندق منظم يشيد في منى.


كنا نشتري الماء الزفة بريال وبريال إلا ربع وأحيانا اشترينا بنصف ريال.هذا ما تذكرته عن منى والحج.


تجديد باب الكعبة

أقيمت حفلة إزاحة الستار عن باب الكعبة الجديد، وقد ذكرت أوصاف الحفلة في جريدة أم القرى مفصلة.


وقد دخلت الحفلة بدون بطاقة، وقد أوقف الطواف من بعد العصر إلى الساعة الحادية عشرة والنصف تقريبا من أجل هذه الحفلة التي كانت بين باب الكعبة وباب بني شيبة، وقد فرشت الأرض بالسجاد الفاخر.
وقف جنود الشرطة عند كل عمود من أعمدة المطاف لمنع الناس من دخوله إلا المدعوين.

 الاثنين 20/12/1366هـ

 

استعمال الميكروفون في الحرم المكي لأول مرة

كان الشيخ عبدالظاهر أبو السمح خطيب الحرم وإمامه اقترح على الحكومة استعمال المكبرات للصوت في الحرم للخطبة، إلا أن اقتراحه هذا لم يجد قبولا.


واستعمل المكبر للأصوات والميكروفون في بعض الحفلات الشعبية والرسمية، ومن السنة الماضية سنة 1365هـ صار استعمالها عاديا في الحفلات الرسمية.


وفي هذه السنة حرك الشيخ أبا السمح بعض الإخوان وأشاروا عليه أن يقترح هذه المرة على وزير المالية عبدالله بن سليمان ويطلب منه إنجاز هذه المهمة ففعل الشيخ ووافق الوزير وحالا أمر إدارة اللاسلكي بإحضار مكبرات للصوت وميكروفون، وأحضرت واستعملت في مسجد نمرة وخطب فيها الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ.


ثم استعملت هذه المكبرات في الحرم الشريف يوم العيد وفي خطبة الجمعة، لأن العيد والجمعة اجتمعا في يوم واحد وخطب الخطيب عبدالرحمن ابن الشيخ عبدالظاهر أبي السمح، ولكن لم يكن بالحرم إلا القليل من المصلين.


وفي يوم الجمعة 17/12/1366هـ خطب الشيخ أبو السمح بواسطته خطبة الجمعة وسمع أكثر المصلين في الحرم، وكانت هذه أول مرة تستعمل فيها مكبرات للصوت في خطبة الجمعة أمام ألوف من المصلين من الأهالي والحجاج، وقد استحسن كثير من الحجاج استعمال هذه المكبرات، إلا أن بعضهم، أي بعض الحجاج استاء من ذلك وعدها خروجا على العادات والتقاليد الدينية.


ولا بد أن كثيرا من الأهالي من يستنكر استعمالها لعدم استئناسهم بها.

الثلاثاء 21/12/1366هـ

قدوم جلالة الملك راجت من بعد الحج إشاعة قدوم الملك إلى الحجاز وما زالت رائجة، بل وازدادت قوة بعدما قرأ الناس برقية الملك التي أبرقها للحجازيين ردا على برقيتهم التي يبدون فيها عواطفهم وشوقهم إلى زيارته، فقال ربما نقدم إليكم بعد موسم الحج أو تقدمون إلينا.


ونسمع من الناس أن الاستعدادات لهذا القدوم تتخذ من قبل المالية والبلدية.

 

الأحد 8/2/1367هـ

شركة التوفير والاقتصاد

كنت أمس في مركز شركة التوفير والاقتصاد، وهذه الشركة أسسها أهلها منذ سنوات ليشترك فيها كل من لا يقدر الاشتراك في شركة كبيرة لتضخيم أسهمها.


وقد قدر الله لها من العاملين عليها وفيها من قام بأعمالها أحسن قيام ونجحت واستمر نجاحها بالرغم من تقلبات الزمن واستعار نار الحرب وحلول ويلاتها ومصائبها على العالم وخمود التجارة وقلة استجلاب البضائع من الخارج.


ومع هذا كله ظلت هذه الشركة تتأرجح بين العلو والهبوط حتى انتهت الحرب وأخذت آثارها تختفي تدريجيا وتتقشع سحبها عن فضاء العالم ونفضت التجارة عن ردائها البالي وبدت بوادر النشاط فيها تنقشع في كل صقع من الأصقاع، ورأينا من أثر انتعاش هذه الشركة ما يبشر بمستقبل حسن لهذه الشركة، فقد عزمت على شراء مراكب أو بواخر من أمريكا لتسير الكبار منها بين أمريكا والبحر الأحمر، والصغار في موانئ البحر الأحمر، ولتنفيذ هذه المهمة سافر مديرها الشيخ عبدالله باحمدين إلى أمريكا..كلل الله أعمالها وأعمال كل مخلص يحب الخير للناس والبلاد والعباد بالنجاح والتوفيق.

 

الجمعة 5/12/1367هـ

مكة مزدحمة اليوم بالحجاج، وإذا مر الإنسان من جهة المسعى شاهد الساعين يركضون بين الصفا والمروة فهم يمشون أو يسعون في عربات صغيرة تدفع باليد، وهذه العربات وجدت من العام الماضي منذ أن رأى الناس عربة جلالة الملك عبدالعزيز.


وقد وجدت هذه السنة أنواع منها، وأجرة السعي فوقها تبلغ أحيانا أكثر من عشرين ريالا أو ثلاثين، وهناك طريقة قديمة وهي حمل المريض أو العاجز في (شبريّة) أو سرير بواسطة حاملين قويين يحملونها على رأسهم، كما أن كل ضيف كبير في السن إذا أرادوا إراحته سمحوا له بالسعي في السيارة.


ومن نظام هذه السنة في المسعى أن وضعت (خوازيق) في شارع القشاشية وأخرى أمام باب الصفا لعدم مرور السيارات في المشعر وقطع السعي على الساعين، إلا أن هذا النظام سيستمر إلى يوم 7/12 وبعده ترفع الخوازيق وتسير السيارات في المشعر تخفيفا للضغط.


السبت 6/12/1367هـ

كان الطريق العام منذ عرفت مكة يسير مع مجرى السيل الذي يسيل وقت الأمطار من الأبطح وما فوق الأبطح، وكان هذا الشارع يمتد أمام القصور الملكية أو من بين القصور الملكية من ناحية وقصر الأمير سعود من ناحية أخرى – أي بعد أن شيد قصر سمو ولي العهد.


وفي هذا العام تم اقتراح تعديل الطريق من وراء قصر الأمير سعود فوافق جلالته وبدئ في تنفيذ المشروع من بعد العيد فأقيم جدار بين قصر السمنت الواقع على يمين الذاهب إلى منى وبين القصر الآخر الذي كان يسمى ببيت القطان.


ويكون الطريق العام للذاهب إلى منى على يسار السائر، والقادم من منى يجنح إلى اليمين، وقد هدمت بيوت كثيرة لأجل توسيع الطريق وتكوين الشارع.

السبت 19/12/1367هـ

نلاحظ هذه السنة قلة الجمال والشقادف وقلة أصوات الجمال عند الغروب والسيارات بدأت في نقل الناس من عرفات إلى منى والمزدلفة وتعود ثانية وثالثة ورابعة.


كانت العادة أن يقام استعراض عسكري يوم 11 ثاني يوم عيد الأضحى يحضره كبار الحجاج والرؤساء منهم، ثم هذه السنة حضرنا وحضر الناس، ولكن سمعنا من بعض الناس أن الاستعراض ألغي بأمر جلالة الملك وأنه يكتفى بالسلام على جلالته.

المصدر : صحيفة مكة 1435/11/29هـ